مع صدور “ديوان أهِلَّة وبُدور” تكون دار نعمان للثَّقافة قد أنجزَت سُداسيَّةَ التَّكريم الخاصَّة بالشَّاعر والصِّحافيِّ والنَّاقِد جان كمَيد، وذلك بإنجاز ستَّة استِحقاقاتٍ خاصَّةٍ بالمُحتَفى به:
ففي استِحقاقٍ أوَّل، أصدرَتِ الدَّارُ، في العام 2010، “سياحات مع الشُّعراء والأدباء والفنَّانين”، وهو مجلَّدٌ من 656 صفحة، قدَّمَ له الدُّكتور جميل جَبر، ويضمَّ مجموعةً كبيرةً من تحليلات المؤلِّف و/أو لقاءاته خلال حياته الأدبيَّة والصِّحافيَّة الطَّويلة حول و/أو مع عددٍ كبيرٍ من الشُّعراء والأدباء والفنَّانين اللُّبنانيِّين المُعاصِرين، كما مع بعض الأدباء العرب. وهكذا، من أبي شبكة وأبي ماضي وجبران والرِّيحاني والمَعالِفَة، إلى أمين نخلة ومارون عبُّود وشارل قرم ورئيف خوري وبولس سلامة ويوسف غصوب وفؤاد أبي زيد وأنطون قازان ومتري نعمان ورشدي معلوف؛ ومن عمر الأنسي ونقولا قربان وبول غيراغوسيان وزهراب، إلى عزيز أباظة ونزار قبَّاني وآخرين كُثُر، ينقلُ كمَيد القارئَ والباحِثَ إلى عالمٍ ممَيَّزٍ من التَّحليل الأدبيِّ والفنِّيِّ، والنَّقد الرَّاقي البَنَّاء، في مَجالات الأدب والفنون كافَّة.
وترافقَ الاستِحقاقان، الثاني والثالث، إذ نالَ جان كمَيد إحدى جوائز ناجي نعمان الأدبيَّة الهادِفَة لعام 2010، هي جائزة الأديب متري نعمان للدِّفاع عن اللُّغة العربيَّة وتطويرها؛ وتمَّت، للمناسبة، طباعةُ ديوانٍ له بعنوان “أضعتُه العُمر”، من ضمن سلسلة “الثَّقافة بالمَجَّان”.
وأمَّا الاستِحقاقُ الرابعُ فتمثَّلَ بتكريم ناجي نعمان، من خلال صالونه الأدبيِّ الثَّقافيّ (“لقاء الأربعاء”) الأستاذَ جان كميد في العام عَينه، وقد شبَّه نعمان ضيفَه، في حفل التَّكريم، بالتَّاريخ الذي يُعيدُ كتابةَ تاريخ الأدب المعاصر، وبالإنسان الذي فتَّشَ له عن مُبغِضٍ فلم يُفلِح؛ ثمَّ قدَّمَ الفَقيه الدّكتور ميشال كعدي الضَّيفَ الكريمَ بكلمةٍ أدبيَّةٍ راقِيَة. كما كانت كلمةٌ للشَّيخ جوان حبَيش نوَّه فيها بالمُكَرَّم، في حضور رهطٍ من رجالات الأدب والشِّعر والفنون، وكلمةٌ للمُحتَفى به. وتمَّ، أخيرًا، تسليمُ شهادة الاستِضافة والتَّكريم من نعمان إلى كمَيد، كما جرى نخبُ المناسبة، تخلَّلَه توزيعُ مجلَّد “سياحات مع الأدباء والشُّعراء والفنَّانين” هديَّةً إلى الحاضِرين، بالإضافة إلى التَّوزيع المجَّانيِّ التَّقليديِّ لآخر إصدارات دار نعمان للثقافة.
وأصدرَتِ الدَّارُ، في العام 2011، مجلَّدًا جديدًا لكمَيد بعنوان “جولاتٌ في آفاق الفكر والأدب”، في 368 صفحة، تناولَ فيه عددًا من الأفكار الخاصَّة به، إلى أدباء، من مِثل بولس سلامة وخليل مطران والياس أبي شبكة وزكي المحاسني وسعيد تقيّ الدِّين وشارل قرم والأخطل الصَّغير وغابي حدَّاد وجورج مغامس وناجي نعمان وألبير أديب وفوزي عطوي وأنطوان خوَيري وجورج أبو سعدى.
