صورة الكاهن في الأدب العالمي: الروايات ركزت على الكاهن الإنسان والأبحاث على التحديات في عالم اليوم

بقلم: كلود أبو شقرا

  كانت صورة الكاهن في الأدب العالمي مشوبة بعدم الفهم ولم تكن عادلة، فبعد  الثورة الفرنسية انقلب العصر حتى في الناحية الروحية، وغلب اla-symphonie-pastorale_1. 1jpgلطابع الإلحادي، بالتالي ظهرت صورة الكاهن في الأدب مشوشة بل أقرب إلى الكاريكاتور، ولم تتبدل هذه الصورة إلا في فجر القرن العشرين وسادت النظرة إليه باعتباره الوزير المفضل عند الله، يمتاز بالعمق والمثالية وأفرد له كبار الأدباء الكاثوليك مكانة أساسية في أدبهم ورسموه  كأنه بطل.

تحديات مختلفة

 مجموعة من الأسئلة لا تنتهي طرحها الكتّاب والأدباء في مؤلفاتهم حول مهمة الكاهن ترافقت مع تطوّر العصر وبروز مشاكل جديدة وعقبات ساهت إلى حدّ ما في تراجع الشباب عن تلبية دعوة الكهنوت لخشيتهم من الإقدام على هذه الخطوة، ومع تحليل عمق هذه المعضلة التي برزت بقوة في القرن العشرين تبارى الأدباء والمؤلفون والباحثون في اقتراح صور مختلفة للكاهن تحاكي العصرنة إنما انطلاقاً من جذوره المسيحية  والإصلاحات التي حققتها المجامع الفاتيكانية لا سيما المجمع الفاتيكاني الثاني، كذلك برز في الكتب سواء الأدبية او البحثية دعوة واضحة وصريحة إلى المسيحيين بضرورة مساندة هؤلاء المكلفين بحمل الأسرارلأن بيدهم  مفتاح الخلاص وتسهيل مهمتهم لتخطي شتى العقبات التي تفرضها المدنية والتطور…Les cles du royaume 2

 عكست الكتب في معظمها لاسيما الروايات التي أبطالها كهنة صورة المكرّسين الذين يضطلعون بأعباء جسيمة وأحياناً ثقيلة جداً للسير بالمسيحيين نحو اللقاء بالمسيح القائم من الموت، وركزت كتب أخرى على الإجابة  على سؤال: لماذا حضور الكاهن ضروري في الكنيسة؟

   كون الكاهن يعيش بين الناس من الطبيعي أن تلحق بشخصيته عادات وتقاليد فرضتها الحياة الاجتماعية وأضحت مع الوقت من مستلزمات الحياة الكهنوتية، حول هذا الموضوع بالذات عملت الكتب  البحثية على توضيح ما هو تقليد وما هو في عمق اللاهوت المسيحي  لتصحيح شوائب سادت مهمة الكاهن على مدى عصور.

مهمات اجتماعية-سياسية

   سلسلة من الرويات لا تنتهي أبطالها كهنة نزلوا من برجهم العاجي الذي وضعهم فيه أدباء قبل الثورة الفرنسية واختلطوا مع الناس وعاشوا  أوجاع أبناء رعيتهم والمحيطين بهم، وباتوا أقرب إلى بساطة الحياة اليومية. من أبرز الروائيين الذين أعادوا إلى الكاهن صورة الإنسان الخادم لرعيته:

   أندريه جيد في كتابه La symphonie pastorale  (1920) يصوّر كاهناً متزوجاً في إحدى البلدات الصغيرة والتحديات التي تواجهه من جراء عطفه على الضعفاء والصراع الذي يتنازعه بين العاطفة والعقل.

    جورج برنانوس في كتابه Sous le soleil de Satan (1926) يصور الشكّ الذي ينتاب الكاهن في دعوته بعدما يصادف في حياته نماذج مختلفة من الشر وصولا إلى الشرّ الأكبر الشيطان الذي يحاول أن يقتل السلام في قلبه وصراعه معه.

