إشكالية العلاقة بين الحداثة والتراث وأثرها على الفن التشكيلي الحديث في لبنان (*)

بقلم: د. نهى فران

مقدمة

فرضت وسائل الإعلام خلال الأزمات السياسية التي أطاحت بالوطن العربي خلال الأعوام الثلاثة الماضية تواجداً دراماتيكياً منتقلة من مكانة الوظيفة الى noha-4واقع بنيوي جديد، هذا الإنتقال رافقهُ تغييرٌ في طريقة العمل من حيث البنية والدور والوظيفة، فأصبحت هذه الوسائل الإعلامية، الحدثَ نفسهُ، فتغيرت معها الكثير من القيم والمعايير نحو التطرف وتشبعت بالعنف.

فأمسى المشاهد يرى العنف بشكل متزايد بسبب الواقع السياسي والاجتماعي واللإقتصادي، الذي تعيشه الكثير من الأقطار العربية، وهذا بدوره انعكس سلباً تجاه المرأة والطفل الذي نالهما النصيب الأكبر من العنف. هذه الثقافة التي اتتنا بشكل غير مسبق وتلفقتها وسائل الإعلام العربية والغربية وأصبحت من مسلماتها، ما هي إلا نار تحت الرماد، يمكن أن تنفجر في أي لحظة. فقد استبدلت ثقافة السلام والأمن بثقافة العنف والتفجير والدليل الأكبر على انتشار العنف هو عودة حالات التفجيرات والعمليات الإنتحارية داخل لبنان.

عندما نتكلم عن ثقافة العنف، ليس المقصود دوماً العنف الجسدي بأشكاله المختلفة أو العنف الإعلامي الذي نشاهده عشرات المرات يومياً على قنواتنا المختلفة. بل العنف الأخطر هو العنف الإجتماعي والسياسي، أي تجريدنا من حقوقنا وقضايانا وحرماننا من ممارسة واجباتنا، هذا العنف الذي يعمل العديد على نشره، من خلال مخالفة واجب المواطنة وإبعادنا سياسياً وثقافياً عن حقيقة أننا شركاءٌ في حمل أعباء الوطن وأننا كمواطنين عامة وفنانين وأكاديمين  سلاحنا الكلمة والعلم والفن دون تمييز او تحيز فالجمال والعلم والثقافة هم فضيلة ويشكلوا اللبنة الأساسية لنهضة المحتمع وتطوره ورقيّه، واليوم هو دعوة  لنستعرض معاً واقع والفن والحس الإنساني  والجمالي في حياتنا ولنتشارك معا مسيرة التقدم في وطننا الغالي لبنان من خلال كتابي ” التراث والحداثة والفن التشكيلي في عيون لبنانية”.

الكتاب

منذ الأيام الأولى لدراستي الجامعية، طرق مسمعي مصطلح “الحداثة”، ومنذ ذلك الحين وأنا أبحث عن معنى لهذه الكلمة وخاصة في الفن، كما رحت أسأل نفسي ماذا فعلت الحداثة في الشرق؟ وهل كان الشرق بحاجة إليها؟ وهل الحداثة فعلٌ إنساني وجد في كل المجتمعات والبيئات المختلفة كحركة تمردٍ فاعلٍ في تطورها على مر العصور؟ أم أنها فعلٌ محدود لزمن ومجتمع معين؟ وهل الحداثة القادمة من أوروبا وخاصة بعد الثورة الفرنسية قد أثرت في الشرق وإلى أي مدى؟ وهل إستجاب الشرق للحداثة الغربية، أم أنه وقف محارباً لها للحفاظ على تقاليده وموروثه الثقافي، معتبراً إياها حركةً دخيلةً عليه؟ وبالتالي كيف نعالج إشكالية العلاقة بين الحداثة والتراث؟ وما هو أثرها على الفن التشكيلي في الشرق عامة وفي لبنان خاصة؟

