صدر حديثًا عن دار غراب للنشر والتوزيع – القاهرة، كتاب “صدّام حسين: أفراح ونكبات”، للروائي المصري حمدي البطران، ط 1 2019.
من هو حمدي البطران؟
حمدي البطران روائي مصري، ولد في شهر فبراير من سنة ١٩٥٠، في مدينة ديروط على بُعد ٣٠٠ كيلومتر جنوب القاهرة. درس الهندسة ثم التحق بأكاديميّة الشرطة وتخرج ضابطًا في الشرطة المصريّة. نال إجازة في القانون. خضع للتحقيق بعد صدور روايته “يوميّات ضابط في الأرياف” عام 1989، التي كشف فيها عن معاناة الناس، في الصعيد، في تعاملهم اليومي مع الشرطة. أُنهيت خدمته في سنّ الخمسين، فتفرّغ للكتابة. صدرت له عدّة أعمال روائيّة متنوّعة، نذكر منها: “السادات”، “ضوضاء الذاكرة”، “خريف الجنرال”، “وفاة أمين الحزب”، “أيّام هناك”… وأخيرًا. “صدّام حسين: أفراح ونكبات”.
يقول البطران في مقابلة أجرتها معه آية فتحي على موقع “مصر العربيّة” بتاريخ31 مارس 2018: “الكاتب ضمير أمّته، ولو تخاذل [الكاتب] عن الكتابة فستظلّ كثير من الحقائق مجهولة”. تابع البطران طريقه في عالم الرواية يكشف المستور الذي يغلي داخل المجتمع، ويَخجل الناس من ذكره أو الإعلان عنه، بأسلوب شائق، يحثّك للمضيّ في القراءة من دون ملل. فهو يمتاز بنَفَس روائيّ وقُدرة على السرد، إضافة لما تتضمّنه رواياته من معلومات تاريخيّة وأخبار.
برأيه: “الكتابة نوع من تخليص النفس من بعض ما يعتمل داخلها، الكتابة هي صراع بين الحق والباطل في عقل الكاتب، يحاول بكل الوسائل أن يظهر الجانب الإنساني داخله، إنّها حالة روحانيّة تتلبّس الكاتب فيكتب.” وكتابات البطران تتضمّن وقائع وأحداثًا وأنماطَ عيش لا يعرفها الكثير من الناس، ينقلها لنا كمن يستدعي ضمير الإنسانيّة للحكم عليها.
في كتابه “صدّام حسين: أفراح ونكبات” يضيء البطران على شخصيّة سياسيّة برزت جدًّا في عصرنا: الرئيس العراقي صدّام حسين، الذي بقي حديث الناس حتّى بعد محاكمته ثم إعدامه. فما الذي سيكشفه لنا البطران من جديد حول هذه الشخصيّة، بعد كلّ ما قيل وكُتب عنها؟ وهل سَيَجْنَح في توصيفه ناحية الخيال، خدمة للرواية، أم سيكون مباشرًا في عرضه للأحداث والوقائع؟
منذ البداية يوضح البطران في المقدّمة، الهدفَ من الكتاب، مؤكّدًا أنه لم يسعَ الى كتابة السيرة الذاتية لصدّام حسين، بالأخصّ أنّه بالإمكان، بفضل التكنولوجيا الحديثة، الحصول على أيّة معلومة بكبسة زر. وإنّما أراد إلقاء الضوء على الشخصيّة القياديّة لصدّام حسين، وانقسام العرب بين مؤيّد ومعارض لها. برأيه “إنّ تجربة صدّام حسين في الحكم على المستوى المحلّي والعربي والدولي لم تنجح على الإطلاق”، بل “أفقرت العراق”.(ص 7). ويربط هذا الفشل بعناد صدّام حسين من جهة، وبموقفه العدائي من الملك فهد وحسني مبارك، بعد غزوه للكويت، من جهة ثانية.
