“فكر 16” يناقش قضايا المنطقة

تداعيات الفوضى وتحدّيات صناعة الاستقرار

   

بعد ثلاثة مؤتمرات انشغلت بموضوع “التكامل العربي”، عقدت مؤسسة الفكر العربي مؤتمرها السنوي “فكر 16″ في دبي (10-12 أبريل الحالي) تحت عنوان مستوحى من الواقع العربي والمسؤولية الملقاة على عاتق الجميع تجاه بلدانهم :” تداعيات الفوضى وتحديات صناعة الاستقرار”. على مدى ثلاثة أيام، عُقدت جلسات عامة، وأخرى متخصّصة متزامنة، أدلى بها مسؤولون رفيعو المستوى وأكاديميون مشهود لهم بالكفاءة والخبرة بتشخيصاتهم للواقع العربي من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فتناولوا مسائل الفقر والتفاوت والبطالة، واختلال آليات العمل السياسي، والتدخلات الخارجية، والتطرف والإرهاب.

ثم كان عرض لسبل صناعة الاستقرار، والرؤى التي تسمح بتجاوز الوضع الراهن، ومنها بناء دولة القانون والمؤسسات والمشاركة السياسية، وتوفير العدالة الاجتماعية، وتحقيق التنمية المستدامة، وتطوير النظام التربوي والتعليمي، وايجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، وتعزيز التضامن العربي. في الواقع، أجمع الباحثون كما المشاركون على أن هذه التحدّيات تتطلّب إصلاح مؤسسات الدولة وآلياتها وبناء “توافق وطني”. ويشمل ذلك إقامة مؤسسات تمثيلية تعبّر عن مصالح المكوّنات الاجتماعية كافة، والنقاش حول المركزية واللامركزية، ومفهوم الحكومة الذكية، والتحوّل الى الدولة الاجتماعية. كما تتطلّب مواجهة هذه التحدّيات تبنّي خطط إعادة إعمار الدول التي دمّرتها الحروب والصراعات الأهلية، وتسوية مشكلات اللاجئين وإعادتهم الى بلادهم، وتنشيط  سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأخرى، واتّباع اجراءات الاستهداف الاجتماعي للفئات والمناطق الأقل حظاً، بما يحقّق العدالة، ويكفل وجود الفرص المتكافئة بين المواطنين. في مواجهة هذه التحديات كذلك، لا بد من تبنّي الدولة لثقافة القانون، ودعم قيم المواطنة وممارساتها، وبث روح التسامح وقبول الآراء الأخرى وصولاً الى مجتمع متماسك ومتضامن داخلياً، ومنفتح ومتفاعل خارجياً.

وكان المؤتمر قد بدأ أعماله بإطلاق التقرير العربي العاشر للتنمية الثقافية، الذي حمل عنواناً مثيراً “الابتكار أو الاندثار، البحث العلمي العربي : واقعه وتحدّياته وآفاقه”. إنه عمل ضخم وجاد يقع في 543 صفحة أنجزته نخبة من الباحثين والاختصاصيين المرموقين من أنحاء الوطن العربي كافة. يؤكّد التقرير بالإحصاءات والأرقام أن البحث والتطوير في الدول العربية لا يزال دون المستوى العالمي. إلا أنه يرصد تقدماً على الرغم من ضآلة الإنفاق عليه. كما يُفسح مساحة كبيرة لدراسة أوضاع التعليم العالي في الدول العربية كافة وكيفية تحسينه. وفي النهاية يدعو التقرير الى نشر “الثقافة العلمية” كونها المنطلق الأساس لنجاح الثقافة التنموية”، والى تشجيع الابتكار والبحوث العلمية والتطوير التكنولوجي.

ما تقوم به مؤسسة الفكر العربي يستحق الإكبار والتهنئة. إنها توظّف كل طاقاتها وخبراتها، وتستعين بالأخصائيين في كافة الميادين، تدق جرس الإنذار، تُبرز الحقائق والوقائع بالأرقام والإحصائيات، تقترح الخطط  لبناء وطن عربي ناهض وإنسان عربي جديد. لكن يبقى السؤال المحوري الذي يدور في رأس المشاركين كل عام : من يتلقّف هذه الجهود والمخططات، وما هي الآليات لوضعها موضع التنفيذ ؟ أي دور يمكن أن تلعبه جامعة الدول العربية كمؤسسة جامعة في ظل ما تعاني من وهن ؟ كيف يتبلور التضامن العربي ضمن إطار نهضوي جامع، والحروب والأزمات تمزّق الوطن العربي وتُنذر بالمزيد من عدم الاستقرار ؟ أسئلة يصعب الإجابة عليها، وربما هذا الشعور هو الذي دفع برئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل الى تحويل كلمته الافتتاحية التي قالها شعراً إلى ما يشبه النداء :

أيها الواقع العربي… أَفِقْ

كفاكَ سباتاً وكفانا انتظار !

اترك رد