“بين السلطان والمقاطعجيين والعوام” للدكتور شربل داغر… ندوة في الحركة الثقافية- أنطلياس

logo harakaتحلّق حول كتاب الدكتور شربل داغر الجديد “بين الساطان والمقاطعجيين والعوام، الحراك والأفق” منتديان  في الحركة الثقافية-انطلياس  لمناقشته،  هما الدكتور نايل أبو شقرا والدكتور أنطوان ضومط، في حضور حشد من أهل الثقافة والأدب والإعلام.

 عرض الدكتور أبو شقرا للكتاب وقال:  “قسم الدكتور شربل داغر الكتاب إلى خمسة أبواب وسبعة عشر فصلا وخاتمة، نحاول في ما يلي أن نلم بمضامينها.

في الفصل الأول، أهالي تنورين في الليتورجيا، يقاربهم المؤلف منذ دخولهم الكيان المسيحي أو المعمودية إلى منحهم الروح القدس أو التثبيت ثم عرابي المعمودية، فمشروع بناء العائلة الذي يمر حكما في إشهار الزواج او المناداة.

ويحاول في الفصل الثاني أن يستخرج شجيرة في كل بيت تنوري، وقد انطلق من وثيقة المثبتين والمثبتات للسنة 1852 والتي تشير إلى نمو سكاني في تنورين.

ويعود في الفصل الثالث إلى خصوصيات بعض البيوتات التنورية، فيتعاطى مع أسماء الأفراد ذكوراً واناثاً، يستثمر مرآة عصام خليفة في فرز الأسماء فيتوافق معه على أن معظمها أسماء قديسين.

وفي الفصل الرابع، يحاكي الفصل الثالث لجهة تطور أسماء المولودين ذكوراً وإناثاً.

أما في الفصل الخامس، فلن نتطرق إلى تاريخ تنظيم دفتر مساحة تنورين الذي يحمل إشكالية قد تتبلور لاحقا، ولقد كان دفتر المساحة يقوم على ثلاث دعائم: المالك والملكية ودراهمها.

ويتناول الفصل السادس المطاحن في تنورين ودير حوب وطاحونة الرعيدية، حيث بلغ انتاجها 19 درهماً أواخر القرن التاسع عشر، وهو رقم انتاجي كبير. إلا أن المهم ما تلحظه الدراسة من دور للكنيسة في ضبط الاسعار لمواجهة الاحتكار.sharbal_1

وبالوصول إلى الفصل السابع، هناك أربع مسائل أثارتها الدراسة: الأولى وقفية مزرعة حوب، والثانية انتقال رهبان من بكاسين (قضاء جزين) إلى دير حوب، وهو ظاهرة لافتة، والثالثة حرص الرهبانية المارونية سنة 1753 و1757 على تضمين عقود الهبة أو الشراكة عبارة “لا نعارضهم في أمور دينهم وقوانينهم وأجرائهم وشركائهم”، والمسألة الرابعة هي الرقم المعين لمهاجري تنورين في التقديرات الإحصائية لسنة 1913، حيث حدد بـ 2000 مهاجر، في حين أن الإحصاء السكاني لأهالي تنورين سنة 1913 يوضح أن عدد السكان بلغ 5600 نسمة أي أن نسبة الهجرة بلغت 71، 35 % .

ويقدم الفصل الثامن قراءة موثقة للإنجاب، ويعطف مضامينه على الفصل الأول لا ليستدرك بل لينطلق من خلال عنصر مقارنة وفرته دراسة سوسيولوجية في كل من بلدتي الجوار والخنشاره في قضاء المتن.

وصيغ معظم الفصل التاسع على وقع المصادر التي تحدثت عن ابتكار نظام المتصرفية في الجبل والتداعيات التي نتجت عن الحراك الداخلي بعيداً عن ضغوط المرجعيات النافذة أو مشايخ العهدة.

أما الفصل العاشر، فيركز على التداعيات التي نتجت عن الحراك الداخلي الذي أسس لنظام المتصرفية من عاميتي أنطلياس ولحفد إلى ثورة الفلاحين وانعكاساتها السلبية على الاقطاع المسيحي، كظاهرة تحقير المشايخ وانهيار هيبة الدروز، وصولا إلى يوسف بك كرم وحضوره السياسي واختلاف المؤرخين حول سياسته.

