في مغارة المِعْزَى

 

[صورة حياتية ريفيّة باللغة الفلسطينيّة]

(إهداء إلى الشّاعر الأديب الصّديق أحمد طه المحترم)

الرّاعْيِه السَّمْرَا
اللي كانتْ سارْحَةْ
 بْعنزاتْها،

وْمَرْقَتْ عليّ  البارحةْ
وْهِيْ الدّنيا تندفْ ثلجْ
عَ الجبلْ وِالمرجْ
قُلْتِلْهَا : تَعي !
***
وْما بين لأ وآ وْلَمِّنْها أجَتْ
فاتَتْ معي عَ مْغارْة المعزَى
اللي في عِرْق الجبلْ ،
وْصُرْت هيكي بْلا وعي
أَفِجّ بيدي النّار
يللي مْعَسْعِسِه بكوم القَصَلْ ،
وَانزلْ عَ رِكْبِه ونُص نايِخْ عَ الوَطَا
وانْفُخْ على الجَمْرات
نَفْخ بْلا وعي !
***
وِالرّاعْيِةْ وْهِيْ مادِّةْ دَيَّاتْها
تْفَرْفِكْهِنْ من البرد وِتْوَحْوِح :
” أحّو يا بَرْدي “
وِالدّفا يْقُلْلا معي :
لا تِطْلَعي بَرّا المغارَه بْتِصْقَعِي !
***
وْصُرْنا على نار القَصَلْ
بِمْغارْة المعزى اللي في عِرْق الجبلْ
نِقْزَعْ قشاقيش الحَطَب لِمْبَلَّلِه
وْننفخْ عليها هي وأنا ،
وِالمغارَه لَسَمَاهَا مْعَسِقْدِةْ ،
وْدُخّانها يُعْزُقْ كأنْها موقَدِةْ ،
وِعْيونْنا يْسِحُّوا دَمِعْ عَ خْدودْنا ،
وْنِشوِي بهالبلّوط تا نشوفو اسْتَوَى
وِنْصير نِتْنَقْرَشْ سَوَا
وْنِحكي حكايا للغِوَى ،
وْنرجس الوادي يميل عا ميل الهَوَى
ومع كل ميلِةْ يْقول للغابِةْ : اسْمَعِي !
***
وْظلّينا طول نهارْنا
وِالدّنيا ريح وثلجْ
وِقْطيطَة تِكْفِت لَتَحِتْ ع أالمرجْ
غيم وندى ،
وْنِحْنا نغَنِّي للغِوَى
وْفيجن الوادي يميل عا ميل الهَوَى
وْمع كلّ مَيْلِةْ يْقول للرّيح:اخْشَعِي !
***
وْلَمِّنْها شمس الكون غَطْسَتْ
وِالمسا ظَبّ الرّمَسْ
وْظَبّنا من تحت جِنْحَانُو الغَلَسْ ،
شحرورة الخَلِّةْ،
خَنْسَتْ بشي مَلِّةْ،
وْشَهْقَتْ قَبِلْ ما تباتْ
أرْبَعْ خَمِسْ شَهْقَاتْ ،
***
وِالرّاعيِةْ من خوف ييجي الليل
وْيِطْلَعْ طويل الذّيلْ
والذّيابِةْ تْمَلِّي هَالغابِةْ
قامتْ ولمّتْ حالها
وِبْخاطْرَك ..!
***
ألله مَعِكْ .. !
وِتْحوحي لعنزاتها :
“حو حو حو حو “..
***
وْعنزاتْها شَلْعَةْ
مْدَقّرِه تِرْعَى ،
وْلَمِّن ما هيكي
مِنْ وَرَاهَا سَرَّبُوا
وْصوب المَشَاتي غَرَّبُوا
مِشْيَت الذّيل الذّيل
وْهِيْ عَ كْتافْها
وِالدِّنيا تندفْ ثلْج
رَاشِّةْ مْشَمَّعِي ..
***
وفي باب لِمْغاره
لَمِّن الرّاعيِةْ أبْعَدَتْ
ظَلّيت واقفْ صافِن بْحالي
كيف راحَتْ؟ صافِن بْحالي
وْأسْمَعْ صَدَى الوادي
عَ الرّاعيةْ يْنادي
وِيقول إلها بْزاتها
وهي مْسرّبِةْ بْعَنْزَاتها:
وِكْ وين رُحْتِي؟
وين يا حلوِه ؟
وين إنتي ؟
شو مَعِكْ ؟
إنتي أنا؟ وِكْ وين رُحْتي؟
شو معي ؟!
***
وْلَمِّن مَ حَدِّش رَدّ
رِجْع الصّدَى ثاني
يْنادي بِلْساني :يا نجمِه !
يللي من ورا الغيمِه اطْلَعي !
***
وْقُولي لَهَالبنت الحنونِه الرّاعْيِةْ
وِكْ وين رحتي ؟ إرْجَعِي !
كل يوم عَ الميعاد زاتو إرْجَعِي
في البَرْد يا بنت ارجعي
نارِكْ معي بتهبّ وِبْتِطْفِي معي
***
في الشّرْد يا بنت ارجعي
بِتْبوردي بِتْشَبِّعيني بْتِشْبَعي
في الضّوّ في العتمِه ارجعي
مع رفّة جفوني ،
مع رمشة عيوني ،
مع لمس ديّاتي ،
مع همْس حسْراتي ،
مع نفس ريّاتي ،
مع ” أوف ” ناياتي ،
مع حزن ألحاني ،
مع نبض شرياني ،
مع غيم وِجْداني ،
وِكْ أرجعي !وك إرجعي !
يا ريتْ بُكْرَا تِرْجَعِي!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مادّة ديّاتها : مادّة يديها.عَسْعَسَت النّار : بدأت تشتعل ببطء مصحوب بدخان .

القَصَل : أعقاب القشّ *.الوَطَا ( الوطاة ) : الأرض .القشاقيش : الأعواد الدّقيقة من  الحطب. معسقدة : كثيفة الدّخَان . *يعزق : ينبعث باندفاع .نتنقرش : نأكل للتسلية.قطيطة (غطيطة) : ضباب .فيجن : نبتة لها رائحة ساطعة ، يرشّ ورقها على الزّيتون الأسمر المكبوس لتطييب نكهته.*ظبّ الرَّمَس : وقت امتداد الظلام غبّ غروب الشّمس .تحوحي لعنزاتها : تناديها وتنتهرها حو حو.

مدقّرة ترعى : من غريب ما رواه لي أبو معروف وهو راع 70 سنة طقّ العَصَا أن المِعْزَى الجبليّة تشعر سَلَفًا بالأيام الماطرة القادمة ( أيام اللزْبات أو الزَّرْبات) وبأنّ الرّاعي لن يخرج بها إلى المرعى في الغد لشدّة المطر لذا فهي تدقّر في الأرض جادّة في رعي العشب وورق الشّجر والقشّ لملء بطونها ليومين وأكثر .

اترك رد