التعليم العالي في لبنان ، مَنْ يُنقُذُه..؟
مَنْ يَحمي نَوْعِيَّته..!؟؟
الجامعة اللبنانية هي الحلُّ..!
بداهةُ الجوابِ ،أَنَّ لبنانَ ليسَ بخير، سياسيا ًوإجتماعياً.. فكيف ََ بحالِ التعليم العالي فيه!!
وليس سرّاً أن نشعرَ ونقول ونَجْهُرَ بأنَّ الفسادَ والتهاونَ ضرَبَ بعضَ مفاصل التعليم العالي أو (الجامعي) ، وخدشَ وَجْنتَهُ بندوبٍ شَوَّهَتْ الصورةَ الجميلة والرصينة التي إنمازَ بها هذا البلد لبنان ( الحاضرة الثقافيّة والعلميّة), منذ قرن ٍٍ ونصف من التألّقِ والإبداع وتسجيل الأهدافِ في ميادين البحوث والتآليف والكتابات العلمية والإختراعات، والإبداعات ومختلف الفنون والتخصّصات، التي إنطَبَعَ بها القطاع الأكاديمي في العالم العربي الذي تأثَّر بالفِعْلِ الأكاديمي اللبناني،حيثُ كانت الجامعات اللبنانية العريقة مُرْتَكَز الدول العربية في بناءِ قدراتها الفكرية والقيادية،على مستوى تحديث أنظمة البلدان الناشئة ، وتكوين شخصيّتها الفكريّة و العلمية، وبلورة تيّاراتها السياسية والعقيديّة ، بما أَهّلها للإنطلاق نحو عَصرَنَةِ أنماطِ عيشِ الشعوب، وتوجيه سلوكاتها نحو الترَقّي والتقدّم بإضطرادٍ واضح..!
تلك كانت مسيرة التعليم العالي التخصصي اللبناني, على إمتداد أكثر من مئةٍ وخمسين َ سنة ،حين كانت الجامعة الأميركية،وجامعة القديس يوسف،والجامعة اللبنانية-الاميركية، والجامعة العربية ، إلى جانب ( الجامعة اللبنانية) قُبْلَةَ أنظار ِ التعليم الجامعي في الدول العربية وأذخرَها تخصُّصاً ونوعيّةَ تعليم…!
كان لبنان (دائرة معارف) البلدان العربية، وكان المَشفى والمستشفى ، وكان المكتبة العربية الجامعة ، وكان المختبر الفكري و التفاعلي الذي تلاقت على أرضه الأفكار والعقائد والتيارات التحديثيّة…وكان الكثيرَ الوفيرَ من العلوم والتقدّم الفكري والمجتمعي.. ذلك كان …!! اليومَ لبنانُ ليسَ ذلكَ اللبنانَ الذي بارزنا به الدنيا..ليسَ..!
الواقعُ الأكاديميُ في لبنانَ اليوم ، يعيش تحدياتٍ صعبةً إنْ لمْ نَقلْ قاتلة…وليس منْ يسألُ أو يتظاهرُ أو يعلنُ الإستنفارَ لإنقاذِ هذا القطاع من مخالب الإقطاع، الذي تمَدّدتْ أَطماعُهُ لتطالَ مجالاً جديداً منَ الإستثمار ، هو ( الإستثمار الإقتصادي في التعليم العالي ) ، الذي إكتشفَ رّوَّادُهُ ، بأَدِلَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ ، أنّ ربْحِيَّتَهُ تفوق بأضعاف ربحيّةَ الإستثمار ِالعقاري والنفطي والمصرفي..!
ومع تحوُّل أهداف بعضِ (التعليم الجامعي) ، إلى التجاريًةِ الموصوفة, أصبحَ من الواجب ِ الوطني أنَّ نَلْفُتَ الأنظارَ ، ونُنَبِّهَ الأسَماعَ، ونُحَذِّرَ المسؤولين َ واللبنانيين بِكُلِّ أَجْيالِهِم الى معلوماتٍ نَعْرِفها ، والى أمورٍ تعترضُنا ،والى مخاطرَ نتوَقَّعها ،وأَخْطارٍ نَتَوَجَّسُها..عَلَّنا نُفلحُ بتصويبِ ( البوصلة) من جديد، لإستشراف وإستعادة تعليمٍ جامعيٍ لبناني نوعِيٍّ و مُتنوِّع،يُعيدُ إلى التعليم العالي كِيانيّتَهُ و شخْصيّته ودوره ، وإلّاَ …(تَبَلَّغوا و بَلِّغوا ) أنَّ (لبنانَ الجامعة) يحْتَضِرُ… أَوْ أنّه قَدْ ماتَ..!!