وفي الفصل الحادي عشر، يغوص المؤلف أكثر فأكثر في أحداث الجبل، حيث يرصد وجوهاً أقرب إلى العامة ولكنها بيوتات أرستقراطية، تتجسد فيها أذرع الإقطاع في القائمقاميات.

ويضيء المؤلف في الفصل الثاني عشر على الموضوع التمثيلي، فلا حضور للعامة في تمثيل أهالي القضاء بوجود مشايخ العهدة الذي تراجع دورهم لصالح قوى صاعدة ربما كان معظمها من الفئة الميسورة.

ويتناول الفصل الثالث عشر الجهاز الإداري في المتصرفية. ويتحدث الفصل الرابع عشر عن بشاره الخوري الفقيه، ومعاناته في تعلم الفقه، ويمكن قراءة البعد السياسي في تحول بعض رموز مارونية إلى القضاء الذي يعتبر ورقة مهمة في سلطة الكنيسة المارونية.

ويعود المؤلف في الفصل الخامس عشر ليبحث في الشأن الكهنوتي، كهنة من تنورين أو خدام رعيتها، ويلفت إلى أن بيوتاً بعينها اختصت بالعمل الكهنوتي.

ويركز الفصل السادس عشر على تفقد الرعايا وأحوال الكنائس والمدرسة ملامح من شؤون العامة والخاصة”.

كلمة أنطوان ضومط

قال الدكتور أنطوان ضومط في مداخلته: “يعزو تونبي تطور المجتمعات إلى صراعات بين تيارات داخلية واخرى خارجية متعارضة معها، أو إلى تيارات داخلية قديمة وأخرى تتوق إلى الحداثة. فينتج عن هذا التفاعل التناقضي مسارات جديدة تكسر، على المدى القصير أو البعيد وتبعا لشدة الصراع، الجمود الاجتماعي والسياسي، وتفسح في المجال إلى بروز جديد ما تتحدد هويته وتأثيراته بتطور الأحداث.

على هذا تعرض الجبل اللبناني لعدد من التحولات في القرن التاسع عشر هزت بنيانه السياسي والاجتماعي والسكاني والاقتصادي والفكري، تأتت من صراع على مستويات متعددة بين الموروث والتحرر من التقليد، وتأثرت في آن بمستجدات داخلية وعوامل خارجية متعاقبة. أجد من المفيد الإشارة إليها من دون الغوص في التفاصيل تاركا للمحاضرين الكرام امر العناية به.

ويستوقفني في هذا المجال حدث انتقال الإمارة من المعنيين إلى الشهابيين في أواخر القرن السابع عشر 1697 لمساهمته الفعالة باحداث تحولات سياسية وإدارية واجتماعية واقتصادية في الجبل اللبناني. وقد اسماه جان شرف الميثاق الشهابي، لأنه تم خلافاً للتقليد الموروث؛ فبموجبه حصر الأعيان الإمارة بالبيت الشهابي، وقيدوا الأمير بضوابط بنيت على مبدأ الشورى في الحكم. فشكلوا بذلك مجلساً استشاريا غير رسمي، حاصر صلاحيات الأمير المطلقة. فاشترطوا عليه عدم تجنيد الأهلين إلا بعد موافقة الأعيان لأنهم هم وحدهم القيمون عليهم. وتعهد لهم الامير بشير الأول مقابل اعتلائه سدة الإمارة إلا يزيد الضريبة الا بمقدار … وألا يقتل أحداً من الأعيان. فصار الأمير، بموجب هذا الميثاق، أول بين متساويين. و”انتقل مجتمع الجبل من التعايش إلى الاجتماع السياسي الذي تمحور حول مفهوم السلطة وطرق ممارستها في المجتمع التعددي”. على حد تعبير جان شرف، بل بات المجتمع مركبا. وكان إخلال أي حاكم بمندرجات هذا الميثاق غير المكتوب يهدد استقرار الجبل على المستويات كافة، لا سيما الوضع الأمني”.

أضاف: “شكل موت الجزار سنة 1804 منعطفاً جديداً في مسار الجبل اللبناني، فاستعاد الأمير بشير الثاني توازنه، وشرع يبسط سلطاته على الأعيان ويسترد صلاحياته، مسقطًا من حسابه مندرجات الميثاق الشهابي. فما عاد الحكم شورى بين الأمير والأعيان، وصار المساس بصلاحياتهم الإقطاعية والإدارية كما قتل من يشكلون خطراً عليه مباحاً، ما أدى إلى تبدل تدريجي في التركيب الاجتماعي في الجبل لصالح العامة. وإلى ذلك، ساهمت عوامل كثيرة في هذا التحول لاسيما الاختلال الديمغرافي لصالح المسيحيين، وتأثيره على بعض الأمراء الدروز ممن تحول تباعاً إلى المسيحية.