وأمَّا الإصدارُ الأخيرُ لجان كمَيد، مطلعَ العام 2018، فيُعَدُّ سُداسيَّةً في سلسلة الإنجازات المتبادلة بين الأديب ودار نعمان للثَّقافة، ويتمثَّلُ بكتابٍ جديدٍ عنوانُه “ديوان أهِلَّة وبُدور”، يقعُ في 160 صفحة، ويتضمَّنُ شِعرًا لكمَيد يتوزَّعُ على أبوابٍ هي على التَّوالي: ثوريَّة، عائليَّات، وجدانيَّات، إخوانيَّات، مناسبات، غزليَّات، فَرادة في الغزل، إباحيَّات، قطراتٌ لها، نداوات، نجاوى، إلى من اسمُها لا يدلُّ على حقيقتها، إلى ثلاث مُستحِقَّات.
ومن الديوان نقتطفُ قصيدةً بعنوان “وداع”، تقول:
أُغادرُ زاديْ حُسْنُ صِيْتٍ وسِمْعَـةٍ
وَنَزْرُ عَطـاءٍ لـم يُكَمَّـلْ فَيُقْـدَرُ
فما اسْطَعْتُ إِفْراغًا لِجَعْبَـةِ مُوْسِرٍ
على صَرْحِهِ يَزْهُوْ رُخامٌ وَمَرْمَـرُ
لَقَدْ بَقِيَ العُمْـرُ الطَّويْلُ مُقَصِّـرًا،
فَلا الجَهْدُ مُسْتَوْفى ولا “الغيثُ” مُمْطِرُ
وما تَرْكَتيْ بَعْدَ الرَّحِيْلِ سِوى جَنًى
كَثِيْـرُهُ حَصْبـاءٌ، قَلِيْلُـهُ جَوْهَـرُ
***
وأمَّا جان كمَيد فمن مواليد جونية (لبنان) بتاريخ 17 آب 1930. والدُه المحامي الشَّاعر فيليب الخوري كمَيد، والدتُه الشَّيخة روزا غالب الخازن، متزوِّجٌ من نوال فرج بجَّاني، من الكحَّالة، وله منها خمس بنات: روزي؛ جانين، نادين، شيرين، كلودين.
أنجز دروسَه الثانويَّة في معهد الرُّسُل (جونيه)، ومدرسة القدِّيس يوسف (عينطورة)، وانصرف بعد ذلك إلى دراسة الحقوق في جامعة القدِّيس يوسف (بيروت)، إذ كان أهله يرغبون في أن يتابعَ مسيرةَ والده المحامي ويرثَ مكتبَه المعروف. ولكنَّ نزعته الأدبيَّة كانت الأقوى لدَيه، لاسيَّما وأنَّه ترعرَعَ في أجواء الأدب والفِكر بين والده وزائريه من كبار الأدباء والمثقَّفين، لذلك ما إن دُعيَ لتولِّي رئاسة تحرير مجلّة “الرِّسالة” الأدبيَّة، وهو بَعدُ في الباكِر من العمر، حتَّى انصرفَ إليها مُطِلاًّ من خلالِها على لبنانَ والعالم العربيِّ بدراساته النَّقديَّة التي أحلَّته منزلةً رفيعةً في نظر الأوساط الأدبيَّة وعادت عليه بالتَّقدير، حتِّى أنَّه لُقِّبَ بـ “سانت بوف” العرب (Sainte-Beuve)، بالإشارة إلى النَّاقد الفرنسيِّ الشَّهير الَّذي عاشَ في القرن التَّاسعَ عشر.
بعد “الرِّسالة” ترأَّسَ تحرير مجلَّتَي “الرَّحمة” و”أصداء” الأدبيَّتَين، كما شاركَ في فترات متفاوتة بتحرير مجلاَّت “الصَّيَّاد” و”الإداريّ” و”الجندي اللّبنانيّ”، وجريدة “الشَّرق الأوسط” الصَّادرة في لندن، ثمّ غدا مديرًا مسؤولاً لمجلَّة “كسروان” ورئيسًا لتحرير “مجلَّة بلديَّة جونيه”.