ولأنَّ مَسؤوليَّةَ العارِفِ، ولوْ بالصِدْفَة،
تَجْعلُهُ أمامَ كُرسي إعترافٍ ضَميريٍّ؛
أقولُ وأعتَرِفُ بخطايا إقترفتُها لأنني تأخّرتُ بالإعلان عنها و فَضْحِها ،
وبأخطاءَ لمْ أواجهها كما يلزمْ ، بالقوْلِ والفِكرِ والفِعْل…ومن ذلك :
١- هلْ تنبَّهَ القيِّمونَ على لبنان، بالسلطة والتسلّط،أنه لمْ يعُدْ للبنانَ سيادة على تعليمه الجامعي ، ولا حتى أبسط اشكال الوصاية الرقابيّة؟؟!
٢-هلْ يدركُ اللبنانيون َ أنَّ واحداً من أعمدةِ البنيان الثقافي يتصَدَّعُ من أساسياته.. بسبب شيوع فكرة ( حرية التعليم )، وكأنّ التعليمَ الجامعي صارَ مَحْمِيّاً بقانون التجارة ومنطق الإستثمار المادي، بدلَ أن يكون (الإستثمار بالإنسان ) هو الهدف..؟!
٣-هلْ يعرف لبنان الرسمي تحديداً أنَّ توزيعَ التراخيص الإرضائيَّة لإنشاء جامعات خاصة ، غَيَّرَ عميقاً في دور لبنان و رسالته ، وجعل من التعليم العالي أشبهَ بمؤسساتٍ نفعيةٍ تبغي الربحَ أوّلاً,والإكثار من فتحِ فروعٍ في المناطق، لإستغلال الفراغ الناشئ عن تقاعس الدولة عن فتح فروعٍ للجامعة الوطنية في الأرياف . والدليل على النجاحات الربحية هو تزايد الإقبال على الجامعات الخاصة والجديدة ذات الأسماء الإغرائيّة التي تُغري الشباب بعناوينها و جنسيّتها..!؟
٤-نسألُ ونشدّدُ السؤالَ ؛ منْ يحمي طلاب لبنان من بعض المؤسسات التعليمية ، التي لا تهتمُّ بالتراخيصَ ولا تبالي بمستقبل الناشئة ولا بمستوى الشهادة -الإفادة التي تعطيها أو تُصدِرها ؟!! أوليسَ من حق الشباب اللبناني أن يكون محميّاً من خطر ( التجارة التعليمية), على غرار ( حماية المستهلك)..! والسؤال عَرَضاً : أليس من الضروري إنشاء (نيابة عامة تعليميّة) تراقب وتسهر وتحرص على السلامة الأكاديمية ومستقبل التخصصاتِ والمتخصصين..!!؟؟
٥-مسؤولية مَنْ وقوع الكثيرين من الطلاب ضحية أسماء جامعات تُلْصِقُ إسمها بإسم دولة أجنبية،للإيحاء أنها حاصلة على شهادة إعتماد منها؟؟ أين مسؤولية الحكومة ،وأين مسؤولية سفارات تلك الدول التي تنتشر أسماء دولها على اللافتات الترويجية في الإعلان وعلى الطرق وفوق شقق في بناياتٍ ،سَمُّوها بترخيص ٍ ليليّ ( جامعة)..؟!!
٦-أينهُم المثقفون والأكاديميون العريقون ، لا يتحركون حيال إغتيال التعليم الجامعي ، كما كانوا يتظاهرون ضدَّ المحارق وغيرها..؟ لماذا هذا الإستسلام الهادئ والموت البطيئ..؟ أمْ أن البعض مِنّا صار هو صاحبَ جامعةٍ أو رئيسا ً لرخصةٍ ، أو عميداً صُورياً في معهدٍ لا عُهْدَةَ له ولا عِدَّةِ..؟؟!!
