ألموتُ لا يُخيفُني، ولا يُقلِقُني، ولا يُحزِنُني.
وقد تُوُفّيَ أبي ولم أبكِ. وتُوُفِيتْ أُمّي ولم أبكِ.
هل يعني ذلك أنّني لم أحزنْ!؟
لا، أبدًا! لا لموتِهِما، إنّما لغيابهما المادّيّ عن عينيّ وسمعي وحواسّي كلِّها. فأنا أحتاجهما. أحتاجُ توجيهاتِهما، الحوارَ معهما، نظراتِهما… أرغب في رؤيتهما لأسعدَ بحضورهما يُدفئ وجودي، يُطَمْئن نفسي وروحي وفكري وعاطفتي! فحضورُ الأهل، في حياةِ أولادِهما، مُحَبَّب ومَرْجُوٌّ دائمًا… لذلك حزنتُ. لكنّ حزني يستدعي الصَّبرَ، التّأمُّلَ، لا البُكاء. ألبكاءُ لا يُفيد. لا يُعيد مَيْتًا. لا يَشفي مريضًا. لا يُرجِعُ غائبًا…
لم أكن في حاجة إلى بُكاء، فلم أبكِ!
فكّرتُ: ألصّبرُ أجدى، فصبرتُ. كنتُ قويًّا، صلبًا، استطعتُ المواجَهة.
تأمّلتُ: ألموتُ تَخَلٍّ عن المادّةِ فينا، تَرْكٌ للجسد، وُلوجٌ إلى عوالم النّورِ بشُفوفيّةٍ رقيقةٍ، ناعمة، لطيفة.
فكّرتُ: سبقاني إلى “هناك”. سألتحق بهما بعد زمن. وزمُنا الأرضيُّ قصيرٌ جِدًّا مهما طال. استنتجتُ: فلمَ الحزنُ، ولمَ البكاء!؟ فلم! وقدرتُ على ألّا…
نعمتي!
تذكرين كلماتي هذه، ولا شكّ. إنّي مُصِرٌّ على مضمونها. فهذا رأيي، عقيدتي، إيماني. وأنا ثابتٌ فيها وعليها.
“تُجمِّلُ الموتَ”!؟ سألْتِني.
لا! أجبتُكِ، أضفتُ، مُغرِقًا عينيّ في عينيكِ رائيًا ما وراءهما: هو جميل! لكنّي لا أستعجلُه. يأتي في وقته. لا أحد يعرف وقته إلّا هو.
وليس وقت الموت، الآن، لا يزال، الآن، وقتنا معًا، وقت الحبّ!
ألثّلاثاء 24- 3- 2015