شاركَ في تأسيس “مجلس كسروان الثّقافيّ”، وأصبحَ نائبًا لرئيسه؛ كما رأسَ جمعيَّة “أهل الفكر”. من قدامى أعضاء نقابة محرِّري الصِّحافة اللُّبنانيَّة، وعضو مجلس أمناء “ديوان أهل القلَم”، وعضو استشاريّ في “الملتقى الثَّقافيّ لتنُّورين وجبَيل”، ومن خلاله في “تجمُّع البيوتات الثَّقافيّة في لبنان”، وأيضًا عضو اللَّجنة التَّحكيميَّة لجائزة الأب الشَّهيد بطرس أبي عقل.
صدر له عن دار نعمان للثَّقافة، في العام 2010، مجلَّد “سياحات مع الشُّعراء والأدباء والفنَّانين”، وديوانٌ شِعريٌّ بعنوان “أضعتُه العُمر” (سلسلة “الثَّقافة بالمَجَّان”)؛ كما صدر له عن الدَّار عَينها، في العام التَّالي، مجلَّد “جولات في آفاق الفكر والأدب”.
وهو، في ديوانه الحاليّ، المُعَنوَن “أهِلَّةٌ وبُدور”، يَنشُرُ بَواكيرَه وما عقبَها من عطائه في عهد النُّضج والاكتِمال.
إلى هذا، لكمَيد أربعة كتب مترجَمَة في سلسلة “ماذا أعرف؟”، صدرت عن “المنشورات العربيّة”، هي: “النُّموّ الاقتصاديّ”، “اللاَّوَعي”، “الدِّيغوليّة”، “الثَّورة الرُّوسيَّة”.
عملَ في الحقل العامِّ محلِّلاً وخبيرًا لغويًّا في “مكتب الدُّروس والخطط” بقيادة الجيش، وهو المكتب المُعتَبَر “دماغ الجيش”، إذ كانت تصدرُ عنه الدِّراسات والتَّحليلات المُعَمَّقة في المواضيع العسكريَّة والإستراتيجيَّة والتِّقنيَّة والأمنيَّة، ثمَّ أصبحَ من أركان مديريَّة التَّوجيه الَّتي أوفدَته، في العام 1980، من ضمن بعثةٍ إلى ﭙـاريس للتَّخصُّص في تحرير المجلاَّت العسكريَّة، وبعدها انتقلَ إلى مكتب وزير الدِّفاع الوطنيّ، ثمَّ إلى مكتب قائد الجيش، كمسؤولٍ إعلاميّ.
آخرُ منصبٍ شغلَه في الوظيفة كان مستشارًا ثقافيًّا في المديريَّة العامَّة لرئاسة الجمهوريَّة – مكتب فخامة الرَّئيس.
يحملُ وسامَ الأرز الوطنيِّ من رتبة فارس، ووسامَ “العمل الإنسانيّ” من رتبة كومندور من “المنظَّمة الإنسانيَّة العالميَّة” في مدينة “ليل” بفرنسا. حائزٌ جائزةَ الشَّاعر سعيد عقل، وجائزةَ متري نعمان للدِّفاع عن اللُّغة العربيَّة وتطويرها، و”دِرعَ الثَّقافة” من وزارة الثَّقافة والتَّعليم العالي، ودِرعَ قيادة الجيش (مرَّتان)، ودِرعَ “اتِّحاد الصِّحافة اللُّبنانيَّة” (المؤلَّف من نقابتَي الصِّحافة والمُحرِّرين)، ودِرعَ المجلس البلديِّ لمدينة جونيه (مرَّتان)، ودِرعَ نادي “لا جوكونْد” الثَّقافيّ، مع الشَّارة الذَّهبيَّة للنَّادي، ودِرعَ “المُلتقى الثَّقافيّ في تنُّورين وجبَيل” (جائزة جورج طربيه وجورج بدوي للإبداع)، ودِرعَ مؤسَّسة “مبادرات للإنماء”، ودِرعَ جمعيَّة “أهل الفكر”، و”شهادةَ التَّكريم والاستِضافة” من “دار نعمان للثَّقافة” (جونيه) لدى تكريمها إيَّاه في “لقاء الأربعاء” (صالون ناجي نعمان الأدبيّ الثَّقافيّ)، وشهادةَ تكريمٍ من ضمن برنامج “أعلام من بلاد الأرز” (مؤسَّسة أنطوان فضُّول الثَّقافيَّة).
هذا، وأقيمَت له عدَّة حفلات تكريميَّة لِمناسبة نَيله هذه الأوسمة والجوائز والدُّروع.