الكتاب مقسوم الى بابين: باب الأفراح، وباب النكبات في حياة صدّام حسين. يتضمّن باب الأفراح ستّة فصول، وفي كلّ فصل عرضٌ لعلاقة صدّام حسين برؤساء الدول المحيطة بالعراق، بدءًا بمصر، وصولا الى علاقته مع أميركا. ما ساعد في تنظيم أحداث ووقائع العلاقة بين صدّام وهذه الدول، حتى ليكاد العنوان يلخّص مضمون الفصل بكامله.
الفصل الأول:
مصر وصدّام حسين.. أفراح ونكبات
يبدأ البطران السرد بالحديث عن مصر وعلاقتها بالعراق، منذ القدم، عارضًا شذرات من تاريخ بابل ومصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، “والمصاهرة بين البئتين”؛ ويأخذ سرده منحى تصاعديًّا، إذ ينتقل الى القرن التاسع عشر، مسلّطًا الضوء على الصراع الذي كان قائمًا بين محمد علي باشا حاكم مصر والسلطان العثماني، وتأثير ذلك في تاريخ العراق الحديث. وصولاً الى تنبّه بريطانيا الى موقع العراق الاستراتيجي كطريق للمواصلات العالمية”. (ص 14)
ثم ينتقل الى “العلاقات المصرية العراقية سنة 1921، في أعقاب تأسيس الدولة العراقية”، متوقّفًا عند شخصيات أدبية مصرية كان لها “الفضل في تشكيل وجدان مثقفي العراق” (ص 15)، كالأستاذ أحمد حسن الزيات وطه حسين ومحمد حسين هيكل… ليعرض بعدها لبعض الوقائع التي جرت على أرض العراق وكيفية انتقال الحكم فيها. ثم يخبرنا عن موقف جمال عبدالناصر الداعي لمحاربة الاستعمار، ومناهضته لفكرة الأحلاف العسكرية. كما يتوقّف، بشكل خاص، عند العلاقات المصرية-العراقية، وكيفية تعامل عبدالناصر مع الأحداث العراقية ومواقفه منها، مساندًا بعضها ومعارضًا بعضها الآخر.
صدّام حسين في مصر
يتوقّف البطران عند إقامة صدّام حسين في مصر خلال عامَي 1962 و 1963، مشيرًا الى ما ذُكر عن أنّه كان “يخطّط لاغتيال الرئيس جمال عبدالناصر… وكوّن خلايا بعثية في القاهرة، وصل عدد أعضائها إلي أكثر من 700 فرد معظمهم من العراقيين والعرب الذين وفدوا إلى القاهرة لتلقي العلوم في جامعاتها” (ص 33). مضيفًا أنّ عدَدًا من المثقّفين المصريين انخرط ضمن هذه الخلايا، “وبينهم عدد من الكتاب والنقّاد والشعراء… وكانت هناك أموال تقدَّم لهم على شكل مساعدات تشجيعية وهدايا من العراق لتكريم المبدعين منهم”!(ص 33 – 34) وقد توفّرت كل هذه المعلومات لدى رجل المخابرات فتحي الديب الذي كان ينقلها مباشرة الى جمال عبدالناصر.
