حالة خاصة

 

ثلاثة أشهر تلتقيه وتسهر معه كأنه رجلها ولم تطلب سوى أن تبقى بقربه.

كان كل منهما غريبا عن المدينة التي تطحن عظام الغرباء. والراحة التي أحستها في وجوده جعلتها تبقى معه أغلب الوقت .

ماجدة أجمل إمرأة عبرت البحر. درست هنا وعملت هناك، وبين هنا وهناك لازالت عالقة.

ولما تعرفت عليه في المكتبة واصطحبها لنافورات الماء الراقصة على الموسيقى، شعرت بشيء عبر إليها جعلها لاتفارقه.

ماجدة مسكونة بالهواجس والأسرار. عيناها الخضراوان فيهما سحر وغرابة تسببت لها كثيرا في المضايقات. والشاب الذي صارحها بحبه صرفته بحنكة وكياسة.

عاشت أربعة عشر عاما لا تعرف سوى الدرس والعمل، ومنذ ثلاث سنوات تحيا بهجة الاكتشاف.

لقد تعود خالد عليى كل شيء فيها حتى صمتها وضحكها المفاجئ. أما الهاجس الذي لازال يؤرقه فهو تركها واحدة جديدة من صويحباتها إلى جواره طالما غادرت المدينة.

غالبا ما يفكر في هذا الخاطر وهي بعيدة. فما تركت معه واحدة ورآها من بعد. فقط يذهب برفقتها لتوصيلها إلى محطة الباص ، وإذا عاد فر منها واختفى. خالد ينتظر قدومها اليوم. رضخ قبل عام لطلبها في عدم الاستقبال بمحطة الباص.

المعارف والأقارب القادمين معها لا يكفون عن الثرثرة أمام أهلها . استيقظ مبكرا وخرج إلى السوق. اشترى الخضار واللحم والفاكهة. معدته تعبت بغيابها. كما اشترى الوردات التي تحبها واعتنى بكل الأثاث. ولما دخلت من الباب وأغلقته خطفها سريعا خوفا من أن تطير.

بالليل وقفت في الباب تراجع هيئته قبل الخروج. كان مستسلما ويضحك مثل طفل.ولما خلصا إلي النهر وأخذا طريق الجسر، صارت تشير إلى الكراسي الحجرية بالقرب من الماء وهي تضحك وتقول: سكن البيوت غيرنا.

حملها من خصرها ووضعها علي السور الباطون الذي يسيج النهر وراح يقبلها من رقبتها وأذنها، من جبهتها وخدها وهو يسأل بعد كل قبلة: أما انتهي الشك والوهم؟. أخبريني ماذا قال أبوك؟. هل أعجبك هذا الذي رغب في زواجك؟. أختك تعرف ما بيننا؟. متي ننتهي من هذه القصص ونتزوج؟. أم أن الحب في عرفكم غير الزواج؟

قالت وهي لا تكف عن الضحك: هذه طريقة جديدة للاعتراف؟. ولما رأت أحد الكراسي خاليا أخذته من يده وأسرعت في النزول . كانت حيويتها فائقة وهي تركض فوق الدرج وتنزل للنهر. من يراها لا يصدق أبداً أنها قطعت ثلاثة آلاف كيلو بالباص. غير إنها غفت على كتفه بعدما حضنها. في هذه الأثناء مر قارب ذو إضاءة زاعقة و موسيقى صاخبة، فهمس في إذنها: ألو ألو

_ هه!

_ انظري، هذا ما كنت تقولين مع رؤيته لا أقوى على مواجهة كل هؤلاء.

_ كنت…

_ والآن؟

_ لن أخجل ولو رأتني أمي معك.

_ هيا بنا فلن أتحدث مع نفسي.

_ ابق قليلا…

_ أنت مرهقة وتحتاجين الراحة

_ بعدما تخبرني عما دار بغيبتي.

زاح رأسها عن كتفه ونظر بعينيها الخضراوين المتعبتين وهو يقول:

لدينا الوقت، هيا بنا الآن. نهضت بتثاقل وهي تتثاءب وتقول: سأنام ساعة بعدها تخبرني كل شيء. هز رأسه بآلية مفرطة، ثم أخذها ومضى.

****

(*) اللوحة للفنانة المصرية/ داليا الليثي.

 

 

اترك رد