صدر الكتاب الخامس من “منارات ثقافية”، وهي سلسلة دراسات أكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية ، ويتضمن ملفاً يتناول جوانب من الفكر الفلسفي لدى الدكتور موسى وهبة، بالإضافة الى أبحاث متنوعة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية في التربية والسوسيولوجيا واللغة، عدا عن إضاءات على كتّاب لبنانيين فرانكفونيين احتل البعض منهم مكاناً مميّزاً في الآداب العالمية ونال جوائز مرموقة. مي ما يلي كلمة رئيس التحرير الدكتور جان جبور.
د. جان جبور
كُثُر هم الذين يعتقدون أن عهد العلوم الإنسانية والاجتماعية قد ولّى ولم يعد يؤثـِّر في التقدم الحضاري للأمم. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة مبادرات لحكومات وجامعات ومؤسسات بحثية لمواجهة هذه الأزمة المفترَضة، سيما بعد الانكفاء اللافت للطلاب عن الالتحاق بهذه التخصّصات بشكل خاص في المجتمعات الصناعية. بطبيعة الحال، إن فرص العثور على الوظيفة عادةً ما تكون أفضل لخريجي كليات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة. كذلك، فإن التخصّصات العلمية تؤمّن كسب مزيد من الأموال مقارنةً بوظائف العلوم الإنسانية على اختلاف مجالاتها. لكن هل يعني ذلك أن الإنسانيات الى أفول وأن دورها انتفى ؟ بالطبع كلا، فالعلوم الإنسانية والاجتماعية تُعدّ المسؤول الأول عن عملية تشكيل الوعي الإنساني، وهي تهدف إلى دراسة الظواهر الإنسانية والاجتماعية ورسم منهجية التعامل معها، وهي ظواهر يتفاعل معها الإنسان يومياً تأثراً وتأثيراً. ولذلك فإنَّ تقدم المجتمعات وتطوّرها ليس مرهوناً بتطورها في العلوم التطبيقية فقط، وقد يكون لازدهار هذه الأخيرة انعكاساً سلبياً على المجتمعات الإنسانية إن لم تكن مؤطرة بإطار فكري سليم. يقودنا ذلك استطراداً الى ما تتعرّض له الفلسفة من هجوم يصفها بأنّها غير متصلة بالواقع المُعاش، وأنّها عديمة الجدوى في الحياة العملية، وتشكّل خطراً على الدين. لا تحتاج الفلسفة إلى حجج لبيان أهميتها، وهي بصورة عامة تساهم في بناء الإنسان عقلياً ونفسياً واجتماعياً وخُلقياً وفي بناء المجتمع وتطويره وازدهاره. من هنا يكتسي الملف الذي يتناول جوانب من الفكر الفلسفي لدى الدكتور موسى وهبة أهمية بالغة. إنه من ناحية تحية وفاء لزميل مبرّز خسرته الجامعة اللبنانية وهو في أوج عطاءاته، كما أنه مناسبة لتسليط الضوء على فكر مجدِّد شكّل علامة فارقة في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر.
وكما في الأعداد السابقة، تتنوّع الأبحاث باللغات الثلاث العربية والفرنسية والانكليزية، وتحتلّ التربية والسوسيولوجيا حيّزاً مهمّاً، بالإضافة الى إضاءات على أعمال كتّاب لبنانيين فرانكوفونيين، احتلّ البعض منهم مكاناً مميّزاً في الآداب العالمية ونال جوائز مرموقة. فالشكر لكل الباحثين الذين أسهموا في إثراء هذا الكتاب الخامس من سلسلة “منارات ثقافية”، وهي مناسبة لكي نجدّد دعوتنا للباحثين الشباب من أجل التعاون فيما بينهم، ذاك أن مستقبل الإنسانيات يحدّده أمران: الأول، هو قدرة هذه العلوم على فهم محدّد وواضح لاحتياجات المجتمع، وتحديد نوع المعرفة التي يمكن لهذه العلوم انتاجها. والثاني، استعدادها للتطور والشراكة مع العلوم الأخرى وإعادة تعريف قضايا البحث لتتفق مع طرق البحث البينية، وتدريب الباحث على مهارات التعاون مع باحثين آخرين خارج مجال تخصصه.