أمام هذه التساؤلات، وقفت ملياً وأردت أن أقدم كتابي هذا علني أجد من خلاله الأجوبة التي بحثت عنها طويلاً، وأتمنى أن أكون قد وفقت في الإجابة عليها أوعلى بعض منها.noha-1.-1jpg

إن مصطلح الحداثة في اللغة العربية، فمصدره فعل: حدث “وإذا سلمنا بأن الحديث صفة تناقض القديم، فالتقابل بين الحديث والقديم  يُفضي إلى تقسيم مستويات كرونولوجية للزمان تبدأ بالماضي فالحاضر ثم المستقبل. غير أنّه من الخطأ إعتبار صفة الحديث- في مقابل القديم- تشير على الدوام إلى الماضي. فالحديث قد يكون ماضياً أو يعتبر حديثاً وقت حدوثه، لكن تتابع آنات الزمان وتعاقب الأزمنة يجعل منه قديماً”[1].

إذن، فالحداثة هي حركة دائمة الوثوب إلى الأمام لا تتوقف. فالحديث اليوم ستزيله حداثة في المستقبل وتدمره. أي بمعنى آخر، إنّ الحداثة هي الفعل الخلاق للحياة النابع من داخلها. لذلك فهي لا تستمر على حال، وإنما دائمة الحركة والتبدل.

إن لفظة الحداثة ليست حكراً على فترة زمنية تتعلق بالحراك الثقافي الإجتماعي والفلسفي لأوروبا، وإنما الحداثة تعني كل ما قدم إلى البشرية في الأزمنة السابقة ويحمل في طياته تفلتاً من السائد، لينطلق إلى آفاق أرحب وأوسع، لتجد قيمة الإنسان وتعطيه دوره في الحياة بعيداً عن الخُرافات والأساطير والمفاهيم القاهرة لوجوده، والتي تشعره بعجزه أمام قدرات الطبيعة الهائلة، من جهة، ومن جهة أخرى، أمام سَطوة الحكام الجائرين الذين تربعوا على عروشهم بإسم الآلهة القديمة أو بإسم الوحي فيما بعد.

أمّا “التراث”، فهو مصطلح يطلق على مجموع الموروث البشري لنتاج الحضارات السابقة،  ومعناه في اللغة العربية “الميراث”، وهو لفظ يشمل المال والأحساب، وقد ورد في لسان العرب، بأن الأصل من كلمة تراث هو كلمة إرث، وتعني الأصل، ” قال إبن الإعرابي : الإرث في الحسب و الورث في المال و حكى يعقوب: إنه لفي إرث مجد و أرف مجد، وقال الجوهري: الإرث الميراث، وأصل الهمزة فيه واو. يقال :هو في إرث صدق أي في أصل صدق، وهو على  إرث من كذا أي على أمر قديم توارثه الآخر عن الأول. و في حديث الحج: إنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم،  يريد به ميراثهم  ملته [2].noha-3

 وقد وردت كلمة تراث في سورة الفجر، الآية التاسعة عشر في القرآن الكريم، ” و تأكلون التراث أكلا لما”، والمقصود بكلمة التراث هنا، الميراث. ووردت أيضاً في سورة مريم، في الآيتين الخامسة والسادسة. “و إني خفت الموالي من ورائي و كانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا، يرثني و يرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا”، والمقصود من المعنى هنا هو الميراث الديني والثقافي. وبمعنى آخر وراثة النبوة والعلم والفضيلة.

 يطلق لفظ “التراث” على مجموع الموروث البشري لنتاج الحضارات السابقة، وهو ثقافةٌ تنتجُ عن نمط الحياة، من خلال تجارب الإنسان في مختلف الميادين العلمية والحضارية. وهو الإرث الفكري والثقافي التي تركته الشعوب، وقد وصل إلينا على مر العصور ولا يزالُ حاضراً في العديد من المستويات الإجتماعية،  العمرانية، الفنية والدينية وغيرها.[3]

 التراث أنواع، التراث الشعبي وهو مجموع النتاج الفكري ويعكس واقع الإنسان وحياته اليومية، كالحرف اليدوية، والأزياء والفنون الشعبية المختلفة، وهو يعكس التطور الحضاري للمجتمع من الناحية الإقتصادية، الإجتماعية، السياسية والعمرانية…وتراث فني، كالفنون الإسلامية، وعلمي، كالتراث العلمي الإسلامي، والتراث إما أن يكون فاعلاً أو جامداً فقد أهميتهُ مع التطور الحضاري والفكري، أو ضاراً لا نفع فيه مثل فنون السحر والشعوذة وغيرهما.

