توفيت الروائية دوريس ليسنج الفائزة بجائزة نوبل للآداب يوم الأحد 17 نوفمبر، عن عمر 94 عاماً، وقالت دار النشر “هاربر كولينز” في بيان أن ليسنج توفيت في منزلها بلندن في الساعات الأولى من الصباح. تعتبر من أهم الكتاب الإنكليز في أواخر القرن العشرين، وهي المرأة الـ 43 التي تفوز بجائزة نوبل والـ 11 التي تفوز بجائزة نوبل للآداب .
كانت الروائية البريطانية دوريس ليسينج أو “دوريس ماى تايلر” فازت بجائزة نوبل للآداب 2007 (1.54 مليون دولار) عن مجمل أعمالها الأدبية التي غاصت في العلاقات الإنسانية وألهمت جيلا من الأديبات، وذكرت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم التي تشرف على الجائزة أن ليسينج كتبت تجربة المرأة، وأخضعت بقوة رؤيتها، حضارة منقسمة على نفسها إلى التدقيق.
أولى روايات ليسينج “العشب يغني” (1950 ) تتمحور حول علاقة زوجة مزارع أبيض وخادمها الأسود، وحققت لها رواية “المفكرة الذهبية”( 1962) شهرة إذ تناولت بشكل واضح وجهة نظر القرن العشرين حول العلاقة بين الرجل والمرأة.
محطات من سيرة
ولدت ليسينج في ماي عام 1919 في إيران، كان والدها كاتباً في أحد المصارف، أما والدتها فكانت ممرضة. دفعت إغراءات الإثراء السريع العائلة إلى الانتقال إلى روديسيا، حيث عاشت ليسينج “طفولة مؤلمة” كما وصفتها. في الخامسة عشرة من عمرها هربت من منزل عائلتها، ولم تنه تعليمها بعد ذلك، إنما لجأت إلى القراءة لتثقيف نفسها.
في سيرتها الذاتية الصادرة في جزأين “تحت جلدي” (1994) و”المشي في الظلال” (1997) تتحدث ليسينج بصراحة مطلقة عن طفولتها، ووصفت والدتها بأنها شخصية مأساوية عاشت سنوات الخيبة بشجاعة وتحملتها بكبرياء، وعانت الجوع في الأشهر العشرة الأولى من حياتها لدرجة الموت. تضيف لسينج أنها عرفت منذ البداية أن والدتها كانت تحب شقيقها أكثر منها، وتفضله عليها، فكانت طفولتها جرحاً مفتوحاً يسير على قدمين.
في الجزء الأول من سيرتها الذاتية، تعترف بأنها كانت تبحث، مع تفتح وعيها، على حقائق ووقائع جديدة، وركزت على فكرة: “ماذا لو جعلنا الحرب مستحيلة؟ لا شك أن الدنيا سوف تمتلئ بالأصحاء والعقلاء وبالبشر الرائعين… كنت أعيش في الخيال، نسجت بعقلي يوتوبيا خاصة صنع الأدب جزءاً منها، أما الجزء الآخر فكان عكس كل ما أراه من حولي”.
سنة 1937 انتقلت إلى انكلترا، وتزوجت وأنجبت طفلين، وبعد سنوات شعرت بأنها محاصرة فتركت عائلتها، ثم تزوجت جوتفريد ليسينج أحد أعضاء المنظمة الشيوعية “نادي كتّاب اليسار”.
أضواء إبداعية
تنقسم المسيرة الابداعية للروائية دوريس ليسينج إلى مراحل ثلاث:
المرحلة الشيوعية : اتسمت بطابع اجتماعي للأحداث في رواياتها، وتتحدد هذه الفترة بالسنوات الممتدة بين 1944 و1956 عندما تركت الحركة الشيوعية بعد إصابتها بإحباط من النظام الستاليني، اكتشافها ثغرة بين المبادئ الصارخة والمسلك المراوغ والانتهازي. كانت انخرطت فيها انسجاماً مع موقفها من الظلم الاجتماعي والاقتصادي والعنصري، وانحيازها إلى المعدمين والمسحوقين.
مرحلة الكتابات السيكولوجية: كتبت فيها روايات غاصت في أعماق النفس البشرية، استمرت إلى 1969 عام صدور رواية “مدينة بأبواب أربعة”.
المرحلة الصوفية: تجمع رواياتها سمات المراحل الثلاث، وركزت رؤيتها على قناعة بأن “تحرر الفرد رهين فهمه للعلاقة بين مصيره الفردي ومصير المجتمع ككل”، وقد ميزت هذه الرؤية كتاباتها.
تأثرت دوريس ليسنج بالكاتب الأفغاني إدريس شاه الذي تعكس كتاباته روحانية صوفية وتؤكد على تطور الوعي وأن الفرد لا يكاد يكون إلا إذا فهم الناس الارتباط الخاص بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه. فضلا عن ذلك، بقيت فلسفة ليسنج التي برزت في كتاباتها الأولى حاضرة في المراحل الثلاث تلك.
