ندوة حول رِوايَةِ “أَقدار” لِمُورِيس وَدِيع النَجَّار في الحركة الثقافية- أنطلياس

عَقَدَت الحَرَكَةِ الثَّقافِيَّةِ – أنطِلياس، بِتارِيخ 10- 5 – 2018، نَدوَةً حَولَ رِوايَةِ “أَقدار” لِمُورِيس وَدِيع النَجَّار. وتَكَلَّمَ في النَّدوَةِ الأُدَباء إِمِيل كَبا، مِيشال كُعدِي، سَلمان زَيْن الدِّين، وأَدارَتها الكاتِبَةُ الإِعلامِيَّةُ مِيشلِين حَبِيب.

جاءَ في كَلِمَةُ الدّكتُور مِيشال كُعدِي: “ مُورِيس وَدِيع النَجَّار… عاشَ في رِحابِ العِلمِ وَوَقْعِ الحُرُوفِ والأَرقامِ، أَلِيفَ الكِتابِ والشِّعرِ والعَرُوضِ والرِّوايَةِ.

قِراءَاتُهُ وكِتاباتُهُ طَوِيلَةٌ مُتَواصِلَةٌ، فَهُوَ حافِظٌ لِطُرَفِ العُمرِ والواقِعِ والسِّيرَةِ، حَتَّى باتَت رِوايَةً مِطْواعًا، على طَرَفِ رِيشَةٍ، رَوَتها الأَقدارُ، وَأَيُّ مَكانٍ لِسُبَحِ القَلائِدِ، وَصَرَخاتِ الجَوانِبِ، وَدُوارِ المَوهِبَةِ، الَّتي وَشَّاها النَّقاءُ، والقَولُ الجامِعُ، فَنِعْمَ البَدْعُ.

في رِوايَتِهِ “أَقدار” لا يُشارَطُ، وَهُوَ القادِرُ، على التَّفرِيقِ بَينَ الأَغراضِ الأَدَبِيَّةِ، وَقَد يَمتازُ بِذاتِيَّةٍ صارِخَةٍ، تَظهَرُ عَلَنًا في الوَضَحِ القائِمِ، لِيُكاشِفَكَ بِما رَآهُ، وَبِما صَحَّ عِندَه. كَما وفِيها طَوافٌ رَصِينٌ، في المُجتَمَعِ الإِنسانِيِّ.

وتَقضِي الضَّرُورَةُ، أَن نَتَكَلَّمَ على رَوعَةِ المُعادَلَةِ في رِوايَةِ “أَقدار” الَّتي تُذَكِّرُنا بِـ “دِيما”، وَ “فلُوبِير”، أَمَّا السَّعْيُ فَكانَ شَبِيهًا بِعِملاقِ القِصَّةِ والرِّوايَةِ “بَلزاك”.

*****

وَمِن كَلِمَةِ الأَدِيبِ سَلمان زَيْن الدِّين الآتِي:

“أَقدار” هيَ الرِّوايَةُ الأُولَى لِلشَّاعِرِ النَجَّار، وعُنوانُها مُناسِبٌ لِرِوايَةٍ.

يُؤَالِفُ مُورِيس وَدِيع النَجَّار في رِوايَتِهِ بَينَ المُختَلِفات. فَهُوَ، على الرَّغمِ مِن وَضعِهِ كَلِمَةَ “رِوايَة” على الغِلافِ، يَنفَتِحُ على أَنواعٍ أُخرَى، ويَجمَعُ بَينَ الرِّوايَةِ والسِّيرَةِ الذَّاتِيَّةِ والمُذَكَّراتِ والرِّسالَةِ والتَّارِيخِ، في نَصِّهِ الَّذي يَتَوَزَّعُهُ السَّردُ والحِوارُ مُناصَفَةً، ما يُؤَيِّدُ ما نَذهَبُ إِلَيهِ مِن مُؤَالَفَةِ المُختَلِفاتِ وجَمعِ الأَنواعِ الأَدَبِيَّةِ في نَصٍّ واحِد.