والفن في اللغة هو حسن الشيء وجماله، والإبداع وحسن القيام بالشيء…”كما تدل كلمة فن على المهارة والقدرة الإستثنائية الخاصة في تطبيق المبادئ والنظريات والقوانين العلمية، في الواقع والميدان: الفنون الأدبية، الفنون العسكرية، فن القيادة السياسية والإجتماعية والإدارية، الفنون الرياضية، فن الموسيقى والغناء…أما كلمة ” فن ” في الإصطلاح فإنها تعني: المهارة الإنسانية والمقدرة على الإبتكار والإبداع والمبادرة، وهذه المقدرة تعتمد على عدة عوامل وصفات مختلفة ومتغيرة مثل: درجة الذكاء، قوّة الصبر، صواب الحكم، الإستعدادات القيادية لدى الأشخاص.[4]

تطرّق العديد من الفلاسفة والنقاد إلى إيجاد تعريف للفن، ويوجزالبعض بأنّ الفن هو تعبير عن إنفعال، أو التعبير عما يثير الفنان في العالم الخارجي، والبعض يعتبر بأنّ الفن هو إبتكار لأشياء أو أشكال جديدة غير معروفة من قبل…ونجد من بين التعريفات، ما أورده كروشته Benedetto Croce*[5] في كتابه “فلسفة الفن”: “إنّ الفن رؤيا أو حدس. فالفنان إنما يقدم صورةً أو خيالاً، والذي يتذوق الفن يدور بطرفه إلى النقطة التي دلّه عليها الفنان، وينظر من النافذة التي هيأها له،  فإذا به يعيد تكوين هذه الصورة في نفسه”[6].

في أهداف الكتاب وحدوده وأهميته

 تهدف هذه الدراسة إلى الإسهام في إكتشاف أثر الحداثة على الحركة الفنية التشكيلية في لبنان، وإنتاج حوار ومعرفة حول الظروف التاريخية والإقتصادية والعلمية والإجتماعية التي أدّت إلى ولادة الحداثة في الغرب ومن ثم ظهورها في الشرق عامة ولبنان خاصة، وصياغة رؤية عامة لإشكالية التعامل مع التراث والموروث الثقافي في الشرق و الحداثة في الغرب، ضمن محاولة لإكتشاف هذه العلاقة ومدلولاتها.noha-2

 تنطلق هذه الدراسة البحثية من محورية الفن التشكيلي الحديث في لبنان، والتحديات والإشكاليات والآفاق التي يطرحها واقع هذا الفن في ظلال العولمة وإشكالية الهوية والإنتماء، لهذا هدفت دراسة هذه الحركة التشكيلية الفنية منذ بداياتها حتى عام 1975، لتأكيد وجود علاقة بين الموروث الثقافي في الشرق والحداثة في الغرب.

 تنحصر فترة البحث زمنياً في الفترة ما بين 1920 حتى العام 1975، وذلك للأسباب التالية: تعتبر بداية القرن العشرين، بداية التحولات والتطورات في الفنون التشكيليّة في لبنان، هذه الفترة من الزمن حصل فيها إحتكاك واسع مع الغرب من خلال المنح الدراسية لبعض الفنانين الذين ذهبوا إلى الغرب ونهلوا من علومهم وأفادوا تجربتهم الشرقية وعادوا إلى لبنان ليساهموا في إغناء الحركة التشكيلية الفنية وإدخال الحداثة إلى الفن في لبنان.

