حقق فريق من الباحثين إكتشافا علميا تاريخيا جديدا يضاف الى سجل الابحاث عن حركة السكان والهجرات الانسانية في حوض البحر المتوسط ما بين القرن الخامس والقرن الثالث قبل المسيح، بقيادة البروفسور بيار زلوعة الباحث في العلوم الوراثية في كلية جيلبير وروز ماري شاغوري للطب في الجامعة اللبنانية الاميركية (LAU)، والبروفسور ليزا ماتيسو سميث في جامعة اواتاغوا في نيوزيلند اللذين قادا فريقا درس الحمض النووي الذي يعود الى اربعة مواقع فينيقية موزعة بين سردينيا (ايطاليا) ولبنان. وعالج الباحثان خلال عملهما الحمض النووي المتوارث من الامهات الى اولادهن بهدف جمع اكبر قدر ممكن من المؤشرات والدلائل عن سلالة الفينيقيين.
وعرضت مجلة PLOS ONE العلمية والتي تصدر في الولايات المتحدة الاميركية وتحظى بالاحترام والتقدير في الاوساط الاكاديمية، نتائج الابحاث واشارت الى اهمية ما توصل إليه الفريق لجهة الدور الايجابي الذي قام به الفينيقيون في الحضارة الانسانية من خلال تعزيز التفاعل بين الشعوب ونشر حضارتهم وثقافة التعددية والاختلاط في المجتمعات التي تواصلوا معها من دون الاحتكام الى العنف والحروب.
وكان فريق زلوعة قد استهل العمل على مشروع الحمض النووي قبل 12 عاما، وحقق الكثير من المعطيات والنتائج لكن الامكانات الحديثة المتوفرة اتاحت الوصول الى المزيد من النتائج الدقيقة خصوصا لجهة التعامل مع البقايا القديمة، ما وفر الكثير من المعطيات لدرس بقايا رفات الفينيقيين الموجودة في المدافن الفينيقية في لبنان وسردينيا (والتي تعتبر من اكبر المدافن الفينيقية في العالم).
وشرح البروفسور زلوعة ان الفريق فوجئ بعدة امور، منها انه كان يتوقع اكتشاف بقايا شرق اوسطية للفينيقيين في مدافن سردينيا، فإذ به يفاجئ ببصمات جينية اوروبية فينيقية مختلطة في المدافن عينها، اضافة الى توفر البصمات الشرق اوسطية بقيت في جينات سكان سردينيا الايطاليين الحاليين في موازاة اكتشاف بصمات جينية اوروبية في مدافن فينيقية في لبنان ولا زالت موجودة في سكان لبنان الحاليين. لكن الاهم كان اكتشاف بصمات جينية في المدافن الفينيقية في سردينيا يعود اصلها الى سكان الجزر وسائر المستوطنات الفينيقية في باقي القارة الاوروبية وشمال افريقيا.
يتبنى البروفسور زلوعة في خلاصة ابحاثه فكرة اساسية فحواها ان الفينيقيين لم يكونوا مستعمرين وغزاة للمناطق التي دخلوها وتعاملوا معها، بل مستوطنين وحاملي رسالة سلام واختلاط ايجابي وتجارة واستكشاف، وتفاعل خلاق بين الشعوب بدليل هذا الانتشار الواسع لسلالتهم والانصهار والزواج الامر الذي ما كان ليتحقق بالسيف.
وأشاد البروفسور زلوعة بالدعم الذي توفره الجامعة اللبنانية الاميركية (LAU) للابحاث العلمية عموما ولفريق الابحاث في كلية جيلبير وروز ماري شاغوري للطب في الجامعة، واعتبر ان هذا الدعم ليس غريبا عن تراث الجامعة وينسجم مع رسالتها كمركز للابحاث الاكاديمية الرصينة في مجالات العلوم والابحاث ما يصب في خدمة المجتمع في نهاية المطاف.