توجد آراء مختلفة بشأن تاريخ الغَجَر ( النَّوَر) وأصولهم، منها أنّ هؤلاء الأقوام أصلاً من شعوب الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا، هاجروا من أراضيهم في حوالي القرن الرّابع الميلادي، وأوضح بعض المؤرخين أنهم في أواسط القرن الخامس عشر (1440م تقريبا) وصلوا إلى مناطق المجر وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وروسيا، واستمرّ انتشارهم إلى أن بلغوا السّويد وإنجلترا في القرن السّادس عشر الميلاديّ، كما استوطنوا في إسبانيا بأعداد كبيرة.
وهم في الغالب رحّل وبلا هويّة ولا جواز سفر، ويتنقّلون بين الأقطار، وسلطات الحدود تعترضهم،فتتقاذفهم المقادير، لكنّهم لا يكلّون ولا يملّون ومنهم السّمر الآسيويّون والشّقر الأوربيّون، ونساؤهم وأطفالهم يمارسون التّسوّل، ورجالهم غالبًا ما يشتغلون بالتّهريب، وهم على درجة من الشّجاعة وتحمّل المشقّات والأهوال بحكم قساوة معيشتهم.
وكانوا يجوبون فلسطين زمن الانتداب البريطانيّ وكانت لهم منازل في القرى تعرف “بـِمنازل النَّوَر”، ينزلون فيها ثمّ يرحلون عنها.
ولهم تقاليد خاصّة بهم ويأثّرون بالشّعوب التي يخالطونها ولكنّهم لا يستقرّون ، ولهم مهارات منها الحدادة وصناعة الجلود والغرابيل والكرابيل التي يستعملها الفلاّحون.
والغجر الذين عرفناهم كانوا أصحاب أساليب احتيال على عامّة النّاس وبسطائهم، ويحسنون عروض مداعبة القردة والدّببة، ونساؤهن يحسن الرّقص على الحبال، ويردتين الملابس الملوّنة، ويرخين شعورهن على ظهورهنـ ويكتحلن، ويتزيّن بالحليّ والأساور والخلاجيل، ويقرأن الكفّ، ويفتحن بالفنجان، ويخادعن الرّجال.
وللنَّوَر مهارات فنيّة من موسيقى وتريّة وغناء، وقد بدا أثرهم في موسيقى شرق أوروبة ووسطها وغربها وإسبانيا.
وموسيقى الغجر تصوّر حياة الإنطلاق والحريّة في السّلوك، هي لغته التي يعبّر بها عن آماله وطموحه وحبّه ومكنونات روحه، ولعصر الأمومة الذي كان طاغيًا في حياة الأمم وهي في أقدم عصورها وجود في حياة الغجر.والسّمة الغالبة على النّساء الغجريّات إمّا السُّمرة الفاتنة ، أو الشُّقرة السّاحرة ، وظاهرة انسدال الشّعر الغُرابيّ اللون، أو الذهبيّ اللون على ظهورهنّ مميّزة، وسيرُهُنّ وهنّ حافيات يشعرهن بلذّة ملامسة الأرض ، وملابسهن ملوّنة تعكس شعورهن بلذّة الحياة وبهجتها.
وأمّا الرّجال فيشعرون بالقوّة والحريّة، وهم حسّاسون،ويتماهون مع تغيّر الفصول، ومشاهدة الفضاء ونجومه، ويألفون الطَبيعة في السّهول الجبال والمغاور، ويعشقون النّار ويتحلّقون حولها فتبدو ظلالم خلفهم كمردة من مردة الأرض . ويحبّون قراءة البخت وتحرّي خطوط اليد، ويتساوق غناؤهم وموسيقاهم ورقصهم مع النّار حتّى إذا همدت وبدأت تخبو جمرة واخرى والعيون يغلبها النّاس صار صوت المغنّي شجيًّا وكأنّه تجسيم لغربة أبديّة وشكوي من قدر بائس ومصير تعيس هنا تسلطن الآلات الوتريّة وخاصّة الكمان، فتتوغّل في تصوير الآمال والأماني والأحلام ومشاعر الحرمان، وتتحول الأنغام إلى شلاّلات حزينة، والعيون يغالبها النّعاس وتغفو كما غفت جمرات الهزيع الأخير من الليل .
وأروع ما يصور ظلال حياة الغجر الموسيقي حتى إنّ كبار الملحنين تجاوبوا مع موسيقى الغجر، ومنهم مونتي، وبرامز في رقصات هنغاريّة، وليست في رابسوديات هنغاريّة، وثيؤدوراكس ، وليهار ،وأغنية زنجريلاّ ، وحتّى زوربا اليونانيّ في رقصته.
وللموسيقي الفرنسيّ جورج بيزيه مساهمة كبرى في تصوير حياة الغجر في أوبرا كارمن وهي من روائع الأعمال الفنيّة، لما لها من حبكة قصصيّة باهرة ، ورقصات ساحرة ، وألوان ساطعة من حياة غجريّة.
وقد قمت بإعادة بنائها وتذويتها إلى العربيّية الفلسطينيّة المحكيّة شعرًا مسرحيًّا مُغَنًّى وستصدر قريبًا.