أمّا عام 1975، فهو العام الذي بدأت فيه الحرب الأهلية في لبنان، مما ترك الساحة الفنية غير واضحة المعالم

إنّ إختياري لطرح “إشكالية العلاقة بين الحداثة والتراث وأثرها على الفن التشكيلي الحديث في لبنان” ، يعكس الأهمية القصوى لتحديد هوية للفن في لبنان. إنّ تحديد الهوية بالنسبة للفن التشكيلي في لبنان والفنان والجماعة التي ينتمي اليها، تبدو دائماً محفوفة بالإشكاليات والصعوبات، وللإجابة على سؤال الهوية، يتطلب التطرق إلى مختلف القضايا الثقافية والفكرية والجوانب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية…ودراسة كافة النشاطات الرئيسية في حياة الفرد والعائلة والجماعة في لبنان… في وقت بات من الواضح فيه، أنه لا يوجد إجماع على تحديد هويتنا اللبنانية الخاصة على ضوء الظروف التاريخية وتعدد الطوائف والإثنيات…ولا يزال البعض حتى الآن يتساءل إذ كان هناك هوية للفن اللبناني وللفنان فيه، ولا تزال المكتبات ودور النشر تفتقر إلى مثل هذه الدراسات…

 إشكالية البحث وفرضياته

    إنّ القضية المفصلية في هذا البحث، تكمن في كيفية فهم العلاقة بين موروثنا الثقافي، والحالات المستجدة في كل أقطار العالم ولا سيما الحداثة الغربية بإيجابياتها وسلبياتها، وإشكالية الربط بين ما قد ورثناه من تراث وثقافة شرقية وبين الحداثة الغربية بمفاهيمها وأساليبها من الناحية الفنية خاصة، وإلقاء الضوء على مواقف الفنانين بين ممارسة الإستيراد العشوائي للمفاهيم الغربية والنسخ الببغائي لأساليب الفن الغربي، وبين ردات الفعل المعارضة وأسلوب الرفض لإسقاط الهوية الفنية الغربية على الفن التشكيلي في لبنان.

إنّ الموقف المناصر قد يعني عند البعض الإنسلاخ عن الهوية الثقافية والإنتماء والتراث والتخلّي عن قضايا المجتمع العربي واللبناني وهمومه، في ظل ظاهرة الهيمنة وإعادة تأهيل العالم العربي والإسلامي، السائدة في الدول الغربية…وذلك منذ حملة نابليون على مصر واهتمام البحاثةِ الأوروبيين في الكشف عن التراث الشرقي من خلال حركة المستشرقين، الذين أغنوا المكتبة الشرقية بمؤلفاتهم، ووضعوا التراث في متناول الشرقيين الذين أغفلوا تراثهم لمئات السنين، رغم قيام فلسفة الإستشراق، كما يحلل البعض على “إيديولوجيا التفوق العرقي والسوسيوثقافي لأوروبا”[7]

من هذا المنطلق، نحن بصدد مواجهة أزمات حادة كون تراثنا الفني الحديث قد أتى وبشكل أساسي من جهود المستشرقين من جهة ومن أساليب ومفاهيم الفن التشكيلي الغربي الحديث الذي قام على إستلهام الفنون الشرقية والإسلامية من جهة أخرى.

 إنّ السؤال الذي يواجهنا هنا : هل من هوية للفنان التشكيلي اللبناني في هذه الفترة الزمنية؟ وكذلك يواجهنا سؤال آخر: هل يوجد فن حديث دون جذوره التاريخية في لبنان؟ كما أن هناك أسئلة تطرح نفسها مثلاً: هل التشبه بالغرب حداثة؟ وهل الإبتعاد عن التراث حداثة؟ وهل ممارسة الرفض الكامل للتراث الشرقي حداثة؟ وهل دراسة الإتجاهات الغربية التي أفرزتها ثقافات وظروف إجتماعية خاصة لا تخصنا، تتيح للفنان أن يكون معاصراً؟ في مقابل هذا، لا بد من الإجابة عن سؤال أساسي في زمننا الراهن وهو: هل التراث جثة هامدة لا يمكن التفاعل معها أم أنه حقل معرفة متحرك ينبض بالحياة ويشير إلى الإستمرار والتطور؟ وبالتالي، هل التراث عامل محفز يحملنا إلى الرؤية المستقبليّة، أم أنه إغراق في الماضي؟