أيضًا يضيء على كيفية تعامل صدّام حسين مع المصريين خلال إقامته في مصر، من “حارس العمارة التي كان يقيم فيها” والذي “كان يعامله بشكل محترم” (ص 26)، الى صاحب المقهى الذي كان يرتاده، والذي قال عن صدّام: « مثير للمتاعب وصاحب مشكلات لم يكن يدفع حسابه، وانه يثير مشكلة لأي سبب كان”. إلا أنّ البطران يتابع موضحًا: ” لكن صدّام لم ينس هذا الدَّيْن، ففي السبعينيّات وعندما كان نائبًا للرئيس العراقي وزار القاهرة رسميًّا، زار المقهى فاجأة (كذا)، دفع فاتورته بالكامل وترك لصاحبه مبلغ ثلاث مئة دولار بقشيشًا”. (ص 35)
ثم يتحدّث عن اتّفاقيّة الصلح بين مصر وإسرائيل سنة 1979، ومحاولات العراق ثني السادات عن توقيعها، من خلال وفد عراقي “عرض على الرئيس السادات دعمًا ماليًّا قدْره تسعة مليارات دولار سنويًّا لمصر، بشرط أن يتراجع السادات عن توقيع الاتفاقيّة، ولكن الرئيس السادات رفض استقبال الوفد وصمَّم على المُضي في طريق الصلح مع إسرائيل لنهايته.” (ص 39)
وصول صدّام الى الحكم
أمّا عن وصول صدّام حسين الى الحكم فيقول: “أعلن الرئيس العراقي محمد حسن البكر عن استقالته في 26 يوليو 1979 والتي قيل وقتها إنّها بسبب كبر السن وتردّي حالته الصحية، وتولّى السلطة بعدها نائبه صدّام حسين.” (ص 40)
ثمّ يشير الى “المؤتمر الدولي الشعبي للسلام” الذي عقدته الحكومة العراقيّة في يونيو 1988 خلال الحرب الإيرانيّة العراقيّة، موضحًا: “دعت بغداد الى هذا المؤتمر أكثر من ألف شخصيّة دوليّة وعربيّة، كان الوفد المصري يتكون من 135 شخصيّة مصريّة عامّة ما بين شعراء وكتاب ومثقّفين وسياسيّين ورؤساء أحزاب وفنّانين”. ويضيف: “الغريب أنّ الرئيس العراقي صدّام حسين وجد لديه الوقت الكافي بعيدًا عن إدارة المعركة مع إيران، وكانت لم تُحسم بعد”. (ص 41)
كما يضيء على ما جرى بعد سنوات: “في 31 يونيو 1990، أي قبل غزو العراق بشهر واحد، اتصلت سكرتارية الرئيس العراقي بالدكتور مصطفى الفقي سكرتير الرئيس حسني مبارك للمعلومات، وأبلغته أنّ الرئيس صدّام حسين قرّر تقديم مبلغ 50 مليون دولار إلى الحكومة المصريّة، وبالفعل تمَّ تحويل 25 مليون دولار من المبلغ… وعندما تساءلت السكرتارية المصريّة عن سبب هذا التبرع المفاجئ قيل لهم: إنّ فخامة الرئيس صدّام حسين قرّر اقتسام لقمة العيش مع مصر.” (ص 42) ويتابع: “أنّه في الوقت الذي قرّر فيه العراق اقتسام اللقمة مع مصر، خفَّض تحويلات المصريّين العاملين في العراق، الى 60 في المائة بدلاً من تحويل المدّخرات كلها، وهو الأمر الذي أدّى بهم الى العودة لبلادهم، وفي نفس الوقت قرّر تخفيض تحويلات العمالة المتخصّصة مثل أساتذة الجامعات والأطبّاء الى النصف.” (ص 43)
ثمّ يتوقّف عند “وجود ظاهرة غريبة بدأت تُطلّ برأسها، وهي وصول صناديق خشبيّة تحمل جثث المصريّين القتلى بأعداد كثيرة، ومع كلّ جثة تقرير طبّي يقول إنّ الوفاة حدثت بطلق ناري أو شجّ بالرأس أو صعق كهربائي.” (ص 44)
الفصل الثاني:
حرب الخليج الأولى.. بداية الغطرسة
