يقلم: د. عبدالله بوحبيب
يبدو أن زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المملكة العربية السعودية لم تغيّر سياسة واشنطن من إيران وسوريا، واستطراداً حيال لبنان والقضية الفلسطينية.
وبرغم استمرار الإخفاق في اجتماعات دول الـ5+1 مع إيران في جنيف، المتعلقة بالحد من النشاط النووي لإيران ومنعها من اقتناء القنبلة الذرية، تبقى السياسة الأميركية من هذه القضية ثابتة بإصرار واشنطن على حل سلمي، من دون إسقاطها خيار استعمال القوة والمضي في العقوبات الاقتصادية متى بلغ الأفرقاء الفشل النهائي في هذه المفاوضات. لكنها متفائلة بالتوصل إلى اتفاق أولي يسمح للمنظمة الدولية للحظر النووي بالتأكد، في أي وقت، من أن إيران تطبّق الاتفاق بحذافيره.
التحق وزراء خارجية الدول المعنية بالملف النووي الإيراني باجتماعات جنيف لتوقيع الاتفاق بالأحرف الأولى. لكن تشبّث وزير الخارجية الفرنسية بتضمين الاتفاق التوقف الكامل للمرفق النووي الإيراني في أراك، أرجأ المفاوضات أسبوعين للتشاور. إلا أن الدول الـ5+1 قبلت بحق إيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. بكلام آخر، تبقى إيران دولة نووية على أن يبقى تخصيبها لليورانيوم أقل من خمسة في المئة تحت مراقبة دولية صارمة. أخيراً أشيع أن الموقف الفرنسي أتى تلبية لطلب إسرائيل والسعودية، وذكر أن الرئيس الفرنسي سيزور قريباً هذين البلدين.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الأزمة السورية، فخلال العام الأول من بدء الأزمة، وضع الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاً أحمر بإزاء استعمال النظام السوري السلاح الكيميائي ضد المعارضة، مهدداً بأن استخدامه قد يحمل الولايات المتحدة على التدخل عسكرياً. إن قبول النظام السوري بالتخلي عن كل ما تملكه سوريا من سلاح كيميائي، أعاد السياسة الأميركية إلى مزاولة العمل الديبلوماسي توصلاً إلى حل للأزمة السورية يوقف الدم والدمار، وينقل سوريا إلى نظام ديموقراطي، من غير أن تُسقط من سياستها الاستمرار في مساعدة المعارضة السورية بغية إسقاط النظام الحالي. وفي موازاة تفاؤل حذر في واشنطن حيال الملف النووي الإيراني، لا ينتظر الأميركيون من مؤتمر «جنيف ـ 2» النجاح لأن أطراف النزاع يذهبون إليه ضد رغباتهم وبضغط من حلفائهم الدوليين.
يستمر الوزير جون كيري في قيادة المحاولة الأميركية توصلاً إلى حل الدولتين في فلسطين. وهي السياسة التي اتبعها الرئيس أوباما منذ بداية ولايته الأولى. لكن القضايا العالقة بين الفلسطينيين وإسرائيل تبدو غير قابلة للحل. لم يحدث أي تقدم منذ بدء المفاوضات برعاية أميركية قبل ثلاثة أشهر، ولا يزال مؤجلاً، منذ أوسلو لعشرين عاماً خلت، الخوض في القضايا الأساسية لمفاوضات الحل النهائي. وهي لا تزال عالقة إلى يومنا: الحدود بين الضفة الغربية وإسرائيل، اللاجئون الفلسطينيون أو حق العودة لفلسطينيي الشتات، المستوطنات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مدينة القدس، المياه الجوفية. لم يحدث تقدم في أي من هذه القضايا منذ بدء المفاوضات لحلها بعد اتفاق أوسلو في أيلول/ سبتمبر 1993. ويتكهّن مراقبو هذه المفاوضات بفشلها حتى قبل انتهائها بعد ستة أشهر.
أما بالنسبة إلى لبنان، فلا تزال سياسة واشنطن تهدف إلى إحلال الاستقرار وإبعاد تداعيات الحرب السورية عنه من دون التدخل في التفاصيل اللبنانية، وبخاصة في أزمة تأليف الحكومة. إن إعلان الوزير جون كيري من السعودية أن الولايات المتحدة لا تقبل بهيمنة «حزب الله» على الحياة السياسية في لبنان دعوة غير مباشرة للمعارضة اللبنانية كي تشترك في الحكومة، ولا تترك السلطة التنفيذية بين أيدي «حزب الله» وحلفائه. ولقد لعب الأميركيون دوراً أساسياً في عقد اجتماع أصدقاء لبنان في نيويورك برعاية رئيس الجمهورية، كما حضّوا المنظمات الدولية والدول المانحة ـ ومن ضمنها دول الخليج ـ على مساعدة لبنان في مواجهة المشاكل الاقتصادية الناجمة عن استمرار تدفق النازحين السوريين الى دياره.
يدعونا هذا الوضع الإقليمي إلى التفكير وفي عمق بالوضع اللبناني. لا يمكن الاستمرار في تفريغ الدولة. لبنان في حاجة ماسة إلى حكومة جديدة وتفعيل سريع لمجلس النواب الممدد له، ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري.
إن وجود حكومة اتحاد وطني بفعالية ضعيفة خير من حكومة تصريف أعمال لا يتفق أعضاؤها على اجتماع طارئ يتعلق بالمصلحة العليا للبنان. كذلك فإن استمرار تفريغ المؤسسات الرئيسية في الدولة ـ رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء ـ يقود حتماً إلى مؤتمر تأسيسي أو طائف ثان. وهذا ما تعارضه قوى 14 آذار، المعارضة الحالية التي تصر على رفض أي تغيير لاتفاق الطائف.
***********
(*) السفير، الخميس 14 تشرين الثاني 2013