مجّ الجنرال إدمون من غليونه متعجبا من قول الكلونيل ڤابيان.
سحب الستارة السميكة عن النافذة وأغمض إحدي عينيه من أشعة الضحى المحرقة وهو ينظر في البعيد.
لقد أرسلته وزارة المستعمرات من أنجولا بعد فشل سلفه في فرض السيطرة على عاصمة فرنسا الثانية.
ثم استدار وقال وهو يلاحق دخان غليونه المتصاعد: كم صار لنا منذ فتح هذا البلد؟.
مائة وسبع وعشرين سنه ( رد ڤابيان). قال إدمون ولازال هؤلاء الرعاع يحاربوننا؟.
الناس هنا غير كل إفريقيا والنساء أشد شراسة من الرجال ( رد الكولونيل).
سأل الجنرال: أما دلت على الخلية التي تتعاون معها؟. عشرة أيام لم يثنها أي تهديد
قال الجنرال: أريدها مقيدة في السلاسل. في لحظة كانت زليخة وإدمون وجها لوجه.
شابة سمراء ضعيفة الجسد من هول ما رأت، ذات شعر منكوش وملامح بارزة، وعينين سوداوين جاحظتين تتدفقان بالحياة. ثيابها ممزقة وعيناها السوداوان ترسلان بريقا مخيفا وعلى ظهرها شال. لقد ظلت صامتة وصمتها المتعمد كان يهدد إدمون أكثر من أي كلام.
كانت تجلس على الأرض من ثقل السلاسل الحديدية، وترفع رأسها لهذا الغازي الذي يدور حولها. ولما لم تعره اهتماما وهو يقول إنه لا يحب تعذيب النساء، وأنه سوف يطلق سراحها حالما تخبره عن مكان اختباء الخلية التي أحرقت آليتين فرنسيتين بمن فيهما.
ألقى غليونه من نافذة (الكامب) في عصبية وسوى سترته العسكرية وهو يقول: سوف أجعلك عبرة لمن لا يعتبر.
بعد أقل من ربع ساعة تم ربط السلاسل الحديدية في سيارة عسكرية فرنسية وأمر إدمون أن يجوبوا بزليخة الشوارع. لكنه قبل أن يعطي إشارة البدء نظر إلي ملامحها الشاخصة المتنمرة من جديد وهو يقول: هه ماذا تقولين؟
صمتت زليخة برهة وعيناها السوداوان البراقتان تأكلان وجه الجنرال وقالت: هذه ليست فرنسا الثانية هذه جزائرنا، ثم بصقت في وجهه بكل ما أوتيت من قوة. مسح إدمون الرذاذ عن وجهه وهو ينظر حوله لرجاله العسكريين المدججين بالسلاح.
وسرعان ما أخرج ورقة من جيبه وصار يقول: زليخة الشايب، شابة في الرابعة والعشرين، تعاونت مع المجرمين في حرق آليتين عسكريتين فرنسيتين، وتسببت في موت أحد عشر جنديا وضابطين، وقد حكمنا عليها بالإعدام سحلا ورمي جثتها من طائرة هلكوبتر في الصحراء لتأكلها السباع، ثم أعطى الإشارة للسيارة حتي تجوب بها الشوارع.وبعد سبع وعشرين سنة عثر فلاح جزائري علي عظامها وإلى جوارها بقية من شال أخضر.