غراهام  غرين في كتابه  La Puissance et la gloire (1940) يتناول قصة  كاهن يعيش في المكسيك (1930) في وقت تسعى الحكومة المكسيكية إلى إلغاء الكنيسة الكاثوليكية في البلاد.Sous-Le-Soleil-De-Satan 3

  جوزف كرونان في Les clés du royaume   (1944) يتناول قصة كاهن لديه جملة تساؤلات حول دعوته بعدما يرى رفيقه في الكهنوت يتقدم في  المراتب الكنسية بينما يقف  هو مكانه، فيسافر في مهمة تبشيرية إلى الصين وكان يسيطر عليها أمراء الحرب، فيعرف هناك قيم الشجاعة والمثالية والكرم والتواضع…

هنري كيفيلي في Un recteur de l’île de Sein (1944) يتناول صراع مجتمع في جزيرة نائية بين الخير والشر، بين الله والإنسان، ومحاولة أحد ابناء البلدة إعادة العادات المسيحية المشتركة بين أبنائها لوقف موجة العنف بينهم.

  هنري مورتون روبنسون في  Le cardinal(1950) يتناول قصة كاهن في كندا ارتسم اسقفاً عام 1939 وحارب العنصرية في  جورجيا وكان خبيراً في الدبلوماسية في الفاتيكان فحاول تحذير أسقف فيينا من الخطر النازي…

  جيوفاني غاريش في Le Petit Monde De Don Camillo (1951) يبرز هذا الكتاب، الأشهر بعد الحرب العالمية الثانية، التناقضات التي مزقت الضمائر الإيطالية  عبر تصوير الأخوة الأعداء دون كاميليو والشيوعي بيبوني.

    ليون موران في Les Nouveaux prêtres (1964)، يتناول الصراعات التي سيطرت على المجتمع الفرنسي في خضم تحولاته، والخيبة التي أصابت مجموعة من الكاثوليك التي فوجئت بالإصلاحات الليتورجية التي أحدثها المجمع الفاتيكاني الثاني.

بين الأدباء والإكليروس

 في نهاية الجمهورية الثانية (1852-1870) نشأ المذهب الطبيعي (مدرسة أدبية تنادي بتقليد الطبيعة في كل أشكالها) بهدف الاضطلاع بتحليل توثيقي وأدبي للمجتمع. تحت هذا العنوان لم يستطع الإكليروس الهرب من هذا الطموح الواسع. بالعودة إلى الصورة التي رسمها زولا وبدرجة اقل موباسان حول الكاثوليكية والإكليروس في تلك الفترة، فقد ساد سوء تفاهم بين الأدباء والإكليروس، مع ذلك برز الكاهن الذي يحمل في قلبه بعضأً من الرجاء النابع من حبّ الإنسان وفضائل الإنجيل…un-recteur- 4

   لم تقتصر مهمة الكاهن في أدب جورج برنانوس على محاور محددة إنما أصبح ناطقاٌ باسم الله، الكاهن بالنسبة إليه هو علماني في مهمة رسولية، بينما الكاهن في أدب Barbey d’Aurevilly في مواجهة دائمة مع قوى الشرّ، بالنسبة إليه ككاتب كاثوليكي لا يمكن للكاهن أن يكون شريراً مثل بقية الناس إنما هو صورة المسيح على الأرض، يعتبر باركلي أحد البارزين في حركة ارتداد المفكرين في نهاية القرن التاسع عشر.

