كتابٌ يمتدّ على مدى سبعة عشر فصلا وثلاثماية وتسعين صفحة من الحجم الوسط، صدر عن “دار فواصل”؛ وتوزيع “الفرات للنَّشر والتّوزيع”، من وضع الدّكتور علي نعمة الّذي شاء من وضعه ” تعريف القارئ العربي، ولاسيّما النّاشط السّياسي بشكلٍ خاص، بالآليات الّتي تربط مُعطيات الإجتماع السُّكاني للبشر وتحدِّد حراكهم الإجتماعي السّياسي، ونوعيّة المُتَّحد الإجتماعي الّذي يضمُّهم وطبيعته وتضبط تطوّره نحو تشكُّل السِّلطة فيه والعيش في المًتَّحَد، وإِخضاع جميع أفراده وتسييرهم على إيقاع القرار السّياسي الصّادر من الفاعليّة السّياسيّة الحاكمة”.
فدول العالم العربي، بالرّغم من وجود الثّروات الطّبيعيّة الدفينة فيها، ينازع حياة معظم سكّانها طواغيت الفقر والجهل والتّخلّف والأميّة، ناهيك إلى قصورٍ شديدٍ في الثّقافة السّياسيّة، على ما أَورد المؤلِّف في مقدّمة كتابه. وفي الجِّهة المقابلة، يرى أنّ الديمقراطيّة تعمّ في معظم دول الغرب، وبخاصّةٍ المتطوِّرة حضاريًّا منها؛ فتجذب ببريق مبادئها والقيم الّتي تنطوي عليها العديد من مواطنيّ الدّول العربيّة، علّهم يتخلّصون من مشاكلهم الإجتماعيّة الحياتيّة وتخلُّفهم عن الرّكب السّياسي الذي يسمح لهم بالنّمو ولبلدانهم بالإزدهار. فبعد أن عاشت الشّعوب العربيّة، بمختلف مشاربها ومنازعها الإجتماعيّة أربعة عشر قرنًا، في ظلّ حضاراتٍ إِسلاميّةٍ عربيّةٍ متعدِّدةٍ، وتشاركت في الإنصهار ضمن حضاراتٍ إنسانيّةٍ على تعاقب الأعصر، حتّى غدا لها حضارتها الإسلاميّة- العربيّة التي تميّزها عن بقيّة الشّعوب الّتي تعايشت معها وعايشتها.
يُفصح علي نعمة، عن الغاية من وضعه الكتاب، فيقول: “أَردتُ من هذا الكتاب أن يكون إطلالة توضح الشأن السّياسي والإجتماعي عمومًا والشَّأن الإجتماعي الإسلامي خصوصًا…، لاسيّما ما يختصّ بالحراك الإجتماعي الحضاري المتنوِّع للإنسان المُجتَمَعي والحراك الإجتماعي الدّيني- السّياسي للجماعات والمكوِّنات البشريَّة”. كما ويورد المنهجيّة المنوي اتباعها في مقاربته موضوعه. ويُعلن كذلك، بأنّه سيعمل وجوبًا خلال بسطه دراسته على “معالجة مفاهيم الفكر الدّيني الإسلامي وقيَمِه ومضامينه وغاياته وأَبعاده الإنسانيّة وأنظمة مساراته التي تُهيمن على عقول سكّان العالم العربي، وتحكم سلوكهم الحياتي والمعيشي والإجتماعي والسّياسي إلى حدٍّ كبير… وكان لا بدّ في المُحصِّلة، من مُعالجة المفاهيم والقِيَم الإسلاميّة الإنسانيّة التي هي على علاقةٍ وارتباطٍ وثيقٍ بقِيَم الديمُوقراطيّة ومفاهيمها”.
يرى الكاتب علي نعمة، أنّ المجتمع الوطني العربي، قد تكوَّن من مُتّحدات بشريّةٍ إِنسانيّةٍ داخليّةٍ، تعيش تحت سلطةٍ واحدةٍ عبر بناء علاقاتٍ لها مع مُتَّحداتٍ خارجيّةٍ. كما وأنّ الممارسة الخاطئة والسّلبية، تنحرف بالديمقراطيّة عن غايتها المتوخّاة.مؤكِّدًا على ضرورة وإلزاميّة وجود مُعارضةٍ حقيقيَّةٍ ضمن النِّظام الديمُقراطي “مُستقلّةٍ ومُختلفةٍ عن السُّلطة الحاكمة، تكوِّن مرجعيةٍ صالحةٍ يُحتَكَمُ إليها في تأمين المنافع والمصالح العُليا للدولة. ويجب أن تتكوَّن الجهات الرِّقابيّة من المرجعيات العلميّة النُّخبة، القادرة على التّخطيط بالتّكاتف مع المؤسّسات الشّرعيَّة ضمن النِّظام الديمقراطي في جو من حرِّية الإعلام والتّربية الواعيان لأهميّة الصّدق والإلتزام والمسؤولية في آنٍ معًا.
إِضافة إلى كل ما سبق، إهتمّ واضع الدِّراسة، بتبيان ما في الإسلام من نُظم ترسِّخ الحكم على مجموعة القِيَم والمبادئ الإنسانيّة التي تُسهم مساهمةً فعّالةً في بناء الفكر الديمقراطي تحقيقًا لنشوء المجتمعات المتحرِّرة.كما وأنّ علي نعمة، يرى أنّه من الضّرورة بمكان، فقه معنى الرِّباط المقدّس (حبل اللّه) في الدِّين الإسلامي، لمعرفة الديموقراطيّة المتأتّية عن تعاليمه، معرفةً عميقةً حقّةً. إضافةً إلى توضيح عقد العبادة (كيفيته وشروطه) بما يتعلّق بأمانة الحياة الدّنيا في الإسلام،أهلية أطراف العقد، طريق العبادة، معرفة الله وصفات الله وحقائق الوجود والحياة والإعتراف والتّسليم بذلك(الإسلام لله)…. ولقد اتّضح للمؤلّف نهايةً،”أن حريّة الله هي الحريّة الأساس في الإسلام” ومنها تنبثق مبادئ الديموقراطيّة الأُخرى كافّةً كالحوار والسّلام والرّحمةُ، الّتي الشّرط الأساس فيها،الغفران والتّوبة إلى الله. “واللّه، أطلق على الجنَّة إسم “دار السّلام”، حيث السّلام الحقيقي في الآخرة، الدّائم والثّابت والخالد والمتّصل والمتواصل، لا تشوبه الشّوائب ولا تنغِّصه المنغِّصات ولا تعكِّرُه الأحداث…”. كما وتبيّن للباحث: “أنّه ليست كلّ الكيانات السّياسيّة والجغرافيّة، وبلدان العالم مهيّأةً أو صالحةً لإتِّباع النِّظام الديمقراطي وممارسته…”
كتابٌ، يُقال فيه أكثر بكثير ممّا قلت. كتابٌ يحتاجه العربيّ ليفقه كنه حضارته، وليُمسِك بناصية بقائه، واعٍ كلّ الظروف السّياسية والفكريّة والدينيّة التي تمكِّنه من التّرسّخ في أرضه، ليورثها أبناءه من بعده، ناعِمَين بالحريّة والسّلام سالكَين درب التراحم جيلًا بعد جيلٍ؛ سيرا نحو الحق المطلق وما يمثله من مُثل الخير والحب والجمال.