الأول من يناير الأمازيغي وأسطورة العجوز ..؟

  
قصة يناير بناير أو جانفي أو ناير بحسب اختلاف اللهجات الأمازيغية والمغاربية في شمال أفريقيان هو أحد الشهور الأمازيغية، فهو الشهر الأول من السنة الأمازيغية، ويتزامن حلوله مع اليوم الثاني عشر من بداية السنة الميلادية.

والسنة الأمازيغية تبتدئ من سنة تسعمائة وخمسين قبل الميلاد، وبالتالي فان التقويم الأمازيغي يزيد تسعمائة وخمسين سنة عن التأريخ الميلادي، فمثلا توازي السنة الأمازيغية 2968 السنة 2029 الميلادية.  لقد ارتبط يناير بمعتقدات ضاربة في القدم، فمثلا يعتقد الأمازيغ أن من يحتفل بيناير سيحظى بسنة سعيدة وناجحة.

يعود بداية التقويم الأمازيغي الى سنة 950 قبل الميلاد، انتصرت إرادة الشعب الأمازيغي عندما نجح الملك الأمازيغي “شيشونك او شاشناق ” في معركة دارت وقائعها على ضفاف نهر النيل على الفراعنة، وبالتالي تولى الأمازيغ سدة الحكم في تلك المنطقة من{ ثامزغا}، والتأسيس لبداية عودة الإنسان الأمازيغي للمصالحة مع ذاته ومحيطه، وبناء تجربة سياسية تاريخية عرفت برقيها الحضاري وازدهار اقتصادي.

ويختلف شكل الاحتفال من قبيلة إلى أخرى، ومن بلد الى اخر ، أمازيغ مصر كانوا يحتفلون به على اساس سنة الخير الوفير، ويقسمون السنة الى ثلاث مراحل على اربعه اشهر، كل شهر له أهميته كالحصاد والزرع مثلا ، وحتى فيضان النيل له طقوسه وتبقى أربعة أيام لشكر الآلهة، والاحتفال بانتصار الإنسان على قوى الطبيعة القاسية.

أما في منطقة المغرب العربي فيقسمون السنة الى أربعة فصول ، كل فصل مرتبط بالأرض أي الزراعة، حيث تعتبر المنطقة خصبة وفيها ماء وفير وزراعة متنوعة، لان الإنسان القديم كانت علاقته مع الأرض علاقة وطيدة كونها هي مصدر رزقه، لذألك يحتفلون بحلول السنة الامازغية الأول من يناير الموافق 12 جانفي الميلادي.

ويعتبر التقويم الامازيقي أقدم تقويم عرفته البشرية، هذا دليل على حضارة وتطور الإنسان الامازيغي الذي استطاع ان يضع أسس الحياة من خلال هذا التقويم المهم، حيث عرفت منطقة المغرب العربي الكبير بالعديد من الإنجازات كالبنيان، حيث كان الامازيغ يعيشون في قصور مبنية من الحجر الطوب، وأيضا تطور المنهج الفلاحي في المنطقة. ومن بين هذه الأشياء التقليدية التي لاتزال ضاربة عبر الازمنة إلى يومنا هذا، ومن بين هذه العادات والتقاليد أكلات مختلفة ومتنوعة، من بينها أوركيمن والكسكس،{ تكربابين } إحدى الوجبات الهامة في ذلك الاحتفال.

وتجدر الإشارة إلى أن الكسكس وجبة عالمية أمازيغية الأصل، ذات اعتبار متميز لدى المغاربيين أمازيغ ومعربين، بل حتى إن المغاربة يتناولون الكسكس في يوم الجمعة باعتباره سببا للأجر وقربة الله.

 قصة العجوز

هناك أساطير عديدة تحكي قصة العجوز، وحسب المعتقدات الأمازيغية فقد استهانت امرأة عجوز بقوى الطبيعة فاغترت بنفسها، فسارت ترجع صمودها ضد الشتاء القاسي إلى قوتها ولم تشكر السماء، فغضب يناير فطلب من { فبراير} أن يقرضه يوما حتى يعاقب العجوز على جحودها، وإلى يومنا هذا يستحضر بعض الأمازيغ يوم العجوز ويعتبرون يومها يوم حيطة وحذر، ويفضل عدم الخروج للرعي خوفا من العواصف الشديدة…

وقصة أخرى تقول بان العجوز تحرص على أن لا يجوع أحد في بلدتها وإلا الرب سيغضب منهم،. وتمر في الليل وتتفقد كل الأطفال بأن لا أحد بقي جوعان .. ويحكى أن من أسس هذا التقويم الأمازيغي هو {الليوس القصير} في عهد الرومان، منذ سنة 2968 .. ومنذ ذلك الوقت بقيت سنة تقويمية للأمازيغ والاحتفال بهذه السنة من أجل سنة زراعية وافرة الخير، و من أجل موسم حصاد وافر .. وموسم القمر والشمس ، وهذه كلها ظواهر تدل على تطور الإنسان الامازيغي القديم الذي كان متطورا ، يحافظ على البيئة والحديث مع الحيوانات ويقول لها لا تخافي ، سيمر الشتاء بسلام بفضل الحب ..

