لم يكن امامهما غير هذا الشارع. وعباس الذي عشق امرأة مختلفة سلك دربها الملتبس. بعد بضع خطوات اخذه الضجر وهمس: هل الشارع كله لهذه الكائنات المسخ؟.
قالت أولچا وهي تنظر في عينيه وتضحك: الشارع والحي. هنا الموضة والاموال والبزنس. كل جديد في التكنولوجيا والالكترونيات يصل المدينة يظهر هنا أولا. قال متأففا: هنا؟
هزت رأسها ولم تتكلم من شدة الضجيج.
واذا ابتعدوا وهدأت الجلبة قالت وعيناها الخضراوان تضحكان: خفف من حنقك وامتعاضك. فلا يهمني أن يكون بالشارع لواطيين وسحاقيات، المهم أن اشعر فيه بالأمان. صعد بها الرصيف وضمها من خصرها الرفيع ولم يقل اي شيء.
كان ينظر امامه إلى مقهي يستغل الرصيف، وتناهي إلى سمعه ايحاءات الشذوذ ونداءاته الممقوتة. وكانت الساعة نحو الثانية بعد الظهر. وشمس المدينة المستحية ترسل ضوءا يخلو من الدفء. ينزل على وجوه هؤلاء فيحيلهم إلى جلادين وضحايا. وبينما يتوهم شخصا رآه ويسألها توقف عن الحركة.
-هو تيمو إذن؟
-نعم هو، وماذا في ذلك؟، هيا تحرك.
-انتظري، يعني الكلام صحيح
-نعم أخته تحضر حفلات جنس جماعي بطائرتها الخاصة وأمه أجرت إثني عشرة عملية تجميل في مؤخرتها لتبقي سيدة العالم الأولى. هيا تحرك كي لا نتأخر. لماذا توقفت ؟
-صورة، فقط صورة لإبن الممحونة
-المكان كله مراقب.
-فاهم، هذه أقرب كاميرا، تعاملي معها.
وفي دقيقة التقطا سبع صور ومضيا. كانا ذاهبان إلي معرض صديقهما روبير
في جاليري ميلودي. وحديث الجنس الذي انخرطا فيه لم يصل بعد إلى قاعه.
أولچا جميلة ورقيقة. وزنها لا يتجاوز الخمسين كيلوجراماً. والحرية التي تربت عليها تكفي ألفا من البشر. لم تجبر يوما علي فعل شيء. ولم تترك علما إلا وأخذت منه بنصيب. ومنذ تعرفت بعباس وهي في حال مراجعة لكل ما تعرف. إنها تحب مدرسته المختلفة. وتحاول في بعض الأحيان أن تقلده. ولما تفشل يحمر وجهها وتلمع عيناها وتقول: ليتني عرفتك وأنا صغيرة. في هذا الوقت يقترب بوجهه من وجهها وهو يضحك ويقول: ما أجمل عيون القطط.
هما الآن في نهاية الشارع ولم ينته الكلام في الجنس. ولما اقتربا من جاليري ميلودي كاد عباس أن يتقيأ. عيناه الضيقتان الساكنتان كانتا تراقبات حركات واحد من هؤلاء يقابلهم في الجهة الأخري للشارع. على وجهه أصباغ منفرة. وفي وجهة زرقة ودمامل. ومشيته اليائسة تحض على التشاؤم. ولما حازاهما ونظر إليهما وفي فيه علكة يلوكها قال عباس وهو يتألم: انظري كيف صنعت به حضارة المدينة؟ ثم جلس القرفصاء على الأرض .
أولچا أمدته ببرشام المعدة فابتلعه ونهض ينزلان درج الجاليري.