يَكتُبُ النَجَّار رِوايَتَهُ بِلُغَةٍ رَشِيقَةٍ، أَنِيقَةٍ، فَصِيحَةٍ، مُهَذَّبَةٍ، بِشَكلٍ عامٍّ، سَواءٌ على مُستَوَى المُفرَدَةِ أَو التَّركِيبِ، غَيرَ أَنَّهُ قَد يَلجَأُ إِلى خَرْقِ هذه المُواصَفاتِ في بَعضِ الأَحيان.

ومِسْكُ الخِتامِ، “أَقدار” رِوايَةٌ في تَمجِيدِ الصَّداقَةِ، في زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ الأَصدقاءُ، وأَصبَحَتِ الصَّداقَةُ عُمْلَةً نادِرَةً، ما يَمنَحُ الرِّوايَةَ قِيمَتَها التَّربَوِيَّةَ، واستِطرادًا، الاجتِماعِيَّة. ذلك أَنَّ ما تَنطَوِي عَلَيهِ مِن قِيَمِ الوَفاءِ والوُدِّ والمَحَبَّةِ والمُساعَدَةِ والمُشارَكَةِ والمُرُوءَةِ، يُذَكِّرُنا بِزَمانِ الوَصْلِ في “أَندَلُسِ” الصَّداقَة.

*****

وقالَ الأَدِيبُ إِمِيل كَبا: كَأَنَّ ما هُنا في “أَقدار” أَصداءُ ذِكرَياتٍ، بَل استِعادِيَّاتٌ لِمَواقِفَ مِن الحَياة. مِنها انطَلَقَ مُورِيس وَدِيع النَجَّار إِلى مُحْدِثِيها في الزَّمَنِ لِيَحكِيَ خِصالًا وطَبائِع.

وَ”أَقدار” الَّتي يَغلِبُ عَلَيها جانِبُ السِّيرَةِ الذَّاتِيَّةِ، نَظَراتٌ في ما مَضَى، تُبدِيها الرَّسائِلُ المُتَبادَلَةُ بَينَ الشُّخُوصِ.

ولا يَسَعُنِي إِلَّا أَن أُنَوِّهَ بِما تَضَمَّنَتهُ “أَقدار” مِن تَمَثُّلاتٍ شِعرِيَّةٍ، يَعْرُبِيَّةً ولَهْجِيَّةً بَلَدِيَّةً، ولَو في ما يُعَدُّ دَخِيلًا على السِّياقِ المَسرُودِ، فهذه التَّمَثُّلاتُ تَستَحدِثُ كُوًى في غُرَفِ القَصِّ المُغلَقِ إِلى حَدِّ الرُّتُوبِ أَحيانًا. كُوًى يُطِلُّ مِنها القارِئُ على ما هو أَكثَرُ ثَباتًا بَل جِدِّيَّةً في أَعمارِ البَشَرِ، ويَعُودُ وقَد تَزَوَّدَ بِعافِيَةِ المُتابَعَةِ، مُتَنَسِّمًا، في ما بَعدَها داخِلَ الكِتابِ، ما يُضاهِيها وَزْنًا وَوَقْعًا على الحافِظَةِ المُثَقَّفَة. وهِيَ تَمَثُّلاتٌ ومِثلُها الإِحالاتُ على “ثَبَتُ الزَّجَلِيَّات” في الفَصلِ المُلحَقِ بِالرِّوايَةِ، إِن هي إِلَّا جَمالِيَّاتٌ أَكثَرَ إِبهارًا بِمُوسِيقاها، بَل أَجدَى إِقناعًا لِمُجتَدِيها مِن النَّثرِ الرِّوائِيِّ الَّذي قادَها.

