منح رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الكاتب والروائي الكبير أمين معلوف وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر، في خلال احتفال أقيم في القصر الجمهوري في بعبدا تكريماً له، لافتاً إلى أن علاقات لبنان الثقافية مع فرنسا وأوروبا والعالم اتخذت، معه ومن خلاله، عمقاً واعياً إضافياً يجمع بين العقل والفكر والاختبار، كما يجمع بين الوحي والتقارب.
أعلن الرئيس سليمان عن طابع بريدي يصدر قريباً يحمل صورة معلوف تكريماً له ولعطاءاته. وإذ نوه ببقاء روابطه الأصيلة ثابتة وقوامها: الافتخار اللبناني بـ”إرث الحجارة”، فإنه أعرب عن أمله، في “أن ينهل كثيرون من عشاق اللغة الفرنسية ومن قراء فكر معلوف المترجم إلى لغاتهم، فيلتمسوا اندفاعته الحية من أجل توسيع مساحات الشهادة للحياة وللمحبة وللقيم، ويجعلوا منها مادة نقاش وحلقات توعية وإصغاء ودراسة، يدعمون من خلالها حفاظهم على ذواتهم وهوياتهم.
حضر الاحتفال الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: الإعلام وليد الداعوق، الثقافة غابي ليون،والبيئة ناظم الخوري، وعدد من الوزراء السابقين والسفراء العرب والأجانب والأمينة العامة الدائمة للأكاديمية الفرنسية السيدة الين كارير دانكوس، وحشد من الفعاليات الثقافية والإعلامية والأكاديمية، والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير وكبار المستشارين في الرئاسة.
كلمة الرئيس سليمان
في بداية الحفل، ألقى الرئيس سليمان كلمة بالفرنسية هنا نصها المترجم إلى العربية:
“السيدات والسادة
إنه لمن دواعي سروري العميق أن أرحب بكم في القصر الجمهوري لتكريم مفكر وشاهد ورمز، ما انفك يوماً عن الدفاع عن سلطة الكلمة وقيم الافكار.
أمين معلوف،
أن نستعرض حياتكم يعني أن نبرز وحدتها في تنوعها. فهي كانت دوماً مكرسة بالكامل للإصغاء إلى “عمق الكيان البشري”. إنها طريقتكم الخاصة بأن تكونوا كاتباً يثبت أن عالمنا متجذر في وفاء أصيل “للنفوس الحرّة والمتساوية”. ذلك أنّ الحياة المخطوطة بالكلمات عنوان آخر للحرية، بوجه كل أولئك الذين يكوّنون قناعات تعتمد على طرق مغايرة.
وها فعل إيمانكم أمامنا، يتلّخص بكلمة واحدة: التسامح. وهي ليست عقيدة ولا إيديولوجية ولا ديانة للذين لا يريدون الانتماء إلى اي ديانة، كما أنها ليست تنازلاً من الأقوى تجاه الآخر المختلف. إنّ التسامح، وفق رؤيتكم، هو فن العيش معاً والتزامٌ يواصل التعلّم والاختبار في قبول الاختلافات.
ولدتم في لبنان في 25 شباط 1949، في عائلة مربيّن، والتزمتم قيمها من خلال عملكم كمراسل صحفي في صحيفة “النهار”، غطيتّم أماكن اللهيب في عالمنا، من أثيوبيا إلى الموزامبيق، ومن إيران إلى الأرجنتين، ومن البلقان إلى المعركة الأخيرة في سايغون، سنوات قليلة قبل اندلاع الحروب في لبنان.
ومن بيروت المذبوحة إلى باريس الهانئة واصلتم عملكم الصحفي، وتحديداً في صحيفة Jeune Afrique حيث تسلّمتم رئاسة تحريرها وكنتم كاتب افتتاحياتها قبل أن تكرّسوا ذاتكم، انطلاقاً من العام 1984 لكتابة القصص والأبحاث ونصوص الأوبرا.
وفي العام 1993 توّجت جائزة “غونكور” الفرنسية الشهيرة كتابكم “صخرة طانيوس”، قبل أن تنالوا الجائزة الأوروبية للأبحاث على كتابكم “الهويات القاتلة” في العام 1998، وجائزة أمير أستوريا للأدب على مجمل أعمالكم في العام 2010. وحصلتم على شهادات دكتوراه فخرية من الجامعة الكاثوليكية في لوفان-بلجيكا، وجامعة تاراغونا في إسبانيا، وإيفورا في البرتغال، والجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن تضمّكم الأكاديمية الفرنسية إلى خالديها في 14 حزيران 2012 خلفاً للفيلسوف كلود ليفي-ستراوس.