هو فصل الأزمات بين العراق وإيران. فبعدما “قامت الحكومة العراقيّة باعتقال الزعيم الشيعي محمد باقر الصدر وأصدرت بحقّه الحكم بالإعدام”، شكّلت إيران “ما عُرف باسم “الجيش الثوري الإسلامي لتحرير العراق من حكم العملاء والظالمين والقتلة”، واتّهم الإيرانيّون صدّام حسين بأنّه حوّل العراق إلى “سجن للمؤمنين ومقبرة للحرية”…” و “بدأت الحرب العراقيّة الإيرانيّة وهو ما عُرف بحرب الخليج الأولى في سبتمبر 1980.” (ص 57) وقد استمرّت هذه الحرب حتى 25 أغسطس 1988، حيث “بدأت المفاوضات العراقيّة الإيرانيّة في جنيف بسويسرا، وانتهت الحرب تمامًا.” (ص 61)
الفصل الثالث:
خدعة مجلس التعاون العربي
ينطلق في هذا الفصل من سعي حزب البعث العراقي، منذ تولّيه الحكم، الى تحقيق حلمه بزعامة الأمّة العربيّة، وسعي أحمد حسن البكر عند تولّيه الحكم في العراق الى إنشاء حلف خليجيّ، ومعارضة كلّ من مصر والكويت لهذا الحلف. ثمّ يعرض لمساعي الملك حسين للتوصّل الى اتّفاق يرضي جميع الأطراف… والتي نتج عنها إنشاء “مجلس التعاون العربي بموجب اتّفاقيّة وقّعها كلّ من قادة دول مصر والعراق والأردن واليمن، وأعلن عنه رسميًّا في 16 فبراير 1989، وذلك في نطاق جامعة الدول العربيّة.” (ص 70) إلّا أنّ الأمر لم يدم طويلا، إذ “أفسد العراق أعمال مجلس التعاون العربي وأهدافه بعد أن غزا الكويت في أغسطس عام 1990”. (ص 72). ثم يشير في الختام الى كيفيّة تعامل الرئيس العراقي مع الوفود المشاركة قائلاً: “الغريب في الأمر أنّ الرئيس العراقي صدّام حسين أسبغ الهدايا على الوفود المشاركة في توقيع اتّفاقيّة مجلس التعاون العربي، كان نصيب بعض الأعضاء فيلات وسيّارات وهدايا أخرى ثمينة…” (ص 73)
الفصل الرابع:
صدّام حسين وحافظ الأسد
يدور هذا الفصل حول موضوع “الوحدة بين سوريا والعراق” والقواسم المشتركة بين البلدين، إذ “كان حافظ الأسد يحكم سوريا باسم حزب البعث، وصدّام حسين يحكم العراق باسم حزب البعث أيضا منذ عام 1968 حتى عام 2003.” (ص 75) كما يعرض لأسباب الخلاف بين الأسد وصدّام، حين التقيا بسعي من الملك حسين، ملك الأردن، الذي “أصرّ على وجود التقارب بين الرئيسين”؛ وتناقشا خلال اجتماع مغلق، من دون أن يتوصّلا الى اتّفاق حول الموقف من إيران. ما أدى الى قطع العلاقات بين البلدين، إذ “تمسّك صدّام حسين بفكرة إدانة إيران.” (ص 79). ويختم الفصل موضحًا كيف “تمكّن الملك الحسن [ملك المغرب] من التوصّل الى ما يُعرف بإعلان فاس والذي حمله بعد ذلك الملك المغربي معه عندما تقابَلَ مع الرئيس الأميركي ريجان”، منوِّهًا بما قام به الملك الحسن من محاولات لـ “رأب الصدع بين الرئيسين”.(ص 80)
الفصل الخامس:
صدّام حسين وأميركا: علاقة ملتبسة
يعرض في هذا الفصل العلاقات الأميركيّة-العراقيّة، والزيارات المتبادلة بين سفراء وسياسيّي البلدين، السرّي منها والمُعلن… وصولاً الى كيفيّة وقوع صدّام حسين في “المصيدة الأميركيّة”. كما توقّف عند قرار إدانة العراق الصادر عن لجنة الشؤون الخارجيّة في الكونجرس الأميركي “لخَرقه الفاضح لحقوق الإنسان”، وذلك بعدما “بادرت وزارة الخارجيّة الأميركيّة بنشر تقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان، ووصفت حكومة العراق بأنّها “أسوأ منتهك لحقوق الإنسان في العالم”.” (ص 90)
