بنية القص في الأدب المقاوم: “شارة جديدة للنصَّر” للكاتب علي حجازي أنموذجًا(*)

    

المقاومة فعل تحٍّدٍ  وارادة رفضٍ للٍّذٍّل والاحتلال والقهر. المقاومة انحيازٌ تامٌّ الى معنى الحّرّية والسَّلام والأمان. المقاومة تطلعٌ واعٍ إلى المستقبل المشرق. ولئن كانت طرق المقاومة متشٍّعبةً متعٍّددةً كان للقلم نصيبه الوافر في صنع الفعل المقاوم، وتخليد إنجازات المقاومين، وتحصين كينونة الذَّات الجماعيَّة من النكوص والسقوط في دائرة الإحباط والهزيمة.

لذلك اضطلع الأدب بدورٍ فاعلٍ جدًّا في تشكيل وعي الذَّات الجمعيَّة المقاومة وتحفيزها على المواجهة،  وتكسير قيود الخوف التي قد تقٍّيدنا في مواجهة الصهيونيّ العاتي؛ فكان الأدب المقاوم نثرًا وشعرًا. وكانت الكلمة صنو الرَّصاص في معركة الوطن ضد محتلّيه تمجد بطولات المقاومين، وتوثٍّق ملاحم كفاحهم، وتدفع عن تاريخ تضحياتهم غبار النسيان والضّياع…

ولذلك كان الأدب المقاوم قرين حركة الميدان المقاوم في كلّ ساحات الجهاد والنضال من فلسطين وصولًا إلى لبنان، حيث برز كتّاب كثيرون حملوا هموم قضيَّة أرضهم وشعبهم؛  واذا قصرنا كلامنا على كتّاب الّرواية والقصَّة الّلبنانٍّيين نخصّ بالذكر منهم الكاتب والباحث الدكتور “علي حجازي” الذي نذر للأدب المقاوم قلمه، وجنَّد مداده في سبيل الدفاع عن المقاومة وخياراتها، والذي غنَّى الأرض، وأرّخ للقبضة التي تحرس جفونها من الّنعاس في ليل الاستسلام والهوان، وراح يُصيخ، من خلال اللغة، إلى لغة الأرض الحبلى بالقيم الحياتية السَّامية والأخلاق الرَّفيعة، والذي نهل من عناقيد الكرامة والعنفوان سلسبيل الإباء رافضًا موت الإنسان الجنوبيّ عطشانًا في صحراء العرب القاحلة من الانتصارات في زمننا الحديث لولا ما صنعه مقاومونا من نصرٍ  مبين ومجدٍ سامق.

قصص صديقي “علي حجازي” مرآةٌ صادقةٌ عن الإنسان الجنوبيّ المقاوم الماثل فيه، في وعيه ووجدانه وباطنه الواعي وغير الواعي؛ فهو أكثر التصاقًا بشخوص قصصه، يعرف طباعهم وقد اختبر دواخلهم العميقة، ويُدرك سرَّ كينونتهم العقديَّة المؤمنة بالله والوطن والإنسان، ويألف لغتهم ويفك شيفرات خطاباتهم، بل شيفرات صمتهم ونجواهم… وهو الأوسع معرفة بأرض الجنوب، قراه، ووديانه، وجباله، ودساكره، والأعمق خبرة بأهله وناسه… هذا ما نُطالعه في قصصه التي التزم فيها موضوع المقاومة بدءًا من قصَّة “القبضة والأرض” وصولًا إلى قصَّة “شارة جديدة للنَّصر” التي نحتفي بصدورها اليوم.

“شارة جديدة للنَّصر” بين التَّوثيق التَّاريخيّ  وتقنيّات القصّ:

 بداية أذكر النقاط التي سأتكلم عليها؛ إذ تشمل دراسة العنوان، ودراسة الراوي، والفضاء القصصي، وبناء الشَّخصيات.

1- قراءة العنوان قراءة سيميائيَّة:

لعلَّ الانطلاق من قراءة عنوان هذه المجموعة القصصيَّة قراءةً سيميائيَّة تأويليَّةً يكاد يُمٍّكننا من القبض على بنيتها الّدلالٍّية الكبرى الكامنة التي تنظمُ مختلف قصصها.