إنّ التراث في الحالة الأولى يشكل لنا القاعدة الثابتة للإنطلاق إلى المستقبل، أي بمعنى آخر، يدفعنا إلى إضافة الجهد المعاصر ليتكامل مع التراث، لأنه بعد حَقبَةٍ من الزمن ستصبح المعاصرة تراثاً.

وفي الحالة الثانية، إذا كان التراث يشكل لنا الإطار الذي ندورُ فيه، ولا نستطيعُ الخروج منه للقفز إلى الأمام تماشياً مع الحياة ، فإنه بهذه الحالة يشكّل إعاقةً وجموداً للعقل والتطور.

ولنفترض أن الحداثة هي تبني وجهة نظر تعتبر فيه العالم أو الوجود كمادة بحث مستمر نؤسس من خلالها عالماً يجدر بالإنسان أن يجد نفسهُ و قيمته فيه. فعند التمعن في مفهوم الحداثة، نجد أن الحركة الفكرية في الغرب تولّدت وبشكل طبيعي ومتراكم من خلال جهد الغربيين أنفسِهم مما أدى إلى نشوء رؤية جديدة للتاريخ والحاضر والمستقبل، وقد توجت هذه الرؤية على أثر قيام الثورة الفرنسية والصناعية وعصر التنوير… ومن بعدها وجدنا الفنان في الغرب يعتبر نفسه محور الوجود وعليه أن يكتشف هويتَهُ ولغتَهُ الخاصة ليعيش حياته دون الرضوخ إلى أيّة قوانين تفرض عليه من أي جهة. وبالتالي أصبح الفنان هو نقطة الأصل والإرتكاز. أما في الشرق، فإن علينا أن ندرك القوة المحركة للتراث ومدى تأثيرها في النظر إلى جميع ما يمكن أن يكون من إنتاج فني تحت هذا التأثير مع ملاحظة أن فكر الغرب الحديث بشكل عام لم يقع تحت تأثير إيديولوجية ثابتة مما أتاح له القدرة على الحركة مع التبدلات الإقتصادية والسياسية، أي بمعنى آخر لم يوجد أي ضابط إيقاع للحركة الفنية لها علاقة بالغيبيات وبالنصوص الدينية التي لا يمكن المس بها كما في التراث الشرقي.

أمّا في لبنان، فلم يكن التأثير الديني (لتعدد المذاهب والحركات الفكرية في لبنان) ملقياً بثِقَلهِ الكامل على الفن التشكيلي، مما أتاح لبعض الفنانين، أن يخرجوا من دائرة الضوابط القديمة ليدخلوا إلى عالم ينسجم مع التطورات الحديثة في الغرب. ولكن دون التخلي عن تراثهم بشكل كامل.

إنّ الفن التشكيلي في لبنان، وُجد منذ زمن بعيد متأثراً بكل الحضارات التي مرت في الشرق وخاصة في لبنان الذي كان نقطة الوصل بين الحضارات في الزمن القديم وبالتالي فإن الفن التشكيلي أخذ أشكالاً مختلفة تبعاً للشعوب التي مرت فوق أرضه، من حضارة بلاد ما بين النهرين والفراعنة واليونان والرومان إنتهاءً بظهور الإسلام وبعد أن إستوطن المسلمون الأراضي اللبنانية في العصر الأموي. كلّ هذا أدّى إلى ظهور فن تشكيلي في لبنان يمتزج بنتاج معظم هذه الحضارات.

