الطقس متقلب. تنفر الأجساد من الشرد. والسماء تكفهر في عقب الرعد. والأرض تطلق دوامات الريح المحمل بالغبار. والزحام منعه من الوصول في تمام الموعد. إن الأمر لا يشغله كثيرا. مجرد رضوخه لحنينها . هي التي حددت المكان والموعد. كان يريد نهاية الأسبوع وأختارت أوله. ولما سألها عن إصرارها قالت وهي تقهقه: حتى أخلص منك.
الساعة كانت تقترب من منتصف النهار والنادي شبه فارغ. والطاولة التي اختارها كانت في آخر الطاولات. ولما لاذ بالصمت وكثرت نظراته مسها القلق. منذ رأته يصطحبها للأسفل حتي اقتربا من الماء والفأر يلعب بعبها. وفجأة أخذت تنظر إلى سيجارته المشتعلة وتقول: لا تنظر بعيني أنت شرير. لا شيء يفرق معك. لا تنظر بعيني.ها. وأغمضت عيناها.
هب واقفا وأمسكها من كتفها بقوة وهو يضع الكتاب الذي بحوزته أمامها ويقول: اهتم بهذا حتى أنظر شيئا نشربه. قالت: سأرميه للنهر . قال وهو يبتعد: حسنا لو فعلت حتى آكلك بأسناني. ردت بعصبية: أنت حقا متوحش وأخاف أن تفترسني.
بعد أقل من خمس دقائق عاد بمشروبين باردين وما ملكت واضحة زمام أمرها بعد.
كان كل همه منعها من تدبير المكائد.
تركها حتى عاودت الكرة وانتفض. ذهب ينظر في عينها ويرقص لها حاجبه الأيسر. في هذه اللحظة رأي الدلال على أصله. واضحة أنعم من الماء. جسدها ملفوف ويكاد يخلو من العظم. ولما تتحدث يهتز فيها كل شيء. أما شعرها الأسود الملفوف تحت طرحتها السوداء فيصل الأرض لو فردته. هي الآن تتمطى في الكرسي بغرابة. تتلوى وتقبض بأصابع يمناها على معصم يسراها وتسحب لأطراف الأصابع. ثم تعكس الآية وتئن وتزفر وتتألم. تركها إلي أن راقت عيناها وأخذ يقترب برأسه حتي وجهها.
-ما بك؟
-اريد صورة كبيرة لوجهك.
-هكذا؟
-نعم، أين الشامة؟
لمستها علي خدها وهي تقول: هذه هي.
-انتهينا؟
-نعم ولو ضعفت ثانية واتصلت لا ترد.
-نخرج معا؟
-وعيون أبي؟
-كلها تحرس السوق.
-هيا.
في هذه الأثناء توقف الرعد وعاود البرق الظهور. صار يضيء الأفق ويعكس ضوؤه سطح النهر. ولما انطلقت سيارتها وابتعدت، قويت زخات المطر.