إذ تقوم بنيةُ  العنوان الٍّلسانيَّة على أربع وحداتٍ لغويَّةٍ؛ ثلاثة أسماء ورابطٍ  جاٍّر؛ وذلك لابتكار علامة سيميائيَّةٍ ثقافيَّةٍ جديدةٍ في وعي المتلقّي العربي عمومًا ولا سيما المتلّقّي الّلبناني الجنوبي  المؤمن بخيار مقاومة المحتلّ الإسرائيلي وجدوى مقارعته في الميدان العسكرٍّي والثَّقافي الأدبيّ معًا. إذ يُفتتحُ هذا العنوانُ على الاختلاف والجدّة من خلال تركيبٍ نعتيٍ (شارة جديدة)  يتعلق بالٍّنصر الجنوبيّ المؤزَّر لكونه البؤرة الدَّلاليَّة والنَّفسيَّة الأكثر توليدًا لمقاصد النصّ القصصيّ ومعانيه وغاياته.

فـ”الشَّارة” علامة شكليَّة مرئيَّة تبقى مشدودةً إلى مدلولاتها التي تستبطنها الثقافة التي توظّفها في سياقاتها الرَّمزيَّة التواصليَّة الاتّفاقيَّة بين أفراد مجتمعٍ ما؛ ففي المركوز الثقافي الإنساني عمومًا أنَّ شارة النَّصر تتجلى على شكل رقم (7) ترسمها إصبعتا اليد، إلَّا أنَّ الكاتب “علي حجازي” يتجاوز ذلك الشَّكل المعهود مقترحًا دالًّا أو شكلًا جديدًا يتٍّخذ أيقونيًّا شكل الرَّقم (8) للتعبير عن النَّصر؛ واللَّافت أنَّه قد استبدل بإصبعتي اليد القدمين الراسختين في الأرض لرسم تلك الشَّارة؛ إذ

يقول  المتكٍّلم في القصَّة الأخيرة من هذه المجموعة: “لمُ يبصر واحدا منهم يرفع شارة النّصر المعروفة، وشرع يثبت بصره على الأقدام المتوحدة وهي تضرب الأرض بتحدّ، ترسم شارة جديدةً للنصر (8)”.

فما يُمٍّيز شارة النَّصر الجديدة لدى الكاتب، بحسب القراءة السيميائيَّة، أنَّها تُحاكي رمزيًّا الشَّكل الذي ترسمه أقدام المقاومين الموتودة في الأرض راسخةً لا يُزحزحها ليل الغدر أو بطش المعتدين؛ لأنَّها تستند إلى طرفين يُشكّلان قاعدةً صلبةً لرسوخها في ميدان المواجهة، في حين أنَّ الشَّارة المعهودة ترتكز قاعدتها شكليًّا على زاويةٍ حاٍّدةٍ عند التئام طرفيها المرسلين في الفراغ. ولئن حفرنا في وعينا الإنسانيّ الحديث وجدنا أنَّ الشَّارة القديمة كانت حليفة كل المنتصرين سواءً أكانوا معتدين أم مقاومين مناضلين؛ ولسنا ننسى – في هذا السياق – رئيس وزارء بريطانيا “تشيرشل “في الحرب العالميَّة الثانية رافعًا إصبعتيه على شكل (7) محتفيًا بانتصارات دولته المستعمرة.

أمَّا الشَّارة الجديدة فتؤسس اختلافها حين ترتكز على الأقدام بما يختزنه ذلك من دلالات الثبات والمواجهة والنضال والتحدّي في وجه المعتدين؛ فهي بنت الموقف والفعل والحدث لا الخطابات والّشعارات والظَّاهرات الصَّوتية أو الشَّكليَّة الفارغة؛ فكم رفعنا نحن العرب إصبعتي النَّصر في تاريخنا الحديث والحال أنَّنا لم نكن نخرج من هزيمة إلَّا لنهجع في أخرى قبل أن يسطّر مقاومونا البواسل النَّصر تلو الآخر في ربوع أرضنا الأبيَّة! إذًا، فالشَّارة الجديدة للنَّصر رمزٌ يرافق الحدث الميدانيّ ويُصنع بالدماء والتضحيات، وليست شكلًا مفصولًا عن حركيَّة الواقع المقاوم كما الشَّارة القديمة.

