فرغت للتوّ من قراءة كتاب أحلام مستغانمي “شهيًّا كفراق”، بعد مرور حوالي عشرة أيّام على البدء بمطالعته، وقد حملته معي إلى مرتل بيتش، في كارولينا الجنوبيّة.
معظم القراءات التي اطّلعت عليها حول هذا الكتاب سلبيّة؛ ومعظم التعليقات الشفويّة التي سمعتها من أصدقاء قرأوه، أو بدأوا يقرؤونه ثمّ تركوه جانبًا، سلبيّة أيضًا.
يبرّر أصحاب الرأي السلبيّ موقفهم بكون أحلام مستغانمي أصدرت هذا الكتاب بعد مرور خمس سنوات على آخر إصدار لها، فكان من المتوقّع أن يأتي جديدها أكثر جمالًا، وأعمق توغّلًا في حنايا النفس الإنسانيّة، وأشدّ تماسكًا بنائيًّا ممّا هو عليه ” شهيًّا كفراق”.
على رغم ما سمعتهوقرأته، وربّمابسببه، قرّرت المضيّ في القراءة حتّى آخر صفحة، فكوّنت انطباعًا مختلفًا بعض الشيء عمّا قيل. فالكتاب نوع من السرد أقرب إلى اليوميّات منه إلى الرواية، وهو مسلٍّ وممتع.
أجادت الكاتبة، في صفحات محدودة، منها مثلًا الصفحات ٢٣١و ٢٣٢…حيث وسّعت موضوع عدم الثقة، والصفحة ٢٢٨، حيث فصّلت الحديث عن أهمّيّة الكلمات…
قال أمين نخلة” الإنكليز متجهّمون في حياتهم، ضاحكون في كتبهم، ونحن ضاحكون في حياتنا، متجهّمون في كتبنا”.على أنّ تراثنا فيه من أدب الفكاهة ما فيه. وأنا شخصيًّا أُسرّ عندما أقع على شيء من الفكاهة في أدبنا، لذا سأنقل هذه “النكتة” اليتيمة، من الصفحة ٩٠: سوق الصداقة”مضروب” هذه الأيّام يا عزيزتي. نزلت الصداقة الصينيّة إلى الأسواق، بتقليد متقن في المظهر…لا علا قة مكفولة ولا مضمونةاليوم…
لست هنا في هذه العجالة بصدد كتابةً نقد منهجيّ للكتاب، ولكنّ لي ملاحظة أبديها، وهي أنّ الكاتبة، التي تكثر من ذكر الشواهد، لا تعمد إلى التدقيق في شواهدها، لذا تنحرف بها عن جادّة الصواب، أوتجانب الحقيقة، وعلى سبيل المثال، أورد ثلاثة شواهد:
- ورد في الصفحة١٨٠، : لأمين نخلة قول جميل في تعريف الفنّ” ولد الفنّ يوم قالت حوّاء لآدم ما أجمل هذه التفاحة”، والحقيقة أنّ أمين نخلة قال : ولد الفنّ يوم قالت الحيّة لحوّاء… وليس كما أوردت الكاتبة، فضلًا عن أنّ هذا القول يوافق المعتقد أنّ الشيطان الذي كلّم حوّاء من خلال الحيّة هو المحرّض على الخطيئة الأصليّة…
- ورد في الصفحة ٢٠٨، أنّ طارق بن زياد قال جملته الشهيرة ” البحر أمامكم والعدوّ وراءكم”. والحقيقة أنّ طارقًا قال العكس” العدوّ أمامكم والبحر وراءكم”، فبهذا يكتسب قوله قيمته العظمى في دعوتهم إلى المواجهة لأنّ العدوّ أمامهم، لا إلى الهرب من وجه العدوّ الذي يقتفي أثرهم ، علمًا بأنّ طارقًا أحرق السفن، كما تجمع عليه كتب التاريخ.
- ورد في الصفحة ٢٤٧، قول الكاتبة: أتراني كتبت رواية جميلة حين كنت أجذّف دون أن أعرف تمامًا وجهتي، إذ مثل ماركو بولو الذي وصل إلى أميركا وهو يحسب أنّه اكتشف الهند…
لا يا سيّدتي، فالرحّالة ماركو بولو كانت وجهته الصين، حيث أمضى سنوات طويلة، وأمّا الذي وصل إلى أميركا وهو يحسب أنّه اكتشف الهند فهو كريستوف كولمبوس، كما هو معروف…
هذا، وعلى سبيل التفكهة، أضيف أنّ الكاتبة طرحت، في الصفحة ٢٤، سؤالًا :كيف كتب همنغواي أعمالًا فاز بفضلها بجائزة نوبل وقد عمل لسنوات مراسلًا حربيًّا وأخذته الحياة في كلّ صوب؟ ولم تجب عنه. وقد يكون الجواب الصحيح ما قيل عن همنغواي” لقد كان بحاجة إلى امرأة جديدة في كلّ مرّة يكتب فيها رواية جديدة”، والله أعلم.
ختامًا، ” شهيًّا كفراق” ، كتابلم يدقّق لغويًّا، ومع ذلك فهو جدير بالقراءة.
(5- 12- 2018)