في السبعينيات والثمانينيات بلغت مرحلة متقدمة من التصوف والتأمل عبرت عنها في رواياتها: “بيان موجز لمنحدر إلى سقر” (1971)، “مذكرات ناج من الموت” (1974)، “سهيل في آرجوس” (1979). توقفت ليسنج عن الكتابة بضع سنوات تتلمذت خلالها على رجال تصوف مسلمين، وتأثرت بهذه الأجواء في “رباعية الفضاء الميتافيزيقية” التي نشرتها بين 1976 و1983.
تميزت أعمالها الروائية بإسقاط ذاتها ورؤيتها على شخصياتها، ففي روايتها “العشب يغني” وغيرها تتناول الغبن العنصري والظلم الاجتماعي خصوصاً بعد تجربتها لسنوات طويلة في جنوب إفريقيا، وتبرز هذه الصراعات في رواياتها اللاحقة، أحيانا تتخذ شكل صراع الأضداد في داخل الشخص، وأحياناً أخرى يصبح الصراع بين الضمير الفردي كمعادل للخير والضمير الجماعي كمعادل للخير الزائف، وهنا يبرز بوضوح تأثرها بالكاتب الروسي تيودر دوستويفسكي.
آمنت الكاتبة بأن الزواج والولادة يعنيان نهاية لحياة المرأة باعتبارها شخصية مغامرة متفردة ومتفاعلة مع عالمها، فهي كزوحة تصبح شخصية محددة المعالم تمارس دوراً اجتماعيا محدوداً رسم لها بعناية، لهذا أخذت ليسنج بأيدي شخصياتها النسائية وأطلقتها في عوالم غير محدودة، وجعلتها تتفاعل في حرية أثيرية تنبض بنجاحات أحياناً وبإحباطات أحياناً أخرى.
ليست العلاقة بين الرجل والمرأة، في كتابات ليسنج صراعاً جنسياً على الامتياز، ولم تكن المرأة عندها ضحية للرجل بل رفيقة له في مواجهة ما يواجهه كلاهما من غبن المجتمع بقوانينه، وتسلط ضمير الجمع لينفي ضمير الفرد، كما يبدو في روايتها “المذكرات الذهبية” (1962).
وفي علاقتها بالمرأة وعوالمها تقول ليسنج :” تطلب النساء مني، في العادة، أن أوافقهن على أمور لم يختبرنها في حياتهن اليومية، لأنها نابعة من الدين في الأساس. يردن أن أشهد على أفكارهن هذه، ويفرضن عليّ أن اقف إلى جانبهن دفاعاً عن فجر ذهبي مرتقب يخلو من الرجال المتوحشين. هل يرغبن في صوغ تعريف عن الرجل والمرأة بهذه البساطة الساذجة؟ في الواقع آسف لهذا الاستنتاج الذي توصلت اليه”.
أبرز الروايات والجوائز
“كان هذا ريف الزعيم المسن” (1951)، سلسلة “أبناء العنف” (1952 1969)، “خمس قصص قصيرة” (1953)، “عادة الحب” (1957)، ” المفكرة الذهبية” و”اللعب مع نمر” (1962)، “رجل وامرأتان” (1963)، “الصيف قبل الظلام” (1973)، “صوت ذاتي صغير” (1974)، “الإرهابي الطيب” (1985)، “الطفل الخامس” (1988)، “الضحكة الأفريقية” (1992)، “لندن تحت الملاحظة” (1993)، “تحت جلدي” و “سيرتي الذاتية” (1994)، “الجواسيس الذين عرفتهم” (1995)، “السير في الظلال” (1997)… أصدرت ليسنج تحت اسم مستعار “جين سومرز” هما: “مذكرات جار طيب” و”إن كان الكبار يستطيعون”….
حازت على: جائزة سومرست موغهام (1954)، جائزة الروائيين الأجانب (1976)، جائرة الأدب الأوروبي (1981) ، جائزة شكسبير (1982)، جائزة باليرمو(1987)، جائزة الرواية الدولية (1987)، جائزة جايمس بلاك (1995)، جائزة لوس انجليس تايمز(1995)، جائزة القلم الذهبي (2002)…
علقت كلير هانسن، أستاذة أدب القرن العشرين في جامعة ساوثامبتون، على فوز ليسنج بالقول: “أمر رائع، فخلال خمسين سنة، ظلت عقوداً طويلة تكتب عن العالم والنزاعات بين المجتمعات والأمم والمؤسسات، التي تهدد مستقبل المجتمع والكوكب، بطريقة جدية وناقدة، فسبقت زمنها ببصيرتها الثاقبة وتفكيرها العميق”.
أضافت أن بعض الأكاديميين البريطانيين لم يغفروا لليسينج تركها الحزب الشيوعي (1954)، وإنكارها للنظرية الأدبية الماركسية أثناء الأزمة الهنغارية (1956).
كلام الصور
1- دوريس ليسنج
2- في حمسينيات القرن الماضي
3- في ستينيات القرن الماضي
4- من أواخر صورها
5- دوريس الفائزة بجائزة نوبل للآداب