د. علي حجازي

2– نسيج النَّصّ القصصيّ  بين التَّوثيق والإبداع:

“شارةٌ جديدةٌ للنَّصر” مجموعة قصصيَّة تنتمي إلى القصص الملتزم قضيَّة الجنوب المقاوم، تستلهم أحداثها من الواقع المعيش وليس من فضاء التخيل المحض؛ إذ يقصّ الكاتب “علي حجازي” بعض يوميَّات الجنوبيّين المقاومين موثقًا أحداثا واقعيَّة عرفها الجنوبيون الثابتون في أرضهم المضحّون في سبيلها، كما يُسجّل مواقفهم البطوليَّة ويخلّد بعض أقوالهم ناقلًا، بكثيرٍ من الأمانة والمصداقيَّة، صور العزيمة الجنوبيَّة وصور الإباء والنَّصر مُخلدًا صرخة تلك المرأة الجنوبيَّة الفرحة معبّرة عن إحساسها بالانعتاق من قيود القهر بلهجتها الجنوبيَّة الحاٍّدة صارخة: “الحمد لله، تحرّرنا”، كما يخلّد موقف “الحاجة كاملة” واقفةً أمام ركام البيوت المهدّمة في الضَّاحية الجنوبيَّة صادحة:

“فدا إجر المقاومة”، وصولًا إلى توثيقه، في قالبٍ قصصي، صور تحقيق النَّصر وتحرير البلدات الجنوبيَّة واحدةً تلو الأخرى في العام 2000.

وقد دفع الكاتبَ الالتزامُ بواقعيَّة مجريات الأحداث إلى بناء الفضاء القصصيّ وبناء شخوص قصصه بناءً يحمل الكثير من الّدقة والأمانة في نقل صور هندسة المكان وتصوير البعد الباطني والفكري لتلك الٍّشخصيَّات؛ ولكن مع ذلك فلم يقع في الكتابة التاريخيَّة على حساب الكتابة القصصيَّة؛ إذ كان قاصًّا وليس مؤرخًا؛ فهو  وان اتكأ على المعطيات الحدَثيَّة التاريخيَّة مرجعًا له، إلَّا أنَّ قصصه تبقى تستمدُّ قيمتها من مرجعها النَّصي الدَّاخلي الذي يُبديه النَّسيج السَّردي عبر بناء الراوي والشَّخصيَّات والفضاء القصصي والمنظور…

