“حتميّةُ الحرب”

حتمية الحرب

تأليف غراهام ألّيسون

تعريب وتعليق إسماعيل بهاء الدين سليمان

تتجه كل من الصين والولايات المتحدة نحو حرب لا تريدها أيٌ منهما! والسبب هو ما يُعرف بـــ”فخ ثيوسيديديز”، الذي يمكن تلخيصه في العبارة التالية: “عندما تُهدد قوةٌ صاعدة بأخذ مكانة قوةٍ مهيمنة، فإن النتيجة الأكثر احتمالًا هي الحرب”. وقد استخلص المؤرخ الإغريقي ثيوسيديديز هذه الظاهرة، من دراسته المُعمقَّة للحرب البلوبونيزية التي خرَّبت اثنتين من أهم دويلات اليونان القديمة، وأوجز تلك الخلاصة في مقولته الشهيرة: “لقد كان صعود أثينا، والخوف الذي أثاره ذلك الصعود في أسبرطة، هو ما جعل الحرب بينهما أمرًا حتميًا”. وقد تكررت تلك العلاقة الشائكة ست عشرة مرة خلال السنوات الخمسمائة السابقة. ومن بين تلك الحالات، أفضت اثنتا عشرة حالة إلى اشتعال شكل من أشكال الحرب، بين طرفي التنافس.

لماذا نفتح اليوم دفتر الآلام هذا، ونقلِّب صفحاته؟ الإجابة، بكل بساطة، لأننا نشهد هذه الأيام تَشَكُّلَ الحالة السابعة عشرة، حيث توشك الصين الصاعدة بلا هوادة، على التصادم مع الولايات المتحدة المتشبثة بموقعها المُهَيمِن. لقد تعهّد كلٌ من الرئيسين، الصيني شي جين بينغ والأمريكي دونالد ترامب، بأن يعيد إلى بلده مجدَها. الوفاء بتلك التعهدات أمرٌ مشروع، غير أن تحقيق حلم طرف من هذين الطرفين، لا يمكن أن يتم إلّا على حساب الطرف الثاني، بشكل أو بآخر. وهكذا، ما لم تكن الصين مستعدة لخفض سقف طموحها، أو ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتقاسم التفوُّق والسيادة في المحيط الهادي، فإن أيَّ صراع تجاري، أو هجوم سيبراني، أو حادث بحري، قد يشعل فتيل حرب كاسحة.

في هذا الكتاب، يشرح غراهام ألّيسون، لماذا يُعَدُّ فخ ثيوسيديديز العدسة الأفضل للنظر إلى المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وفهمها. لا يكتفي ألّيسون بالتساؤل عما إذا كانت كل من واشنطن وبيجين تستطيع قيادة سفينة دولتها خلال تلك المياه الضحلة بأمان، ودون تصادم مع السفينة الأخرى، فهو يكشف كيف استطاع ذوو الحصافة والفطنة السياسية من القادة تجنُّب الحروب أربع مرات فقط، خلال خمسمائة عام، كما يفَصِّل الخطوات المؤلمة التي يجب على الدولتين اتخاذها اليوم، لتجنُّب كارثة في الغد. وهكذا، من خلال مزج رائع بين قصص التاريخ والأحداث الجارية، يسعى المؤلف لا إلى التنبؤ بما سوف يقع مستقبلًا، بل إلى منع وقوعه من الأساس.

لهذا كان طبيعيًا أن يصف الأكاديمي البارز كريستوفر رايخ “حتمية الحرب” بأنه “أطروحة مستفِزة حول واحدة من أشد قضايا السياسة الخارجية إلحاحًا، ونصٌ مشوِّق من الدرجة الأولى”، بينما يرى كيفين رود، رئيس وزراء أستراليا السابق أن “ألّيسون يرسم طريقًا لا غنى عنه، من أجل تجنُّب صِدامٍ كارثي، مؤكدًا أنه سوف يكون موضوع دراسة، ومثار مناقشات، لسنوات طويلة”. من ناحية أخرى، كتب جو بايدن، وهو نائب سابق لرئيس الولايات المتحدة أن “غراهام ألّيسون يضع أعقد معضلات السياسة الخارجية في متناول الخبراء والمواطنين العاديين على حد سواء. وهذا ما دفعني باستمرار إلى طلب نصيحته، سواء كعضو في مجلس الشيوخ، أو كنائب للرئيس. وهو يطرح، في كتابه واحدًا من التحديات التي ترسم معالم عصرنا، وأقصد بذلك كيفية إدارة العلاقة بين الصين والولايات المتحدة”.

