أرق

  

(1)
هو ليلٌ آخر
يتسلل
غامراً كبحر

تهاوَتْ في تلافيفه الخطوطُ الفاصلة
يخيِّم
صامتاً ككتاب
تلاشت من صفحاته الحروف
يرسو عند نافذتي
مسالماً كمرفأ
بلا سفينة تُهدِّدُ بالإبحار
ينهال
غامضاً كموت
يخطئ كلَّ أهدافه
(2)
في ظلام الليل الأبكم
يتحوَّل الكون إلى هُوَّة
آهلة بآهات اللامرئي
تفقد العيونُ دورَها
وتتأهَّبُ سائر الحواس
مُتوهِّمةً اكتشاف جوهر الأشكال
على صهوة فِكَرٍ رنَّحها اللانُعاس
(3)
الزجاج، جِلْدُ العتمة، بارد
أُلصِقُ خَدّي به
لأشعر بالأمان
أحدِّقُ مليّــاً في ما وراءه
فلا أرى سوى ما أمامه
حاضراً مع الظلال المتوارية
يقاسمُها نِعَمَ القمر
وفاكهةَ العذابات المبهمة
لا فَرق بين الإغماض والبصر
(4)
الليل يستدرجني
إلى أعماق يمِّه
لأكشف وجوداً رهيفاً
أصدافاً عصية
حجارة ورمالاً لا يلمُّها شاطئ
صيادين قد نسوا
غايةَ بحثهم
(5)
يا ليل
فيك خوفٌ يشبه غدي
وفيك يختفي جسدي
وراء روحه
أمشي بين أشباحك
على حافة الرغبات
على رؤوس أصابع الحلم
فوق مسامير الندم
فيكَ غربةٌ
تشبه هجرتي
يؤاخيكَ قلبي الساكن في عزلته
أتنفسُكَ كمدينة بلا شجر
كملاعب بلا أطفال
(6)
كلَّ ليل
أفكِّك حكاية النهار
أنظِّـفُها من ألفة الشمس
وضجيج الوعي
وأعيد نسجها
قماشةً منزوعةَ الخياطة
أتدثَّر بها
رداءً يقيني
لسعات اليقين
في رحلة البحث عن ذات
لا تزال لغزاً في متاهة حلم
(7)
حياتي في الليل
عينان جاحظتان ومشهدٌ لا يُرى
فمٌ فاغر وكلامٌ لا يُسمع
روحٌ ساهرة
على معركة أرمي فيها كل أسلحتي
وأحلم بالهزيمة
وإنْ غلبَني النعاس
لا أنام عن حياتي،
أعيش موتي، قليلاً…
(25- 2- 2018)

اترك رد