“بعد قرقعة الطبول تأتي زقزقة اللغة!” هذا ما كتبتم، وأراكم من خلاله تتحدوّن على الدوام، بلهجتكم، سكينة قاعات الأكاديمية الفرنسية، مؤكّدين أنّ “هذه الزقزقة لا تأتيكم من لبنان، بل تعود اليكم”. وها إنّي أرى أجيالاً من اللبنانيين والفرنسييّن يأتون ويأتون ليصفّقوا لكم على هذه الحقيقة.
ذلك أنه بين لبنان وفرنسا ليس هناك من صدفة ولا من طرفة عين لمناسبة، ولكن قصة “عودة أبدية” على اسم رابطة محبة متجّذرة في مئات السنين ومنسوجة من قطع سماء صافية وقمم مشعة.
فحيث تفرض الحياة ذاتها وتدعو للنضال والتفكير والإيمان والشجاعة يكون لبنان وفرنسا معاً. وحيث تستوجب تحية “الجذور”، تكريماً وتقديراً، يكون لبنان وفرنسا معاً. وحيث ترتفع جدار بين العوالم الثقافية تؤكدون العزم على “سحقها والمساهمة في تدميرها”.
هذه “قناعتكم في الحياة وقناعتكم في الكتابة، حتى بتم أنتم ذاتكم قصصكم. فأنتم في آن معاً “ليون الافريقي” (1986)، و”سمرقند” (1987)، كما أنتم “أدريانا ماتر” (2006) و”إميلي” (2010). فأنتم هذه المعادلة اللبنانية المنسوجة بجراح ذاتية ومنفى اختياري حملتموه نحو آفاق فرنسا ومنها إلى أوروبا والعالم.
معكم ومن خلالكم اتخذت علاقاتنا الثقافية مع فرنسا وأوروبا والعالم عمقاً واعياً إضافياً يجمع بين العقل والفكر والاختبار، كما يجمع بين الوحي والتقارب، وقد استنار بالجوهري.
في هذه “الجغرافيا المتحركة” بقيت روابطكم الأصيلة ثابتة وقوامها: الافتخار اللبناني بـ”ارث الحجارة”. تلك الحجارة التي بنيتم عليها كتابكم “سلالم المشرق”، جاعلين منها أبداً مراجع ومصادر.
وها أنتم، مع مطلع الألفية الجديدة، تقترحون في كتابكم “تزعزع العالم” كيفية الخروج من المآزق والحقبات الصاخبة، معلنين في كتابكم “التائهون” حق العودة الذي يقنع به كل وطن ابناءه.
أن يشكل حضوركم وهج كرامة، فهذا مدعاة افتخار للبنان! وأن يقرأ لبنان من خلال كلمتكم عبق الذاكرة فهذا يسعده بشكل إضافي! وأن يعمّق من خلالكم رسالته بين شرق يبحث عن ذاته وغرب مزهو بذاته، فهذا يغدو خلقاً جديداً وفداء يبقى من خلاله لبنان وفياً لذاته في زمن الشك والألم والدماء الذي نعيشه.
إنها أفعال إيمان إضافية بالمستقبل! من خلالها لم تتخلّفوا، وأنتم الكاتب اللبناني باللغة الفرنسية الآتي بانتمائكم وتقاليدكم، عن توقيع النداء الذي يدعو لإيجاد “أدب عالمي” تنفتح من خلاله فرنسا والفرنكوفونية والأكاديمية الفرنسية أكثر فأكثر على شخصيات أصبحن منارات كأمثالكم.
السيدات والسادة،
“هنالك نوعان من القدر: القدر العامودي والقدر الأفقي”، هذا ما ذكرتموه في كتابكم “الهويات القاتلة”. لقد عرفت كلمتكم الموحّدة أن تجمع الطرفين معاً.
وها إنّ لبنان اليوم يحيي قيمة مساهمتكم.