الفصل السادس:
لقاء السفيرة، والمصيدة الكبرى
يُدخلنا البطران أجواء اللقاءات الديبلوماسيّة التي قامت بها السفيرة الأميركيّة جلاسبي، وكيفيّة تسريب الأميركيّين لكلّ ما كان يقال، الى الكويت. متحدّثًا عن لقاء السفيرة الأميركيّة المفاجئ بصدّام، الذي “تمّ الإعداد له بعناية فائقة، من خلال الرئيس العراقي صدّام حسين” (ص 102)؛ وإعجابها الشديد به. كما يعرض حوارَهما كاملاً. وممّا قاله لها صدّام: “نحن نعرف أنّكم قادرون على إلحاق الأذى بنا، ونحن لا نستخدم التهديد ضدّكم، ولكنّنا نحن أيضًا قادرون على إلحاق الأذى بكم.. وكلّ واحد يُلحق أذى بقدر حجمه. ليس باستطاعتنا أن نزحف عليكم، ولكن باستطاعة الأفراد من العرب الوصول إليكم…” (ص 109)
ولكن، بالرغم ممّا بدا من قوّة في موقف صدّام خلال لقائه السفيرة الأميركيّة، أعلن البطران منذ بداية الفصل، قائلا: “يُعتبر لقاء الرئيس العراقي صدّام حسين، مع سفيرة الولايات المتّحدة الأميركيّة، قمّة ما وصل إليه مكر السياسة الأميركيّة ودهاؤها مع رئيس عربي لاصطياده والإيقاع به.” (ص 102)
كان هذا في “باب الأفراح”، فإن كانت أفراح صدّام قد نضجت على مآسي الآخرين، فما عساه يحمل لنا باب نكباته؟
الفصل الأول:
غزو الكويت، بداية النكبة
من دون مقدّمات يضعنا البطران في وسط المعركة: “استيقظت الكويت، فجر الثاني من أغسطس 1990، على هدير 350 دبابة عراقيّة، تجوب الشوارع الرئيسيّة لمدينة الكويت، وتدعمها وحدات من الحرس الجمهوري وغطاء جوي كثيف من الطائرات.” (ص 123) ويقوم بعدها بعرض شامل لما جرى خلال هذا الغزو، وكيفيّة لجوء آل الصبّاح الى السعوديّة، وعلى رأسهم أمير الكويت الذي قاد السيّارة بنفسه، متّجهًا للقاء العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز. ثمّ يصف تعامل جيش صدّام مع الكويتيّين خلال الغزو ونهبهم لخيرات الكويت. وما كانت تبثّه الإذاعة العراقيّة من بيانات ادّعت أنّها صادرة عن “حكومة الكويت الحرة”. (ص 132) ثمّ تشكيل الحكومة المؤقّتة في الكويت، واستخدام الأجانب المقيمين فيها كرهائن.
الفصل الثاني:
محاولات لمنع الكارثة
ينقل لنا هذا الفصل صورة عن كيفية انقسام الدول العربيّة حول ما يجري، ضمن مجموعات. بينها فريق واحد يشمل “العراق، والأردن، وفلسطين، اعتبر القضية مجرّد خلاف بين دولتين عربيّتين ولا يقتضي استدعاء القوة الأجنبية للفصل” (ص 153)، بينما استنكر باقي الفرقاء هذا الغزو. كما يخبرنا بتفاصيل اجتماع وزراء خارجيّة الدول العربيّة المنعقد بتاريخ 2 أغسطس 1990 في فندق سميراميس، بسعي من الرئيس المصري حسني مبارك “لاحتواء الأزمة داخل المجموعة العربيّة” تجنّبًا للتدخّل الأميركي. (ص 159) والذي انتهى بـ “إدانة العدوان العراقي على الكويت… ومطالبة العراق الانسحاب الفوري وغير المشروط…” (ص 163) تلا ذلك لقاءات عديدة ما بين الرؤساء العرب، ولكن من دون التوصّل الى اتّفاق. وهنا يُلقي الكاتب باللائمة على الملك حسين والسياسة التي اتّبعها وفقًا لما يتلاءم مع مصلحة بلاده، كما يضيء على جانب من حياته اليوميّة من خلال ما ذكرته زوجته الملكة نور في مذكّراتها.
