غَزْلُ الشِّعْر! 

    
أَمعَنَت في الدَّلالِ، يا قَلبَ طِفْلِ،             قَلبَ غِرٍّ(1) على العُيُونِ النُّجْلِ
لَستَ تَقْوَى على دَهاءِ الغَوانِي،               فَالغَوانِي دَهاؤُها وَخْزُ أَسْلِ(2)

هَبَّتِ الرِّيحُ، يا غُصَيْنًا طَرِيًّا،                فَانحَنَى مَتنُكَ الشَّقِيُّ بِثِقْلِ
لا تُرَجِّي الكَثِيرَ مِن دَلَعِ العَيْنِ،      ــــــــــ      وَجانِبْ رَواغَهَا بِالعَدْلِ!
                                        ***
هَمَسَت: – والجُفُونُ تَطوِي ظُنُونًا،              وجُفاءً، على قَرارَةِ وَحْلِ –
أَنا ما لِي ولِلهَوَى طابَ شِعْرًا،               وخَيالًا، أَبِيتُ مِنهُ بِسُؤْلِ
لَيسَ، يا شاعِرِي، الهَوَى بِزُهُورٍ،             بَل بِما طابَ شَهْدُهُ مِن حَمْلِ(3)
ثُمَّ ماذا يُجدِي إِذا غَزَلَ الشِّعْرُ،      ــــــــــ      ولا بُرْدَ يُرتَجَى في الغَزْلِ؟!
وإِذا النَّحلُ لَم يَمُدَّكَ بِالشَّهْدِ        ــــــــــ        فما الخَيْرُ في وَفِيرِ النَّحْلِ؟!
عِشْ أَغانِيكَ في بَراءَةِ طِفْلٍ،                  وَتَرَقَّبْ مِنَ الهَوَى جَنْيَ طِفْلِ!
وَابْقَ، يا شاعِرِي، بِما أَنتَ فِيهِ،             مِن عَبِيرِ المُنَى، فَما ذاكَ شُغْلِي
قُلتُ: حَسناءُ، أَنتِ نَسْجُ تَرابٍ،               وقَرِيضِي إِلى المَشارِفِ يُعْلِي
أَنتِ كَالكُحْلِ في العُيُونِ إِذا ما               جاءَهُ الغَيْثُ لَم يَعُدْ مِن كُحْلِ
أَنتِ كَاللُّمْعَةِ السَّرِيعَةِ تَسْنُو(4)،                 ثُمَّ تَذوِي، فَخَفِّفِي مِن عَذْلِي
يَعبَقُ الزَّهْرُ، لَيسَ يُطْعِمُ أَرْيًا(5)،                فَإِذا الطِّيْبُ فِتنَةٌ في الحَقْلِ
أَنا كَنزِي في ما أُدَبِّجُ في الحَرْفِ،     ــــــــــ     فَظُنِّي نَقاوَتِي بِالجَهلِ
أَنا عِشْتُ الجَوَى(6) خَيالًا لَطِيفًا،                وتَمَثَّلتُ بِالمُحِبِّينَ قَبلِي
أَلكِبارِ الَّذِين صارَ إِلَينا                      بَدْعُهُم في الهُيامِ مِن أَلْفِ حَوْلِ
سائِلِي “قَيْسَ”(7)، سائِلِي كَم “جَمِيلٍ”(8)،          هو في عِفَّةِ الهُيامِ مُجَلِّي(9)
غابَ في الدَّهرِ بَيْدَ أَنَّ سَناهُ      ــــــــــ      يَرتَقِي الدَّهرَ كَالشِّهابِ المُعَلِّي(10)!
                                        ***
أَنا، يا أُخْتُ، أَعرِفُ الوَصْلَ تاجًا            لِائْتِلافٍ مِنَ الحَبِيبِ الطَّفْلِ(11)
وَوِصالٌ يَهْنَى بِهِ شَبَقُ(12) الحِسِّ       ــــــــــ      لَيَخبُو، فَما بَعدَهُ مِن جَذْلِ
هكذا الحُبُّ، قَد يَمُوتُ أَعاصِيرًا،    ــــــــــ      وتَحيا زُهُورُهُ في الوَشْلِ(13)
يا رِقاقَ القُلُوب، مَزَّقَها الصَّدُّ،      ــــــــــ       رُوَيْدًا فَالحُلْمُ أَخلَدُ وَصْلِ!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): غِرّ: عَدِيمُ الخِبرَة.

(2): أَسَل: رِماح؛ كُلُّ حَدِيدٍ رَهِيفٍ مِن سَيفٍ وَسِكِّينٍ.

(3): حَمْل: ثَمَر؛ غَلَّة.

(4): سَنَا البَرْقُ: أَضاءَ / سَنَتِ النَّارُ: عَلَا ضَوْؤُها.

(5): أَرْيٌ: عَسَل.

(6): جَوًى: وَجْد؛ عِشْق، عاطِفَة.

(7): هو قَيْسُ بْنُ المُلَوَّحِ، المُلَقَّبُ بِمَجنُونِ لَيْلَى (645 – 688)، شاعِرُ غَزَلٍ عَرَبِيٌّ، مِن المُتَيَّمِينَ، مِن أَهْلِ نَجْد.

(8): هو جَمِيلُ بْنُ مُعَمَّرٍ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 701)، شاعِرٌ مَشهُورٌ. عَشِقَ “بُثَيْنَةَ” عِشقًا شَدِيدًا فَلُقِّبَ بِجَمِيل بُثَيْنَة.

(9): مُجَلٍّ: مُتَفَوِّق؛ مُمَيَّز.

(10): عَلَّى الجَبَلَ: صَعِدَهُ

(11): طَفْل: ناعِم، رَخْص، طَرِيّ

(12): شَبَق: شَهْوانِيَّة.

(13): وَشَل: الماءُ القَلِيلُ يَتَحَلَّبُ مِن صَخْرٍ أَو جَبَل.

اترك رد