فرحة طفل مؤجلة

  

لم يكن الصبي قد بلغ الخامسة عشرة من عمره حين تولي مسؤولية  إعالة اسرته ، بعد وفاة  ابيه  المفاجئ،  فوجد نفسه  مثقلاً  بالأعباء ، لم يرث عن ابيه سوي شقاء غشيم ، وقدر  يتيم.

في السادسة صباحا  صيفا او شتاء اعتاد ان يحمل كيسه و فيه خبز ناشف و نصف قطعة جبن مجفف،  فأسه المقدود فوق كتفه النحيل ، بعينين لامعتين و قلب ذهبي يتعاطي الامل قبل الطعام وبعده، يداه  لاتنامان ، صوته  كمواء قط جائع ، ضحكته  بيضاء تطل من فوق أقدام متعبة ، واسمال مثقوبة ،  و فرحة مؤجلة ، جلس على رصيف مدينته القاسية كلقيط أمام باب مسجد، غارقا في صمت مطبق  طويل ، في انتظار خولي الأنفار،  يشن مظاهراته علي الذباب اللزج  بين الحين و الآخر ، يجول ببصره كعصفور بين الناس ، يقسمه بين السماء و الأرض .. تلاحقه خيالات من حرير ، لا يخلو فكره من هم علي اعتاب قصيدة شقاء يومية ، ماذا لو فاته عمل يوم!

كيف سيواجه كلاب  بطون اسرته المسعورة؟

لم يكتف بالانتظار الذي تعلمه من مصير  حجزه بين قضبان مملة ليبدع في الحلم أو في الخيال، يستدرجه خياله  لركوب أحصنة التتار الجامحة لسفر بعيد خارج حياة العدم … يطارد بالخيال كل ما يود.

أسلم نظره لرجل يمسك ولده بيده ، ولد أوتي من كل شيء حتيى الابتسامة البريئة ترتسم على جبينه فتزيده نورا و بهاء .. والده يشده إليه مداعبا مستقبله .. اطال هو النظر حتى كادت أن تقع عيناه على الأرض من فرط الإبصار و البحلقة  .. ىأن تصالحه الحياة يوما.

نظر لنفسه  وكأنه عاد من سفر طويل او افاق من إغماءة مجذوب في حلقة ذكر .. التقط النسيان الذي سقط منه على الأسفلت  قبل قليل، نظر إلى نفسه سالت دموعه اللاذعة على  خديه كخطين متعرجين بطعمهما المر في فمه ، أحس بأن حياته فخ أو شبكة معقدة من الأنفاق، ستر نفسه بقماش الصمت المرقع.

اختلطت مشاعره و تضاربت .. لمن يوجه لومه و عتبه ؟

لوالده وما ورثه عنه ؟ أم لحياة متشعبة في اللافهم ،  جعلت منه صفحة من  كتاب    طلاسمها الأسود؟

استسلم لما وجد نفسه عليه، و عقد قلبه علي وعد .. كما  في عينيه وعد  بأن يهزمها، فلم يكن يعجبه منطقها في توزيع  العطاء …

اترك رد