وقد جاءت النسخة المعربة من هذا الكتاب، التي صدرت مؤخرًا عن دار الكتاب العربي في بيروت، متميزة إلى حد كبير. فقد حرص إسماعيل بهاء الدين سليمان، كما فعل في ما ترجمه من كتب سابقة، على تعريب الكتاب لا ترجمته، فالكتاب مترجَم بلغة عربية متميزة لا يمكن أن نستشف منها أننا نقرأ عملًا مُترجمًا عن لغة أجنبية. من ناحية أخرى، صبغ الـمُعرِّب الطبعة العربية بطابعه الشخصي كباحث أكاديمي وأستاذ جامعي، فجاءت زاخرة بنحو 250 تعليقًا، يشرح بعضُها ما أوجزه المؤلف من وقائع مهمة، ويفسر بعضُها ما يحتاج إلى تفسير، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الفلسفة السياسية، ويردّ البعضُ الآخر على ما يحتاج إلى ردٍ وتعليق. وقد تجاوز حجم بعض تلك التعليقات نصف صفحة، الأمر الذي يجعل النسخة العربية، دون أي تحيُّـز، أكثر ثراءً من الأصل المكتوب باللغة الإنجليزية. على صعيد آخر، كان المُعرِّب أمينًا على مقتضيات الدقة والشمولية الأكاديمية، وذلك من خلال حرصه على ترجمة وتدقيق هوامش المؤلف كاملة، ليفتح بذلك الطريق أمام الراغبين في الاستزادة والتعمق في موضوع الكتاب الرئيسي، وما تناوله من موضوعات فرعية مهمة.

ألّيسون

المؤلف: غراهام ألّيسون

مُنَظِّرٌ يحظى باحترام كبير، وممارِسٌ مهم في مجال الأمن القومي المعاصر، بالإضافة إلى كونه واحدًا من أساطين علم التاريخ التطبيقي. يشغل حاليًا منصب مدير مركز بلفِر للعلوم والشؤون الدولية بمدرسة كينيدي التابعة لجامعة هارفارد الأمريكية وهو مؤسس وعميد هذه المدرسة. وقد عمل ألّيسون مساعدًا ومستشارًا لوزراء الدفاع في عهد جميع الرؤساء الأمريكيين من رونالد ريغان إلى باراك أوباما. من مؤلفاته:

Lee Kuan Yew: The Grand Master’s Insight on China, the United States, and the World

Nuclear Terrorism: The Ultimate Preventable Catastrophe

Essence of Decision: Explaining the Cuban Missile Crisis

إسماعيل بهاء الدين سليمان

الـمُعرِّب: إسماعيل بهاء الدين سليمان

إعلامي وكاتب ومترجم مصري، عمل مذيعًا ومحررًا ومخرجًا بالإذاعة المصرية. في منتصف التسعينيات، انتقل إلى الولايات المتحدة حيث عمل مراسلًا لعدد من الشبكات الإذاعية والتلفزيونية المصرية والعربية. وفي نهاية التسعينيات، التحق بإذاعة الأمم المتحدة/القسم العربي، التي تبث إرسالها من نيويورك إلى الدول العربية، حيث تولى رئاسة هذا القسم في عام 2006. ثم أرسلته المنظمة الدولية إلى لبنان للعمل في لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وفي نهاية عام 2008، تقاعد مبكرًا ليتفرغ للكتابة والترجمة، بالإضافة إلى التدريس في عدد من كليات الإعلام في الجامعات المصرية. هو مؤلف “موسوعة الشاشة الكبيرة” الصادرة في 1750 صفحة من القطع الكبير، عن دار مكتبة لبنان ناشرون عام 2012. وصدر له في الترجمة: “صناعة الأفلام رقميًا: دليل عملي”، تأليف صونيا شينك وبِن لونغ، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2016؛ و”عالم في حيص بيص” تأليف ريتشارد هاس، دار الكتاب العربي، بيروت، 2017. كما أصدر مجموعتين قصصيتين، ويستعد حاليًا لإصدار مجموعة ثالثة، بالإضافة إلى ديوان شعري.

اترك رد