مالٌ وَجَمال! 

كانَ عَيْشٌ مِن مُنًى خُضْرٍ، على صَفْوٍ ورَغْدِ
والصِّبا نارٌ، وآمالٌ بِوَهْمٍ لازَوَرْدِي

وَبَدَت، فَاستَيقَظَت دَربِي على فُلٍّ وَوَرْدِ
وجَمالٍ فائِرِ الصَّبْوَةِ، في أَشذاءِ رَنْدِ(1)
مَلَكَت قَلبِي، وقَلبُ الصَّبِّ، إِن أُوْلِعَ، يُردِي
فَغَدا طِفْلًا، يَرَى الكَونَ بِأَعطافٍ، وَقَدِّ
وإِذا اللَيلُ تَوالٍ بَينَ تَهْوِيمٍ(2) وسُهْدِ!
***
سِرتُ كَالأَعمَى على خُطُواتِها، لا لُبَّ يَهدِي
لَم أَرَ فِيها سِوَى الفِتنَةِ تَعلُو كُلَّ نَقْدِ
نَظَرَت حالِي فَحالَت… لَيسَ ما تَنشُدُ وُدِّي
هِيَ تَبغِي وَفْرَةَ المالِ، وَمالِي لَيسَ يُجْدِي
فَأَنا حالِيَ قَد رَقَّ(3)، وَمالَ الدَّهرُ يَكْدِي(4)!
***
أَنا، يا حَسناءُ، كَنْزِي في شَجا رُوحِي، وَجُهدِي
في أَغانِي قَلَمِي المَشدُودِ بِالحَرفِ بِجِدِّ
في قَوافٍ جَرْسُها أَرخَمُ مِن أَنغامِ كُرْدِ(5)
وتَعابِيرَ كَما الغُنْجِ على قاماتِ مُلْدِ
أَنا خَلِّينِي بِأَحلامِي، بِأَوهامِي، بِزُهْدِي
أَحضُنُ الوِجدانَ في البالِ، وَماضِي الذِّكْرِ مَهْدِي
شارِدًا، ما عُدْتِ في هَمِّي، ولا مُنيَةَ قَصْدِي
فَشُجُونُ الحُبِّ قَضَّتنِي، وأَلقَتْنِي بِوَقْدِ(6)
بَعدَ أَن عِشتُ أُصَلِّي لِـ “عَرارِ النَّجْدِ”(7) وَحدِي
فَصَلاةُ الحُبِّ لا تُجدِي لِمُضْنَى الوَجْدِ، فَرْدِ!
أَنا، هانِي قَد شَفانِي العَقلُ، حَتَّى باتَ  مَجْدِي
والهَوَى، إِنْ ذَلَّنِي، لا كانَ في تَوْقِي وَوَكْدِي!
***
وَجَرَى العُمرُ، يُعافِي مِن جَوًى مُرٍّ، وَصَدِّ
ثُمَّ مالَت كِفَّةُ الدَّهرِ، فَجازَ الخَيْرُ حَدِّي
هكذا… وارتَدَّتِ الأُنْثَى، إِلى النَّبْعِ لِوِرْدِ(8)
تَنثُرُ الدَّلَّ، وتُغْرِي بِشَذا فُلٍّ وَنَدِّ(9)
ثُمَّ قالَت، وخَفِيضُ اللَحْظِ ذُلَّ النَّفسِ يُبدِي،
أَنا أَخطَأتُ، فَلَم أَرعَ هَواكَ العَفَّ عِندِي
وأَراكَ، اليَومَ، مَن يَحفَظُ، مَرَّ العُمْرِ، عَهدِي
قُلتُ: يا هازِئَةً بِالحُبِّ ها قَد عادَ رُشدِي
وأَنا في صَحْوَةِ العَقلِ، فَلِلخَذْلِ استَعِدِّي
حِينَ كانَت أَضلُعِي تَدعُوكِ ما أَكرَمتِ وَجْدِي
فَهَواكِ، الآنَ، لا يُنعِشُ رَوضِي، أَو يُنَدِّي
آنَ، يا مِغْناجَةَ العَينَينِ، يا حِرْباءَ(10) جِلْدِ
أَن تَرَي أَنَّ سَبِيلَ الزَّيْفِ في الأَشواقِ يُردِي!
***
أَيُّها القارِئُ هذا الشِّعرَ، لا تَحمِلْهُ ضِدِّي
أَو تَلُمْ مَنْ ضامَهُ الزَّيْغُ بِأَوقاتِ التَّرَدِّي
فَأَنا أَدعُوكَ أَن تَخْبُرَ ما لَفَّعَ بُرْدِي
تَجِدُ الطَّبْعَ الَّذي أَرسُمُ بِالرَّأْيِ الأَسَدِّ
شائِعًا في الغِيْدِ، يَسرِي نُسْغُهُ في كُلِّ وَعْدِ
وَوُعُودُ الغِيْدِ كَالآلِ، زُرُوعٌ دُونَ حَصْدِ
هُوَ في “مَيٍّ”، كَما “لَمياءَ”، “بَلقِيسَ”، وَ”هِنْدِ”
شِيْمَةُ الحُسْنُ مِنَ القَبْلِ، وَتَمتَدُّ لِبَعْدِ
وَكَذا الدُّنيا، مَتَى تَمضِي “رُبًى” تَأتِي بِـ”دَعْدِ”
وَتَلِي الأَزمانَ أَزمانٌ، إِلَى الأَجَلٍ المُعَدِّ!
****
  (1): الرَّنْد: نَباتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَة

(2): تَهوِيم: نَوْم خَفِيف / هَزُّ الرَّأسِ مِنَ النُّعاس

(3): رَجُلٌ رَقِيقُ الحال: قَلِيلُ المال

(4): يَكْدِي الرَّجُل: يَبخُلُ في العَطاء

(5): مَقامُ الكُرْدِ: هو مِن أَشهَرِ المَقاماتِ في المُوسِيقَى الشَّرقِيَّة

(6): وَقَد: اشتِعال / نار

(7): فِيهِ نَظَرٌ إِلى البَيْتِ الآتِي مِن قَصِيدَةِ “الرَّحِيْلُ عَنْ نَجْد” لِلصِّمَّة القُشَيْرِي:

تَمَتَّعْ مِنْ شَمِيْمِ عَرَارِ نَجْدٍ       فَمَا بَعْدَ العَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ

العَرَار: شُجَيرَاتٌ ذَاتُ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، تَنبُتُ فِي نَجْد

(8): الوِرْدُ: الماءُ الَّذي يُوْرَدُ

(9): النَّدُّ: نَوعٌ مِنَ العُوْدِ طيِّبِ البَخُور

(10): حِرْباء: دُوَيْبَةٌ صَغِيرَةٌ تَتَلَوَّنُ أَلوانًا

اترك رد