ويطيب لي من خلال إصدار طابع بريدي يحمل صورتكم قريباً، ومن خلال منحكم وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر أن احييّكم وأقول لكم كم إنّ لبنان ينتظر أكثر فأكثر منكم.
فمن أجله، ايها الصديق أمين، انطلقوا إلى القمم!”.
ثم ألقى رئيس الجمهورية الكلمة الاتية باللغة العربية:
” أيها الحفل الكريم،
إنه لمن دواعي سروري العميق أن أرحب بكم في القصر الجمهوري لتكريم رمز حمل فكره شعلة من لبنان إلى آفاق العالم ليكبر بالتحدي ويبني عمارات له من فكر وعقل وقلب.
أمين معلوف، خلاصة وحدة في التنوع وشاهد فاعل في عصر خلق من حروف جمالا ومن انطباعات لبنانية مشرقية منارات من رموز وحضارة.
فبكثير من العناية، جعل أمين معلوف عبر رواياته وأبحاثه وحوارات الأوبرا التي وضعها شهادة لزمننا مفعمة بقيم الروح وفعل الحق. هو فعل إن لم يكن على تماس بالواقع فإنه يبقى نسج خيال.
لكن أمين معلوف شاء، بفعل إرادي، أن يؤكد أن وطننا وشرقنا وعالمنا بحاجة إلى إيمان فاعل به تفتح الأبواب والقلوب الموصدة، بفعل التسامح، على دروب الحياة والتضامن والإخاء.
حسبي أن ينهل كثيرون من عشاق اللغة الفرنسية ومن قراء فكر معلوف المترجم إلى لغاتهم، فيلتمسوا اندفاعته الحية من أجل توسيع مساحات الشهادة للحياة وللمحبة وللقيم فيجعلوا منها مادة نقاش وحلقات توعية واصغاء ودراسة، يدعمون من خلالها حفاظهم على ذواتهم وهوياتهم.
على اسم لبنان ومن أجل إعلاء هذا الاسم، يطيب لي، أيها الصديق أمين، أن اكرمكم اليوم من خلال طابع بريدي يحمل صورتكم ويصدر قريباً، ومن خلال منحكم وسام الارز الوطني من رتبة الوشاح الاكبر.
وفي ختام الكلمة، منح الرئيس سليمان الكاتب معلوف وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر.
كلمة معلوف
ثم ألقى الكاتب معلوف كلمة بالعربية هنا نصها:
“ألف شكر على هذه البادرة الكريمة التي أشعرتني بعمق الصلات التي تربطني بلبنان، وهي صلات لم تتأثر بمرور الزمن، كما يعلم الأهل والأصدقاء.
من ميزات لبنان أنه لا يتنكر لمغتربيه ولا ينساهم بل يعتز بهم، ومن ميزات مغتربينا أنهم لا يتنكرون لوطنهم الأول ولا يكفرون به، بل يعتزون به وبالقيم التي تأسس من أجلها.
الهاجس الدائم في كل ما أكتب هو الحلم اللبناني الذي لا بد أن يتحقق. هذا ما أؤمن به وسأظل أؤمن به حتى لو رأيت العالم سائراً في الاتجاه المعاكس. العالم لا يزال يبحث عن نموذج للعيش المشترك، وطموح اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، هو أن يقدموا لهذه المنطقة وللعالم أجمع النموذج الناجح الذي بدونه لا تقدم ولا سلم ولا مستقبل لأحد”.
ثم القى بالفرنسية كلمة هنا نصها المترجم:
“سيدي الرئيس،
اسمحوا لي أن اضم إلى فرحتي هذه الأكاديمية الفرنسية الممثلة في ما بيننا بشخص الأمينة العامة الدائمة السيدة ألين كارير دانكوس، ذلك أنها ومنذ اللحظة التي استقبلتني بها في قلب هذه المؤسسة العريقة، شعرت كم أن الرغبة جامحة في تكريم الوطن الذي انتمي إليه من خلال شخصي، وعلى الاخص، تكريم التنوع الذي يتميز به، والمكانة الرفيعة التي لطالما خصصها للغة الفرنسية، سواء في التعليم أو الحياة الاجتماعية والثقافية.
وأشكركم ختاما لأنكم جمعتم في هذا المكان العريق أولئك الأشخاص العزيزين على قلبي”.
كلام الصور
1- 2- 3- 4- مشاهد من الحفل في القصر الجمهوري