  • الراوي : يبرز في هذه القصَّة راوٍ أساسيٍّ يمثٍّل الكاتب، وهو تارةً يسرد بضمير المتكٍّلم سردًا ذاتيًا لكونه يسرد قصَّةً هو أحد شخصيَّاتها يُشارك في أحداثها موظفا تقنيَّات سرد السيرة الذَّاتيَّة وفق ما نقرأ في قصَّة “الزَّفة- لحظة فرحٍ نادرةٍ في زمنٍ جديدٍ”، و”الخيول الأصيلة لا يُستغنَى عنها أبدًا”، و”قبضتا أبي الفضل تكملان تفاصيل الحكاية”، و”من يبيع الثكلى ذرةً صبرًا؟”؛ وتارةً يسرد قصَّةً بضمير الغائب لا يُشارك في أحداثها، ولكنَّه يرويها وفق ما سمعها من بعض الجنوبٍّيين الذين يقطتف تلك الحكايات من ألسنتهم ليُوثٍّقها في قالبٍ قصصيٍّ جميلٍ. وما يلفت في سرد الراوي أنَّه تارةً يبدو راويًا عليمًا يرى إلى الأحداث والشَّخصيَّات من علٍ؛ إذ يعلم ما يدور في خلد شخصيَّاته وباطنهم في مؤٍّشرٍ قد يُشير إلى فهمه الشَّخصيَّة الجنوبيَّة فهمًا عميقًا جدًّا، وتارةً يكتفي بسرد الأحداث وفق ما نقلته له إحدى شخصيَّات قصصه باقتضابٍ وسٍّريَّةٍ وتكتمٍ على بعض الأسماء أو الإنجازات الشَّخصيَّة؛ لذا لا يسرد فوق ما تقدّمه له، وذلك يعود ربما إلى ثقافة هؤلاء الرُّواة الذين يستقي منهم معلوماته وأحداثه، إلى ثقافتهم الإيمانيَّة التي تحرص على كتمان فعل الخير والابتعاد من المباهاة به كي لا يقع في الرياء؛ وهذا ما نقرأه مثلا في قصَّة “رسَّام من هذا الزَّمان” و”قبضتا أبي الفضل تكملان تفاصيل الحكاية”.
  • الفضاء المكانيّ: لقد حشد الكاتب العديد من أسماء القرى الجنوبيَّة والمناطق المقا ومة التي عانت ويلات الاحتلال واعتداءاته وقهره والتي بقيت تقاوم شامخةً حتى تحقَّق النَّصر؛ ومن تلك القرى والأمكنة نذكر: “الضَّاحية الجنوبيَّة”، “الشَّارع العريض”، “قبريخا”، “القنطرة”، “الطَّيبة”، “بني حيَّان”، “مركبا”، “طلوسة”… وهو بذلك يُرسخ في وعي المتلٍّقي أسماء القرى والمواقع التي خبرت صنوف العذاب والاحتلال كما خبرت نشوة المقاومة والظَّفر عليه كأنَّها أيقونات مجدٍ واباءٍ في معجم زماننا العربي المترهّل. وقد جاء وصف هذه الأمكنة حاملًا رؤيا الكاتب ومنظوره الأيديولوجي ومتضمنًا البنية الفوقيَّة التي تختزن عقيدة الشخصيَّات القصصيَّة وتوٍّجهاتها ومنظورها إلى الحياة والإنسان والوطن والهُويَّة والأرض؛ ولذا يُمكننا القول إٍّن الكاتب لم يكتف من وصف الأمكنة بوظيفة الإيهام بواقعيَّتها، بل حمَّله (أي الوصف) رؤياه وطروحاته المحٍّفزة على المواجهة والثَّبات والمقاومة. واللَّافت أنَّ الكاتب قد وحَّد الأمكنة التي تشترك في النضال والمقاومة ضمن منظورٍ واحدٍ؛ فبدت أرض الجنوب امتدادًا لأرض كربلاء بما تتضمنه من قيم الجهاد والصَّبر والفداء والعزيمة على التحدّي، كما بدت شديدة الاتّصال بجغرافية فلسطين وطهران وعيًا مقاومًا وثقافةً مشتركة في وجه ثقافة الاستسلام والخضوع.
  • بنية الزَّمن القصصيّ: نتناول مقولة الٍّزمن اٍّلتي تُ عٍّد من أهم المقولات الخطاب يَّة في السَّـرد القصـصـي نظرًا إلى ما توفّره من جماليّة فنٍّية متميّزة بالغة الدلالة والإيحاء؛ إذ مٍّيز جيرار جينيت (Genett) بين زمن الشَّـيء المحكي وبين زمن الحكي . لذا ندرس الٍّزمن القصـصـي  من خلال المقارنة بين انتظامه بين كلٍ من الحكاية  والخطاب. وعليه فقد بدا أنَّ زمن الحكاية قد  تراوح بين حقبـة الاحتلال والتحرير وحرب تموز من العـام 2006؛ غير أنَّ  زمن الخطاب جاء مختلفا نتيجة ما يُسـمَّى “المفارقات السَّـرديَّة” التي تحفل بالاسـترجاع والاسـتباق ونتيجة الاختلاف في سـعة السَّـرد من خلال مجموعة تقنيَّات كالحذف والتَّلخيص والمشـهد والوقف التي تتوفَّر في هذه المجموعة القصـصـيَّة. يبقى أن نُشـير إلى أٍّن  تاريخٍّية الأحداث لا تلغي صـفة التخيّل عنها ، وان كانت تتوفَّر في “زمن المغامرة” قبل “زمن الكتابة”؛ لأّن اختيار تلك الأحداث العائدة إلى حقبة تاريخيّة بعينها من دون سـواها، إنما يخضـع لمنظور الكاتب الأيديولوجيّ  الذي يُنظّمها لعرض طروحاته الفكريَّة والعقديَّة؛ فليس الاختيار عشوائيًّا، بل جاء ليخدم منظورًا معينًا لا نجده في كتب التاريخ الموضوعية البعيدة من روح الشَّعب الجنوبيّ المناضل.
  • بناء الشَّخصيَّات وبنية الصّراع: تسٍّلط هذه المجموعة القصصيَّة على بعض الشَّخصيَّات الجنوبيَّة التي تنبض بنفس البطولة والفداء والمقاومة والتضحية والإباء؛ وهي التي لم تعطها كتب السّير التاريخية حقَّها. وتنتمي جميعها إلى الفضاء الجنوبيّ العامليّ مكانيًّا وثقافيًّا وعقديًّا، وتتوزع بين الرجال المقاومين والنساء المضحّيات الباسلات والنَّاس العاديين البسطاء والمتعلّمين المثقّفين الملتحقين بركب المقاومة والنضال لصٍّد المعتدين الصهاينة. ومن هذه الشَّخصيَّات نذكر: “أبو سعيد”، “علي السيّد محمود”، “الحاج عبد الرَّشيد”، “أم محمد”، “أبو حيدر”، “أم حسين”، “حسين”، “أبو يوسف”، “السيّد مجتبى”…