الفصل الثالث:
تحرير الكويت
يكشف البطران عن التحضيرات التي قام بها شوارتسكوف قائد قوّات التحالف الدولي، الذي فرض على الجنود الأميركيّين الإذعان للقوانين السعوديّة، قبل أن تنطلق المعركة الجويّة لتحرير الكويت في 17 يناير 1991. ثم تلتها المعركة البرّيّة في 24 فبراير من السنة نفسها، واستمرّت حتى 28 منه، إذ “أصدر الرئيس الأميركي جورج بوش أمرًا بوقف العمليّات العسكريّة بعد أن تمكّن 100 ألف جندي عراقي من الهروب إلى البصرة فرارًا من الأسر المحقَّق.” (ص 185)
الفصل الرابع:
في خيمة صفوان، بداية نهاية العراق
يركّز في هذا الفصل على الشرط الذي وضعه القادة العراقيّون في خيمة صفوان حيث أجريت مباحثات الاستسلام، والذي ينص على “الاحتفاظ بحق الطيران فوق الجنوب العراقي.” (ص 188) ثم يصف واقع المعركة على الأرض وكيفيّة سحق القوّات الأميركيّة للجيش العراقي في الكويت؛ ويعدّد بالتفصيل الشروط التي فُرضت على العراقييّين خلال المحادثات في خيمة صفوان. كما يكشف عن سبب مطالبة العراقيّين الاحتفاظ بحق طيران الهليكوبتر فوق الجنوب العراقي، وذلك بغية قمع الانتفاضات في البصرة.
الفصل الخامس:
مقدّمات الانهيار
هي مرحلة الثورات والانتفاضات ضدّ صدّام وحكمه، من قبَل الشيعة في جنوب العراق، والأكراد في شماله. ومرحلة الاضطراب داخل القيادة العراقيّة، وفي عقر دار صدّام، حيث هرب اثنان من أصهاره الى الأردن، وعقدا مؤتمرات حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، ما عُدَّ خيانة لصدّام، الذي أقنعهما بالعودة ثمّ قام بإعدامهما بالرصاص هو وابنه عُدَي، من دون محاكمة. كما يشرح معاناة العراقيّين الاقتصاديّة والتدهور الكبير للعملة، متوقّفًا عند بيع الأساتذة الجامعيّين والكتّاب لما تحويه مكتباتهم، طلبًا للقمة العيش. وفتح باب الهجرة على مصراعيه. وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 زعمت الولايات المتّحدة “امتلاك العراق أسلحة دمار شامل” (ص 214)، تمهيدًا للقضاء على صدّام.
الفصل السادس:
سقوط بغداد
يُظهر هذا الفصل مدى نقمة بوش الابن وطوني بلير على صدّام، وسعيهما الحثيث لمحاربته بعدما وضعاه في خانة الإرهابيّين، لامتلاكه أسلحة الدمار الشامل وفق زعمهم، علمًا أنّ صدّام وافق في 16سبتمبر 2002 “على العودة غير المشروطة لمفتّشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة.” (ص 219) وبالرغم من اعتراف “فريق التفتيش الدولي في العراق أنّه لم يعثر على أيّ دليل لوجود أسلحة دمار شامل… أعلن كولين باول وزير الخارجيّة الأميركي، أنّ البيت الأبيض سيرفض البيان العراقي، بحجّة أنّ هناك تحريف بالملف العراقي المؤلف من 12,000 صفحة “. (ص 220)، وبالتالي شنّ الجيش الأميركي في 19 مارس 2003 الحرب على العراق، وسقطت بغداد في يده في 9 أبريل 2003. (ص 222)
الفصل السابع:
سقوط صدّام
14 كانون الأول 2003 تاريخ ارتبط بمشهدٍ حفرَ في عقول الكثيرين: اعتقال صدّام حسين وظهوره أمام الرأي العام العالمي بشعره الأشعث وعينيه الزائغتين. في هذا الفصل يشرح البطران كيف تمّ الوصول الى صدّام حسين، من خلال اعتقال محمّد ابراهيم الذي كان يقود عمليّات صدّام، والذي أرشدهم الى مخبئه. ويذكر كيف جرت محاكمته، وتفاصيل إعدامه في 30 كانون الأول 2006 ناقلاً لنا كلّ حركة وكلّ كلمة قالها صدّام ومَن حوله، معيدًا إحياء المشهد بدقّة الروائي اللامتناهيّة (ص 237 – 238).