٧-هل يَعيَ المسؤولونَ أن المعاهدَ الطُفَيْلِيَّةَ ، تنامتْ بقرارٍ أوْ بتساهلٍ رسميٍ على حساب (الجامعة اللبنانية) و رصيدها ، العالمي والعالي والعريق..!؟!
٨-هلْ نفهمُ ،نحن أهلَ الجامعة اللبنانية وأبناءَها وعِتاقَها وخريجيها والحريصينَ على دورها الوطني والعلمي،أنّ التعليم العالي الرسمي ، قد يواجه مصيرَ الإستشفاء الرسمي في لبنان؟!! فنُمْسي،لا سمحَ الرَّبُ على رصيف ِ إهتماماتِ الوطن وهامش عناية السياسيين.؟!!
٩-هلْ نأملٍُ أن يكونَ للبنانَ قريباً حكومة..وأن يكون(تحصينُ التعليم العالي ) بنداً من بنود البيان الوزاري. ؟!!!
٩-سمع اللبنانيون بفضيحة تزوير بعض الجامعات (لشهادات)… نحن سمعنا فقط..لكن اللبنانيين لم يعرفوا الى أين والى ماذا إنتهت اليه التحقيقات ؟ وما هي العقوبات والإجراءات الردعية والحمائيّة التي تريحُ وتُطمئِنُ الشباب الباحث عن مستقبله على ابواب تلك المؤسسات التعليمية!! فهل لا نزالُ أمامَ معادلةٍ تقول : إنّ في لبنان ليسَ من فضيحةٍ تُكْشفُ…بل فضيحةٌ جديدةٌ تُنسينا فضيحة ً قديمة. !!؟؟ وهذه الخاصيّةُ في الإلهاءِ والطَمْرِ والإخفاءِ، هي من ( أسرار المهنة) في لبنان َ التحاصُصِيِّ..!!؟
١٠-مع إحترامنا لحرية التعليم ومواثيقها العالمية، أليس بالإمكان بل من الضروري، تحصينُ( الجامعة اللبنانية) من حيث أنها الجامعة الوطنية الرسمية الوحيدة , بأن يكون لها دورٌ رقابيٌ على الجامعات الخاصة ، بمثل الدور القيادي والرقابي الذي يضطلعُ به ( مصرف لبنان) ،على المصارف والشركات المالية،حمايةً للإقتصاد الوطني والسياسة النقدية للبلد..بما يتوافق ُ والسريّةَ المصرفيَّة وقوانين الصرف والنقد العالمية…أوَ ليسَ الإستقرار ُ الأكاديمي بأهميّةِ الإستقرار المالي والأمني للبلد. ؟؟
١١-هل يُصَدَّقُ مثلاً أنْ يتمَّ الإستغناءُ عن استاذ في جامعة ما لأي سببٍ ، ثُمَّ أن تعملَ جامعة أخرى لإعتماده في عداد هيئتها التعليمية ، أو تعييٍنُه في مركز مسؤولية أكاديمية مثلاً..!!! مثلُ هذا التصرّف غير موجودٍ،بل غيرُ مسموحٍ في القطاع المصرفي..!! فهلْ المصارفُ أَحْرَصُ على الناس من الجامعات..!!؟؟؟
١٢-ولأنّ التعليم العالي في لبنان ، ليس بخير ، كما نطْمَحُ له أن يكون… ولأنّ الوضعَ يُنْذِرُ بمخاطرَ كثيرة ، نرفعُ الى مقامات الدولة اللبنانية ، رئيس الجمهورية،
ورئيس المجلس النيابي ،ورئيس مجلس الوزراء ، ووزير التربية والتعليم العالي ، إقتراحاً طوباويّاً ، بأن يتمَّ وضعُ قانونٍ جديدٍ للتعليم العالي,، يكونُ من أساسياتِ أهدافه تحصينُ دور الجامعة اللبنانية، وتَوْليتها الإشرافَ المعنوي ، على التعليم العالي ، ومساعدةَ المؤسسات التعليمية لأن تكونَ على مستوى رفيع ٍ من المسؤلية الوطنية والأكاديمية،التي طالما إتصّف بها لبنان..!!
وهذا ما يجعلنا نؤكِّدُ ، ” أنّ الجامعة اللبنانية هي الحَلّ”..!!
****
* ( جريدة ألنهار ) الإثنين ١ ت١ ٢٠١٨.