وساهم خطا شريف كلخاناه وشريف همايون في تحول بنية مجتمع الجبل، فاعتراف العثمانيين بحقوق الملة سنة 1839، وبالمساواة بين المواطنين أمام القانون عام 1856. لم يستوعبهما غير المسيحيين في السلطنة العثمانية لا سيما في الجبل اللبناني. وبات إقرارهما مكسباً للمسيحيين وغرماً لغيرهم، وبالتالي عاملا صراعياً إضافيا.ً

وشكلت حملة ابراهيم باشا على بلاد الشام إحدى أهم التحولات التي عرفها مجتمع الإمارة اللبنانية، لأن المساواة بين المواطنين وخرق شروط الذمة على الأقل لجهة حمل السلاح والخدمة العسكرية سبقت عهد التنظيمات العثمانية. فلم يستثغ الدروز بل لم يستوعبوا انخراط المسيحيين في جيش الأمير بشير الثاني. واشتد قلقهم من الإخلال الديمغرافي لصالح المسيحيين أيضاً.

وأدت زيادة الضرائب وتكرارها في العام الواحد إلى نقمة الناس والأعيان على الحكم المصري والأمير بشير الثاني. وجاء تجريد الأهلين من السلاح ليزيد في الطين بلة. وأدت ثورات الدروز على الحكم المصري واضطرار الأمير إلى قتالهم بجيش من المسيحيين إلى الإخلال بثوابت التركيب الاجتماعي والسياسي. وزاد في الأمر سوءًا اقتصاص الأمير من الاعيان لصالح المؤسسات التي استحدثها ليتمكن من الحكم، فخسر الأعيان الكثير من مصالحهم، وانتعش وضع العامة نسبياً.

وأدت إشكاليات الضرائب إلى قيام العاميات التي تعتبر حدثاً قائما بذاته، يؤشر إلى اختلال في البنى الاجتماعية والسياسية. وهي تطورت تدريجا إلى ثورات ليس على الأمير والمصريين فحسب بل على الأعيان أيضاً، واستغلها الخارج ليزيد الوضع تأزيماً.

وبنفي الامير بشير الثالث انتهى الحكم الشهابي ونشأ حدث بالغ الاهمية تمثل باعتراف العثمانيين للمرة الاولى بحاكم مسيحي على جزء من الجبل “في القائمقامية المسيحية”. واهتزت البنى الاجتماعية والسياسية في الجبل، ونشأت المجالس، وصار للعامة دور بارز، ليزداد إبان الفتن الطائفية، مع بروز قادة جدد من خارج الأمراء والأعيان، عرفوا بالشباب، وشيوخ الشباب. وازداد هذا التطور في عهد المتصرفية، بحيث أدى النظام الإداري الجديد إلى خلخلة بنية نظام المقاطعجي. فصارت الأهمية للمجالس المنتخبة بدءاً من اسفل الهرم: المختار، مرورا بشيخ الصلح، والمندوبين، والقضاة، والمدراء، والحاكم، والقئمقام، بالتكامل مع نشوء الاقضية والنواحي”.

إن أهمية كتاب الدكتور شربل داغر ليست في دراسته للبنى المتعددة في الجبل وتبيان الحراك الاجتماعي على حساب التقليد الموروث المتمثل بالامراء والأعيان عامة فحسب، إنما بتطبيقه على البترون عموماً وإبرازه دور تنورين في هذا الحراك بالاعتماد على وثيقة جديدة. إن هذا النوع من الأبحاث والدراسات يزيدنا معرفة بماضينا، ويوضح الفروقات بين التنظير والتطبيق العملي. ويلغي الكثير من المقولات التي اجترها كثيرون من دون الغوص في العمق. وكان قسم التاريخ في كلية الآداب الفرع الثاني رائدا بدراسة التاريخ الاجتماعي والريفي، ولعل من ثماره اليانعة اطروحة الدكتور سيمون عبد المسيح”.

 كلام الصور 

الدكتور شربل داغر

اترك رد