“العنبر اللبناني” في مركز التراث في LAU… الأقدم في العالم ألهم فيلم “جوراسيك بارك”

“العنبر موجود في الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا وأفريقيا وإثيوبيا والكونغو، غير أنه في لبنان الأقدم في التاريخ. ففي أرض لبنان نحو 400 LAU-1موقع من العصر الطبشوري بينها نحو عشرين من العصر الجوراسي”، جاء هذا الكلام على لسان البروفسور داني عازار في محاضرة في عنوان”العنبر اللبناني كنز فريد في العالم”، ضمن ندوة نظمها “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية – الأميركية  LAU وشارك فيها الدكتور جورج طعمة والمخرج فيليب عرقتنجي وقدم لها وأدارها الشاعر هنري زغيب مدير المركز.

 البروفسور عازار رئيس الجمعية العالمية لدراسة الحشرات المتحجرة ونائب رئيس المجلس العالمي للعنبر، ومكتشف معظم مواقع العنبر في لبنان التي بلغت حتى اليوم 420 موقعاً في مختلف الأراضي اللبنانية.

 حدد في عازار في محاضرته العنبر بأنه، “في المفهوم الشعبي، الكهرمان أو الكوربا، وهو صمغ نباتي تفرزه الشجرة فتعلق فيه الحشرات حتى إذا لحقت به نقاط الماء تحجر وعاش طويلا طويلا لعصور وقرون. وهذه المادة الصمغية دافئة متلألئة بلون الشمس والذهب، تلصق بالنباتات وتحفظ لملايين السنين كل ما يعلق بها من حشرات وعناكب وأصناف من الحياة البيولوجية، تبقى محفوظة فيها بأدق تفاصيل أبعادها الثلاثية. وقيمة هذا الصمغ النباتي الممتاز هي في جماله وصفاته لذا يصاغ للمجوهرات حجارة كريمة لأن العنبر خفيف الوزن ناعم الملمس متعدد الألوان متشكل الأحجار يعرف إجمالا بالكورباء”.

وعن تسميته قال إنه في الإنكليزية amber من العربية “عنبر” أي البخور، وفي الألمانية bernstein الحجر الذي يحترق، وفي اليونانية electron لما فيه من خصائص كهربائية، وفي الروسية yantar تميمة لإبعاد الشرور والاتقاء من صيبة العين. وورد ذكره في أساطير وميثولوجيات تحدثت عنه بإجلال وأرجعت تكوينه إلى أنه بقايا من دموع الآلهة.

أضاف: “مواقع العنبر في لبنان تحتل نحو 10% من مجمل الأراضي اللبنانية، أهميتها أنها تشير إلى التطور الجيولوجي والنباتي على سطح الكرة الأرضية وتفيد في فهم تاريخ البيئة وتحولاتها عبر العصور والقرون”.

وعن الطبيعة اللبنانية الغنية قال: “في أرض لبنان أقدم نباتات مزهرة في العالم وأقدم حشرات ذبابية وأقدم الدبابير والفراشات واليرقات والنمل الأبيض والعنكبوت والبزاق، ودراسة هذه الحشرات تؤدي إلى دراسة البيئة الطبيعية بمعنى أن إعادة تركيب البيئة ممكنة بدراسة هذه الحشرات. أما تاريخه فيجمع العلماء الاختصاصيون على أن العنبر اللبناني هو العنبر الأقدم في العالم لاحتوائه على كائنات بيولوجية متنوعة وكثيرة تجعله بين أهم أنواع العنبر المكتشفة حتى اليوم لأن تكوينه يعود إلى العصر الطبشوري السفلي، زمن ظهور أوائل النباتات المزهرة على سطح الأرض. وهذا حدث بالغ الأهمية في متابعة نشوء الحياة كما نعرفها اليوم، وفي دراسة تطورها عبر ملايين السنوات”. و”دراسة الكائنات البيولوجية في العنبر اللبناني أتاحت للعلماء إعادة تركيب بيئة الأرض قبل نحو 135 مليون سنة في المنطقة التي هي لبنان حاليا، وكانت مكسوة بغابات كثيفة مظلمة تحت تأثير مناخ إستوائي حار ورطب”.

وذكر أن “فرادة العنبر اللبناني في كونه شاهداً على العائلات البيولوجية المنقرضة في جميع البلدان السحيقة الجيولوجيا والطبقات الأرضية، وهي عائلات نادرة لم تعد موجودة إلا في لبنان. لذا يسجل عنبر لبنان أرقاماً قياسية لأقدم عائلات المفصليات الأرضية من حشرات وعناكب وحلزونيات أرضية وفقاريات صغيرة، وفي عنبر لبنان أقدم سجل محفوظ للتزاوج والحياة الطفيلية”.

وختم لافتاً الى أن “مواقع العنبر في لبنان لا تحظى بحماية رسمية، بل هي مهددة بالتدمير أو التخريب أو الإزالة. لذا يجب إدراج هذا الكنز الطبيعي على لائحة التراث الإنساني العالمي لأن زوالها خسارة كبيرة للتراث الإنساني، وللمعرفة العلمية، ولدراسة تطور الحشرات والمفصليات الأحفورية المتحجرة”.

 العنبر وجوراسيك بارك

تندرج هذه المحاضرة تحت شعار “في أرضنا كنوز هي بين أقدم التراث الطبيعي في التاريخ”، وفي سلسلة محاضرات شهرية تضيء على تراث لبنان في تنوعه الغني.

افتتح الندوة مدير المركز الشاعر هنري زغيب منوها بأهمية هذا الموضوع وغنى أرضنا اللبنانية بتراث طبيعي من الحشرات النادرة والنباتات والأزهار التي لا ينبت معظمها إلا في لبنان، وأدار محاور الندوة بأسئلة ومداخلات.

المقدمة الأولى كانت من الدكتور جورج طعمة، رئيس المجلس الوطني للبحوث العلمية ورئيس الجامعة اللبنانية سابقاً، فأشار إلى أهمية مكتشفات الدكتور داني عازار في إبراز كنوز العنبر اللبناني وإطلاقه عالميا.ً

المقدمة الثانية كانت حول العلاقة بين العنبر اللبناني وفيلم “جوراسيك بارك” كشفها المخرج السينمائي فيليب عرقتنجي الذي روى كيف قال الأستاذ في الجامعة الأميركية أفتيم عكرة كلمة عابرة عن العنبر اللبناني لزميله حافظ المتحف البريطاني، فرواها لصديقه الكاتب مايكل كريشتن ونسج منها هذا الأخير رواية تحولت مع ستيفن سبيلبرغ إلى فيلم “جوراسيك بارك”.

أضاف أن للفيلم أهميتين: فهو أول فيلم يستعمل التقنية الرقمية لتصوير الديناصورات، وأول فيلم يستعمل العلم للانطلاق إلى الخيال العلمي وهذه من النوادر في تاريخ السينما، مؤكداً أن “المهم ليس اكتشاف التراث، بل معرفة استخدام هذا التراث للإفادة منه في الأعمال الفنية سينمائياً أو مسرحياً أو بأي واسطة أخرى من وسائط التواصل الإلكتروني”.

اترك رد