عبثا أحاول أن ألتقط أفكاري، وأنا أقف على منبر هذه الجامعة العريقة ، جامعة الكسليك، التي أرادت لنا أن نكون ها هنا، نرسم فواصل الزمن والوجع، حين نتذكر عالما علم، من أهل الفكر والقلم، هو الأديب الروائي ، والباحث الناقد ،والمؤرخ الباحث الدكتور جميل جبر ، الذي تربع على قمم المعرفة مأسورا بمسافة الحلم، والحرف الذي انبجست عنه نورانية حكمة، تجلت عباراتها في مسيرة أدبية مملوءة بالقيم، وسكينة العقل ، وقوة الحجة، والمنطق الذي ما ارتهن لمقام ،سوى العقل، الذي آمن به، ارتقاء متجددا نضرا، رسمه عشقا لوطنه لبنان.. وللكلمة الحرة .
جميل جبر، رحل غير مفارق، لأن نسائم يراعاته ما زالت تهب علينا ، تلفحنا بعبير مداده الثر، المتواصل مع عوالم الزمن الأدبي، المتحرك عبر مدارات العصور، مثقلا بلؤلؤات من نتاج هو الإرث الأدبي المعرفي المصفى، الذي منه نستقي تراويح العبارات الأدبية ، المخترقة مناخات الرؤى، بإشارات ضوئية.. أنارت تواريخ الحقب، التي عاشها الدكتور جميل جبر معلما وكاتبا وأديبا متبحرا في معارج الأدب، قاطفا من روائح الأبجدية مضامين الحب والسلام، التي أرساها ممالك معلقة، رفعت اسم لبنان إلى ذرا المجد، عبر نتاج .. هو إرث لا يجف ولا ينسى، جاعلا منه بيارق أمل، وبوح حب مزنر بالعقل ،الذي لا يسقط في ترهات الجهل ، بل يتماهى مع طقوس الحروف ، المعمدة بميرون الإبداع، وفيض الخواطر، وريان الكلام المعتلي مراكب الإبداع ، وريادة العصور، التي تستقطب إرث هذا الراحل الكبير جميل جبر، الكاشف والمكشوف .
الدكتور جميل جبر.. هو الكاشف اسرار لغة الضاد وحوليات العصور الأدبية، بمختلف رموزها، مسلطا الضوء على بعض من رجالاتها من أدباء وشعراء وفلاسفة، والمكشوف لنا، نحن مريدوه وقراؤه ومعاصروه ، بزخم غرف من بواطن العصور، مضامينها الأدبية المتنوعة ، بشموخ العارف والقادر المقتدر على رصد المهمات الصعبة، التي أنتجت معه جمعيات ومؤتمرات وإصدار موسوعات عن أعلام الأدب اللبناني المعاصر، ومعترك صحافة عرف كيف يرتفع بها إلى أعلى الأعلين، عبر دراسات وأبحاث موضوعية، جعلها منارة لحرية الرأي والفكر، وإعلاء شأو المثقف الإعلامي في بلد الإشعاع والنور …لبنان
فيا أيها الراحل الى رحاب الله، حاملا بيمينك صحائف الدهر، الذي تمرغ بالحسرات، التي سكنت قلبك وعقلك، حين كنت ترى الثقافة وناسها، نسيا منسيا في مسيرة الوطن، الذي حملته في قلبك .. لمعة مجد وعز .. مسور بأبهى الحلل.
عرفتك وتعلمت منك ، ألا يكون الصمت أبلغ الكلام ، فوق مراح الوطن المجلل بالعنفوان ونقاوة الضمير والعقل المتنور، حين الكلمة على فوهات يراعاتنا هي رصاصة الرحمة التي تصوب المسارات،حيث القلم كما السيف كلاهما في حومة الميدان فارس، والفارس لا يترجل عن صهوة جواده، إبان معركة الكرامة الوطنية، فكم وكم تمنيت أن أرى الراحل الدكتور جميل جبر وزيرا للثقافة في وطني لبنان، حين الثقافة لغة المحبطين الذين لا يكرمون إلا بعد الرحيل.
هنا علينا أن نسأل بلسان جميل جبر، رجل الوزنات الأدبية الثقيلة : لماذا يتجاهل المسؤول أهل الفكر والقلم من كتاب وأدباء وشعراء ورسامين وموسيقيين ومؤرخين وباحثين، ويضعهم في خانة الإهمال المتعمد ، حتى إذا ما أزفت الدعوة إلى العالم الآخر، هبت نسائم التقدير والحب والوفاء، لمن ملأ الدنيا وشغل الناس بعلمه ومعارفه الأدبية ، وها نحن نشهد على مسار من سبقوا، لهذا دعوني أقول : نعم يستحق التكريم.. من نتذكره اليوم ككبير من علماء الفكر في لبنان، تراوح نتاجه بين إطلالات أدبية مغمسة بوجع الادهار، وبالماء الزمزمي ، الذي ما زلنا نرتوي من عمق عباراته المجللة بإسلوبه السهل الممتنع، وجمالية السبك النثري ، البليغ في مضمونه.. فشكرا لجامعة الكسليك .. لعائلته..لزوجته التي واكبت مسيرته بصبر الفنانة التشكيلية السيدة جاكلين جبر ..
***
(*) ألقيت في ندوة تكريمية للدكتور دجميل جبر في جامعة الروح القدس الكسليك في 11 يناير 2018.