وفي تقاليد الأمازيغ بالاحتفال بيناير حتى النملة والطير في الشجر لهما نصيب من الطعام حتى لا تجوع طيلة الشتاء. وتقوم نساء القرية بترك الطعام أمام غار النمل وفوق التلال رغم قساوة الطبيعة التي تتميز بها مناطق المغرب العربي الكبير، وهذه القصة يحتفل بها معظم دول البحر الأبيض المتوسط أيضاً ..

وتختلف الطقوس من منطقة إلى أخرى في الاحتفال بالمناسبة، وعند ”التوارڤ” في أقصى الصحراء ، يقوم أمازيغ الجنوب بإعداد سبعة أطباق من أصناف المأكولات احتفالا بالمناسبة التي تعد بالنسبة لهم بداية لعام جديد وكلهم أمل في تحسين الأوضاع وفتح أبواب الرزق. وفي منطقة تيزي وزو: يعتبر يناير عام الأمازيغ ولذلك يأملون أن يعود عليهم باليمن والبركات والعيش السعيد.

ومن بين عادات الناير إطعام الحشرات حتى لا تأكل الزرع، والامتناع عن الحياكة مع ضرورة الأكل حتى الشبع ليضمن الإنسان أن يشبع باقي السنة، كما تقوم بعض الأمهات في هذه المناسبة بإعداد وجبات خاصة للعائلة من مأكولات تقليدية قوامها اللحم والمكسرات التي توزع في أكياس على الأطفال.

وقصة أخرى تقول إن الاحتفال بيناير اقترن أساسا بالأسطورة الشهيرة التي تقول إن شهر ”يناير” قد طلب من شهر فبراير التخلي له عن أحد أيّامه بعد أن تحدّته عجوز شمطاء بالخروج مع عنزاتها الصغيرات لطهو طعامها خارج البيت في عزّ برده وصقيعه ، فما كان منه إلا أن قال لعمه فبراير ”يا عم فبراير أعرني ليلة ونهارًا، كي أقتل العجوز المتفوهة بالعار والتي أرادت أن تتحداني”. وكان له ذلك بتخلي فبراير عن يومين من عمره لصالح يناير الذي جمّد العجوز وعنزاتها، {ربما لذلك كل اربعة سنوات يأتي فبراير 29 يوما فقط}.

وإلى الآن يقول أجدادنا أنه توجد بمنطقة جرجرة صخرة تدعى ”صخرة العجوز والعنزات” حيث بالنظر إلى تلك الصخرة الضخمة يمكن ملاحظة عجوزا تحلب معزاتها، وبقربها بعض صغار الماعز.. إلا أن هذا حسب المختصين الجيولوجيين ”صدفة جيولوجية” لا غير مترتبة عن الطبيعة، ويتحدّث كثيرون عن ”خدعة في النظر” لنتوء صخري طبيعي.. بين هذا أو ذاك، وهكذا بقي الامازيغ يحتفلون بهذا اليوم المبارك ، وفق تقويمهم الخاص، سواءً صنعته سيوف ”شاشناق” أوحماقة عجوز تحبّ التزلج على الجليد! وللإشارة.

يقدر عدد سكان الأمازيغ بنحوعشرة ملايين نسمة، يتوزعون على شكل قبائل تضم تيزي وزو، الشاوية، الطوارق في الصحراء، الإباضيين بوادي ميزاب وسط الجزائر، إضافة إلى سكان جبل شنوة أو ما يعرف بالشلوح القاطنين غرب العاصمة.

ومن العادات أمازيغية في الجزائر أن العائلات لا يجب أن تتقشف في يناير، ولكل إنسان أو حيوان الحق في الأكل، ومحرم على كل الناس أن يبيت مخلوق جائع في ذلك اليوم .. تقول الأسطورة الجميلة إن العجوز تمر في الليل على كل البيوت وتراقب اذا أكل الأطفال ، ولا أحد ينام جائعاً حتى يأتيهم عامٌ وافرٌ بالخير..

وتقول الأسطورة أيضاً إن المثل الشعبي يقول {الذي في بطنه التبن لا يخاف من النار} ربما كان فهماً خاطئاً عند البعض، وهي تفسر أن من ينام شبعانَا في ليلة يناير لا تأكله النار ولا يغضب عنه الرب، هذا دليل أن الأمازيغ الاحرار كانوا يؤمنون بالله ..  وهذا دليل على شهامة وطيبة وكرم الأمازيغ …

 ومن العادات التي بقيت إلى حد الآن هي {التويزة } وتعني التضامن في ليلة رأس السنة حيث في كل قرية يقوم أهلها بذبح الماشية وتوزيعها بالتساوي على الفقراء والمحتاجين.

1يناير 2968 الموافق لـ11 جانفي

 

اترك رد