بَعْدَ صَفْنَةٍ و نَفْخَةٍ ساخِنَةٍ كافيةٍ لأن تُغْلى على حرارَتها ، رَكْوَةُ قَهْوَةٍ عَدَنِيَّةٍ سيلانِيَّةٌ ، وتنهيدَةٍ طالِعَةٍ من بُطَيْنَيِ القلبِ ، و تَكْوَةٍ خَدٍّ على عكّازِهِ السنْديانِيّ الكثيرِ العِقَدِ ، وإغلاقَةِ عَيٍنٍ على …حَدَّثَني ( عتيقُ كسروان ) ، عنْ غدراتِ الأحوالِ ، وخِياناتِ الأجيالِ ، وخَيْباتِ الآمال، وراحَ يَقُصُّ عَلَيَّ و يُقنعُني أنَّ #منْطِقَالقَدَرِ ، من #مَنْطِقِالأثقالِ والأحْمالِ…فَكُلَّما تثاقلتْ عَلى ظَهْرِكَ الأوزانُ ، تَقَوَّسَ ظَهْرُكَ و ضَمُرَ بَطْنْكَ و سَكَّتْ رِجْلاكَ و خارَتْ قِواكَ وإنْهَدَلَتْ أذْنُتَاكَ وغارَتْ عَيْناكَ وماتَتْ ذاكِرَتُكَ، فَإسْتَسْهَلْتَ العَذابَ،حتى صِرتَ ترى النورَ حَرّاً والعتمةَ قَرَّاً والخيرَ شَرَّاً…!
وإِذْ إِسْتَزَدْتُ منهُ النُصْحَ والتبسيطَ ، إسْتأْذَنَ( العتيقُ )قَيْلولَتَهُ ، فَتَحَ غَمَّازَةَ يُسىْراه، طَرَقَ بَحْصَ الكَرُّوسَةِ بكَعْبِ بَعْكورِه السِنٍديانِيّ، وقالَ لي إِسْمَعْ :
عَلَّنا نتَعَلَّمُ من قديمِ الأيَّامِ ، ولنا في قِصَصِ الحَميرِ خَيٍرُ دَرْسٍ ومَثَلٌ.. فالحِمارُ مَظلومٌ منَ الناسِ وأَلْسِنتهم، وهم لا يتوانونَ عن نَعْتُهِ بأَحَطِّ الأوْصاف ِ وأقْذَعِ الألفاظ ، لا لشيءٍ إلَّا لأنَّهمُ أخذوا عليه وَجْهاً وإسْتسْهلوه، رَكْبَاً و سُخُرةً وتعتيلاً فوقَ المعقول ِ والمقبولِ. ومهما خبَّروكَ عن الحمار وعذاباته وأنهوحَليمٌ صَبورٌ ، إعْلَمْ أنَّ الحميرَِ مناصِبّ، وعذاباتِهم مراتب… وهُمُ في المعاناة ِ درجاتٌ وطبقاتٌ.. أسْهَلُها أن يكون واحِدُهمُ(حمارَ الماء) ِ،الذي وَظيفتُهُ نقلُ جِرارِ الماء ِ من عين النَبعِ الى البيتِ.. يليها درجةً (حمارُ الناعورة) المُلْقى عليهِ أمرُ الدَورانِ وجَرًُ حَجرِ الرحى ، طَحْناً أوْ عَصْرَ زيت..! غيرَ أنَّ قِمَّةَ العذاب ِ أنْ يكونَ الحمار ُ ( حمارَ طاحونة)، كثيرَ الحمولة ِ ، جيئَةً و ذَهَاباً، بمعنى أنْ يأتي المطحنَةَ مُحَمَّلاً بِشَوالاتِ القمحِ ، ويغادِرُها مَرْصوفَةٌ عليهِ أكياسُ الطحين…فلا مجال للراحة عنده،لا في التحميلِ ولا في التنزيل… لذلك ترى ( حمارَ الطاحونةِ) مُقَوَّسَ الظَهْرِ ، دليلاً على كَدِّهِ و جِدِّه وصبرِهِ على الإنسان..وعلى حُكْمِ الزمان..!
ألَّلهُمَّ نَجِّنا من أعْظَم..!!!!