وأَختِمُ بِأَنَّ “أقدار” أَثَرٌ لِيُقرَأَ، ورِوايَةٌ مَتَى أَحبَبتَها زادَتكَ تَجارِبَ بِإِضاءَتِها الحَياةَ في أَكثَر مِن جانِبٍ، وهي مُؤَكَّدَةُ الجَنَى بِغِناها اللُّغَوِيِّ الرَّاقِي، وأَناقَةِ نَثرِها الشِّعرِيِّ النَّبْرَةِ، على غِرارِ كلاسِيكِيَّاتِ الفَنِّ الرِّوائِيِّ الَّذي تَنتَسِبُ إِلَيهِ مَثِيلاتُها في إِرْثِنا العَرَبِيِّ الجَمِيل.

*****

وجاءَ في كَلِمَةِ الكاتِبَةِ الإِعلامِيَّةِ مِيشلِين حَبِيب: عِندَما يُمسِكُ مُورِيس وَدِيع النَجَّار قَلَمَهُ لِيَبدَأَ بِالكِتابة لا نَتَوَقَّعُ إِلَّا أَناقَةً في اللُّغَةِ وسَلاسَةً في التَّعبِيرِ وعُمقًا في الرُّؤْيَةِ وثَقافَةً عالِيَة. هكذا عَهِدناهُ في الشِّعرِ وهكذا وَجَدناهُ في “أَقدار”. ذائِقَتُهُ الجَمالِيَّةُ، مُخَيِّلَتُهُ، رُومانسِيَّتُهُ العالِيَةُ، انسِيابِيَّةُ صُوَرِهِ ولُغَتُهُ الاستِثنائِيَّةُ تَنتَقِلُ مِن القَصِيدَةِ عِندَه كَشاعِرٍ إِلى السَّردِ عِندَه كَكاتِب.

قُوَّةُ النَجَّارِ أَنَّهُ يَجعَلُ مِن الأَشياءِ والأَحداثِ اليَومِيَّةِ الَّتي هي جُزءٌ مِن يَومِنا اللُّبنانِيِّ النَّاطِقِ بِاللَّهجَةِ العامِّيَّةِ عَمَلًا أَدَبِيًّا ومِنَ المَحكِيَّةِ فُصْحَى لا شائِبَةَ فِيها.

مِن نُقاطِ القُوَّةِ أَيضًا في الرِّوايَةِ الغَزارَةُ والتَّرابُطُ والمَتانَةُ والانسِيابِيَّةُ في الحِواراتِ بين أَشخاصِ الرِّوايَةِ في إِطارٍ سَردِيٍّ أَنِيقٍ وسَلِس. تَصلُح هذه الرِّوايَةُ أَو أَجزاءُ كَثِيرَةٌ فِيها كَنُصُوصِ قِراءَةٍ في الكُتُبِ المَدرَسِيَّةِ لِجَوِّها الهادِئِ المُسالِمِ ولُغَتِها المَتِينَةِ الجَمِيلَةِ وخاصِّيَّةِ السَّردِ الأَنِيقِ السَّلِسِ الَّذي تَتَمَتَّع بِه.

*****

وَشَكَرَ المُؤَلِّفُ “النَجَّار” الأُدَباءَ المُتَكَلِّمِينَ، وتَوَجَّهَ إِلى الحُضُورِ بِتَرحِيبٍ صَدَّرَهُ بِالشِّعرِ الآتِي:

أَراكُمُ اليَومَ نُورًا، يا أَحِبَّائِي،                يَفرِي ضُلُوعَ الدُّجَى السَّاجِي بِأَجوائِي
لَأَنتُمُ الصِّدقُ في أَجلَى النَّقاءِ، وفي        مَحْضِ الوَفاءِ، أَيا بُرًّا بِأَهرائِي
تَبقَى الصَّداقَةُ لِي طِيْبَ الوُجُودِ، وَفي     جَهْمِ اغتِرابِيَ نَعمائِي ولأْلاَئِي
أَسماؤُكُم، وَكَأَنِّي كُلُّها شَغَفًا،          تَعَدَّدَت، فَهَنِيئًا لِي بِأَسمائِي!

اترك رد