من هنا نرى بأنّ الفن في لبنان له جذورُهُ التاريخية، وإن إختلفت المعتقدات التي كانت وراء إنتاجه، مما سهل السبيل أمام الفنان اللبناني لينهل من الحداثة الغربية دون وجود موانع فكرية وفلسفية لذلك. وهكذا يقودنا البحث للحديث عن جمالية الفن في لبنان بمظاهره التشكيلية، كما يقودنا إلى حالة نابعة من الأصول الشرقيّة، والتي يمكن من خلالها مقارنة الحداثة في الشرق مع الحداثة في الغرب وإن إختلفت الدوافع الفكرية والنظرية حولهما. ونتطرق إلى ظاهرة الحروفية، التي شكلت حالة من المحاكاة مع التجريد الغربي والخط العربي. لنجد بأن الشرق لم يكن خالياً من رؤية ومفهوم فني، وإنّما له ما يثبت هويتَهُ من خلال الأعمال الفنية التي وصلتنا وأثرت في رؤيانا إلى جانب الحداثة الغربية. وبالتالي، نجد بأنه ليس هناك حركة فنية في لبنان بالمعنى الشمولي والنهوضي للكلمة وإنّما هناك حركة فنانين رواد، حققوا، ولا يزالوا يحققون بجهدهم الفردي ذلك الوجه الحضاري الرفيع للفن في لبنان.

 هوامش 

[1]– جديدي، محمد. الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشرد رورتي، (ط.1)، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2008، ص. 106.

-[2] إبن منظور. لسان العرب، الطبعة الأخيرة، (مج. 1)، بيروت، دار ومكتبة الهلال، د.ت،  ص 84.

[3]– إبن منظور. لسان العرب، (مج. 1)، الطبعة الاخيرة، بيروت،   دار ومكتبة الهلال، د.ت، ص 84.

[4]–  جيدير، ماثيو. منهجية البحث، (تر. ملكة أبيض)، سلسلة دليل الباحث المبتدئ في موضوعات البحث ورسائل الماجستير والدكتوراه، د.ت، ص. 9.

[5]– *بينيديتو كروتشه Benedetto Croce (18661956): فيلسوف ومؤرخ وناقد أدبي إيطالي، من أتباع المدرسة الهيغلية الجديدة، إهتم بالسياسة وشغل مناصب عدة، أهمها: عضوية مجلس الشيوخ (1910) ورئاسة الحزب الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية (1944-1974)، كانت حياته عبارة عن عمل دؤوب من الدراسات الفلسفية والأدبية النقدية إلى جانب دراسة التاريخ، له العديد من الكتب والأبحاث، ومن أهم مولفاته “فلسفة الروح” (1902-1917)، المنطق (1905)، المجمل في علم الجمال (1913).

[6]– كروتشه، ب. المجمل في فلسفة الفن، (تر. سامي الدروبي)، (ط. 1)، بيروت، المركز الثقافي العربي، 2009،

ص. 29.

[7] – تيزيني، طيب. من الإستشراق الغربي إلى الإستغراب المغربي، (ط. 1)، دمشق، دار المجد، 1996، ص. 308.

*********

(*) محاضرة ألقتها الباحثة والفنانة التشكيلية نهى فران في الندوة التي نظمها منتدى صور الثقافي حول كتابها “التراث والحداثة والفن التشكيلي في عيون لبنانية”، قدمها الدكتور عدنان المولى، في قاعة منتدى صور الثقافي، استهلتها بشكر د. عدنان المولى ورحبت بالحضور، كذلك شكرت منتدى صور الثقافي الذي “أتاح لي فرصة اللقاء معكم، ويعني لي كثيراً أن أقدم هذا الكتاب، ولأول مرة بين أهلي وأصدقائي وإخواني الحاضرين، لأن نجاحي بينكم هو أهم تقدير وشهادة أعتز بها في حياتي، وأي نجاحٍ خارج مدينتي صور لا يوازي هذه اللحظة وأنا أقف بينكم”.

كلام الصور 

1- نهى فران والدكتور عدنان المولى خلال الندوة

2- نهى فران تلقي محاضرتها

3-  4- من الحضور في الندوة

اترك رد