واللَّافت أنَّ الكاتب قد جعل تلك الشَّخصيَّات المقاومة امتدادًا لشخصيَّات كربلاء المضحّية كما فعل في رسم المكان؛ وهذا ما يُساعد في الكشف عن البنية الفوقيَّة التي تحرّك هذه الشَّخصيَّات نحو الفعل المقاوم في وجه المحتلّ المعتدي. إذ تنشأ هذه البنية الفوقيَّة الثقافيَّة والعقديَّة الإيمانيَّة على الإيمان بالله وبحتميَّة النَّصر على العتاة المحتلّين تحقيقًا للوعد الإلهيّ بنصر المستضعفين، وعلى الإيمان بأنَّ زمن الهزائم قد ولى؛ وهي بنية تتغذَّى من الإيمان بالاقتداء بسيرة بطل كربلاء الحسين بن عليّ (ع)، يبدو ذلك من خلال الحوارات التي تنشأ بين الشَّخصيَّات، ومن خلال عناوين بعض القصص، على سبيل المثال:” قبضتا أبي الفضل تكملان تفاصيل الحكاية”، كما تتبدَّى تلك البنية الأيديولوجيَّة من خلال التناصَّات التي يستقيها الكاتب من القرآن الكريم، ومن بعض خطابات سيّد المقاومة؛ من قبيل: “وأعدّوا لهم ما استطعتم من رباط الخيل ومن قوةٍ ترهبون به عدوَّ الله وعدوَّكم” (ص25)، “وكم من فئةٍ قليلة غلبت فئةً كبيرةً بإذن الله” (39)، “نحن أتباع ذلك الإمام الذي وقف في عراء كربلاء مقاتلًا في سبيل الإصلاح، ولم ينتبه للخسائر الجسديَّة ولا للأرزاق” (ص 18)، “ترك لكم الحاج عماد خلفه عشرات آلافٍ من المقاومين الأشداء” (ص40). ويبرز في مقابل الشَّخصيَّات الجنوبيَّة الواقعيَّة شخصيَّةُ العدو الصهيونيّ الذي يقف ذاتا مضادَّةً يُحاول إقصاء الشَّخصيَّة الجنوبيَّة وقهرها وسلبها حرّيتها ومصادرة أرزاقها. ولذلك نعثر، في هذه المجموعة القصصيَّة، على مشروعين سرديَّين: مشروع الاعتداء والاحتلال، ومشروع المقاومة والتصدّي البطوليّ؛ إذ يتصارعان ويتحاربان متمسكًا كلٌّ منهما بأدوات قوته؛ فيتبجّح الصهيوني بتفوّقه العسكرٍّي وما يمتلكه من الطَّائرات والدَّبابات والصَّواريخ والأسلحة المتطوّرة الحديثة، في حين يتسلح الجنوبٍّيون بإيمانهم بالله وبحقّهم بأرضهم ووجودهم وبإرادة التحدّي والمواجهة، ليؤول ذلك الصراع إلى انتصار المقاومين البواسل الذين يرسمون شارةً جديدةً للنَّصر.

في المحصّلة يبدو أنَّ تاريخيَّة الأحداث وواقعيَّة المكان والشَّخصيَّات لم تكن لتدخل هذه المجموعة القصصيَّة في دائرة كتب التاريخ السَّرديَّة؛ لأنَّ الكاتب أدخلها في شبكة علاقاتٍ  لسانيّة متخيّلةٍ  تنتظم وفق السياق الدلالي الكليّ لهذه المجموعة، فتُؤثٍّر في مسار حركة الأحداث المتخيّلة وتطورها، وفي بناء وعي الشخصيات وتناميها، فاعلة في تصرّفاتها أو أفعالها، وبناء الفضاء المكاني والزَّماني بناءً لا يُطابق صورة الفضاء التاريخي الواقعيّ تمامًا.

***

(*) ألقيت في المنتدى الثقافي الاجتماعي – العبَّاسيَّة ضمن فعاليَّة “الأدب المقاوم” في حفل توقيع المجموعة القصصيَّة “شارة جديدة للنَّصر” للأديب والقاص العاملي الدكتور علي حجازي بتاريخ 10- 8- 2018.

 

اترك رد

%d