عشر سنوات في حيرة، حتي بدت ثقيلة لا تقوى علي مجرد الحياة. لم تفهم سبب هجرها والزواج من غيرها ومع ذلك لازالت تحبه.
ولأنها باتت تنام أكثر من نصف اليوم كثرت عليها الشكوك والوساوس. والبيت الذي لا يخلو من ذكر أو حضرة يعاونها في معرفة كل ما تريد. إنها لاتدرى أي قوى تتجاذبها وكلما عاشت كما تبغي، تاه من قدميها الطريق. ما الذي يتوجب عليها أن تفعله لإنهاء هذا العكس؟، لا تدري.
تريد أن ترتدي البنطلونات الضيقة، وترسل شعرها الأشقر الناعم، وتتعطر وتسهر وتسكر حتى تذوق سعادتها. ومع اتفاقها مع عشيقها على الهرب والزواج سرا باتت تراقب البيت حتي لا يفتضح أمرها.
بلغ الليل منتصفه وخلد الجميع إلي النوم. وشاشة تلفونها لازالت مضيئة، تكتب للرجل الذي سينتظرها بعد ثلاث ساعات من غير صوت. وبعدما اتفقا حاولت النوم قليلا ورأتهم. لقد وصلت مكان الحفل مع الصبايا. ذهبوا بالسيارات إلى دغل في الغابة. وقام كل واحد من الشباب بعمله المفروض.
أكلوا اللحم المشوي ودقت موسيقي الجاز بصوت زاعق. وزجاجات الويسكي والعرق وعلب البيرة والسجائر كانت على الطاولات مغلقة. والصبية العاشقة طويلة العود حمراء الوجه ترقص بشعرها الناعم المتماوج وسط دائرة من الشباب.
كان الجميع معجبا بخفتها وحركاتها، الصبايا قبل الشباب. ولما حمي الوطيس خرج رهط مشايخ من بين أشجار الغابة. كان لهم رائحة طيبة تسبقهم. ملفوفون في عباءات وعلى رؤوسهم عمائم ولهم لحى كثة بيضاء وطويلة.
اقتربوا من حلبة الرقص فتوقفت الموسيقي. والعاشقة رجفت حين رأتهم. تحركت عن مركز الدائرة ووقفت خلف صبية ثخينة كي تتوارى. وقف الرهط جوار الحلبة وخطا كبيرهم خطوتين حتى أمسكها من يدها.
ازدادت رجفة الصبية حين رأته مغمض العينين. وفجأة سمعته يقول سأفتح عيني حتي لا أراك. ما الذي تريدين أن تصنعيه؟. وقبض بقوة عليى معصمها وبدا يضرب كفها في وجهها الأحمر الجميل. ولما اشتد التوبيخ والوجع ما عادت ترى الصبية غير المشايخ.
فر هؤلاء الذين أتت بينهم وتركوها لهم. لقد صارت تبكي وتصرخ من شدة الألم. تستعطف الشيخ بحق السماء فلا يتوقف. تزداد صراخا والشيخ يلطمها بكفها ويقول: من تظنين نفسك؟، يتيمة لا أهل لك ولا أصحاب؟، تريدين الزينة في الدنيا وبعد الحساب؟، تمرحين وترقصين وتودين الأعتاب؟.
وبدا الأمر كأن الشيخ لن يتركها إلا معوقة. كانت تصرخ بعزمها ويتردد صدى الصوت في الغابة. استجارت بكل اسم أو رسم تعرفه. وقبل أن تفقد الوعي جاء من الغابة طير كبير ذو لون أخضر ، حط على كتف الشيخ ؛ فأغمض عينيه وتركها ومضى.