الفصل الثامن:
صدّام حسين والإرهاب
في الفصل ما قبل الأخير، يعرض البطران لمجريات الأمور على الساحة العراقيّة بعد إعدام صدّام، وظهور داعش، مسمّيًا بالأسماء بعضَ الضباط السابقين في جيش صدّام الذين انضموا الى داعش، ونظّموا عمليّات عسكريّة سيطروا من خلالها على قسم من المناطق العراقيّة. وينتهي الى استنتاج يقول: “لا يمكننا الجزم بتعاون صدّام حسين ونظامه مع أيٍّ من التنظيمات الإرهابيّة، حالَ وجوده في الحكم، وإنّما كلّ ما أشار به المحلّلون تمّ بعد زوال صدّام حسين ونظامه “.(ص 249)
كما يعرض بعض مواقف صدّام من الدين، ونظرته الى الوطن، تأكيدًا لبُعده عن التنظيم الإسلامي؛ ويستعين بتصريح صدّام نفسه، ليدعم رأيه في هذا الصدد، حيث يقول: “يرى صدّام حسين أنّ كون الحزب يعيش ضمن مجتمع متديّن لا يمنع «تطبيق مستلزمات العبادة تاركين لكل إنسان حق ممارسة طقوسه الدينيّة في العبادة وفق دينه ومذهبه وطريقته الخاصة»”. وعن حزب البعث يقول: «إن الحزب لم يدعُ إلى بناء دولة على الطراز الديني». (ص 249)
ثم يستند الى دراساتِ عدد من المحلّلين الذين توصلوا الى الاستنتاج نفسه، مستشهدًا بقول الباحث فاوست: إنّ “حزب البعث في عام ١٩٩٠ حظّر كتب الإسلاميّين السُّنَّة كما لاحَقَ الوُعَّاظ والأئمة بعدما اكتشف ميولهم الإسلاميّة المتطرّفة.” (ص 251)
في المقابل يَعتبر البطران “أنّ الإحتلال الأميركي، كان أحد الأسباب الرئيسيّة في ظهور التنظيم الإرهابي داعش، خاصّة بعدما صدر في 2003 قرارا (كذا) بإقالة الضبّاط والجنود العراقيّين، بعدما قام بول بريمر الحاكم الذي عيّنه الأميركان للعراق بحلِّ الجيش وعدد من الهياكل السياسيّة للنظام العراقي، ما تسبّب في انهيار الدولة وتصاعد العنف المسلّح المتطرّف.” (ص 252)
الفصل التاسع:
لمحات عن صدّام حسين
وكما بدأ الفصل الأوّل من الباب الأول بالإضاءة على تاريخ الرئيس المصري جمال عبدالناصر، يختم الفصل الأخير من الباب الثاني بالحديث عن “وجود خلافات بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر”، متوقّفًا عند استذكار صدّام لهذه الخلافات، مشيرًا الى “الصورة الكبيرة للمشير عبد الحكيم عامر التي كانت في مدخل المعسكر [معسكر التاجي ببغداد]، فيما لم يكن للرئيس جمال عبد الناصر غير صورة صغيرة، وممّا قاله في هذا الصدد: «إن هذا الواقع فتح عيوننا على خلل لا يصحُّ وجوده في علاقة المؤسّسة العسكريّة برئيس البلاد.» (ص 257- 258)
هل أُعدم صدّام حسين حقًّا؟
ثمّ يختم هذا الفصل بتصوير دقيق ومُبهِر لما حُكي من روايات عن عدم موت صدّام، وأنّ من أُعدم هو شبيه له، بينما صدّام لا يزال حيًّا يُرزق في عهدة الأميركيين. ويضيف نقلاً عن ممرض أميركي قوله: “صدام حسين كان يسقي الزرع في حديقة سجنه ويشرب القهوة، وهو يدخن السيجار للإبقاء على ضغط دمه منخفضًا… ويحتفظ بفتات الخبز من طعامه وعندما يخرج من زنزانته كان يطعم الطيور.” (ص 263)
ولا عجب فالناس تعشق الإثارة والأساطير، التي يسهل عليها تصديقها أكثر من تصديق رواية موت طاغية أو زعيم ملأ الدنيا وشغل الناس، وأرعب الكثيرين، وإن شهدت موَته بأمِّ العين، كما كان الحال مع صدّام حسين!
*****
(*) “النهار ” 1 فبراير 2019.