 موريس ويست، كاتب أسترالي كاثوليكي معاصر (1916-1999)، تميزت بعض كتبه بالإشكالية بين الكاهن والكنيسة في النصف الثاني من القرن العشرين. نتاج وست غني جداً يتعدى القضية الدينية، لأنه يعالج بمعرفة تامة عالم الفن والدبلوماسية والمخابرات والأعمال. أما الكنيسة فعالجها في ثلاث روايات:

  “محامي الشيطان” (1959)، تتناول قصة كاهن في رحلة اكتشافه للقداسة  والتواضع والحب وربما نفسه بعيداً عن الكتب الدينية ودار المطرانية … “أحذية القديس بطرس” (1963)، تتناول قصة اسقف سلافي نصب على عرش القديس بطرس، سجين سابق، همه انفتاح الكنيسة على العالم، وقد صدرت هذه الرواية قبل 15 سنة من تولي كارول فويتيلا سدة البابوية. “لازار” (1989)، تغرق القارئ في صراع بين بابا مهدد بالإغتيال من الإرهاب الإسلامي مع ذلك أحدث إصلاحات في الكنيسة…

صورة جديدة للكاهن

 بالتوازي مع الروايات صدرت كتب تتضمن خلاصة تجارب كهنة  وتطلعاتهم وآمالهم، وهي بمثابة مصابيح نور في طرقات مزروعة بالأشواك  في عالم اليوم الذي يسود فيه منطق الاستهلاك في كل شيء حنى في الأمور الروحية، من بين هذه الكتب:Les-nouveaux-pretres- 5

    “الكهنة” للكاهنين ميشال مونييه وبرنار توردي (1994)، يجيبان فيه عن أسئلة وجهها إليهما الشباب  منذ أن ارتسما كاهنين، وهما يرتكزان  على المجمع الفاتيكاني الثاني  والإصلاحات التي جرت في الكنيسة على مر تاريخها… كذلك يتناولان في كتابهما مهمة الكاهن في عالم اليوم وأهمية حضوره وسط التحديات التي تواجه الإنسان.

  Les prêtres que Dieu donne  للكاردينال لوستيجييه  (2000)، يتناول فيه مهمة الكهنة في الألفية الثالثة… وأعاد تحديد الدعوة المسيحية لكل معمد، معتبراً أن على كل مسيحي الأخذ في الاعتبار أنه كاهن بالمعمودية، لذا من واجبه مشاركة الكهنة في مواجهة الأعباء التي  تفرضها العولمة والنظام الجديد.

 “الوجه الحقيقي للكهنة” لدونالد كوزينس (2002)  يتناول المؤلف، وهو كاهن، دراسة نفسية وروحية واجتماعية حول الكهنة في الكنيسة الكاثوليكية الأميركية، دكنور في علم النفس يلاحظ ان الكاهن الأميركي مسكون بعقدة أوديبية عائلية وكهنوتية، مقترحأً سلسلة من التوجيهات لكهنة المستقبل ليتجنبوا المطبات التي وقع فيها بعض الكهنة اليوم. la puissance et la gloire.j 6pg

 يتبين مما تقدم أن النظرة إلى الكاهن في الأدب تأثرت بالبيئة الاجتماعية أكثر من ظهورها كمثال يحتذى به، من هنا  يبرز الصراع الدائم بين الأدباء الذين يتناولون الكاهن بطريقة واقعية وبين رجال الدين الذين يتناولون في  كتبهم  أبجاثاً حول تجديد صورة الكاهن وفق ما تفرضه متطلبات العصر، من دون أن يحيد عن جوهر مهمته التي نصت عليها التعاليم المسيحية والمجامع الفاتيكانية. على الرغم من احتلاف النظرة بين الروائيين والباحثين إلا أن الكاهن يبقى في نظر هؤلاء البطل الذي يستطيع وحده قيادة المسيحيين للقاء المسيح والقائد الذي يعبّد الطريق نحو الخلاص.

 كلام الصور

1- غلاف La symphonie pastorale

2 – غلاف  Les clés du royaume

3-   غلاف Sous le soleil de Satan

4- غلاف Un recteur de l’île de Sein

5- غلاف الكهنة الجدد

6- غلاف  La Puissance et la gloire

اترك رد