إشراقات أدبية

المشهد الثقافي ….في الجزائر ..؟  والصراع بين جيلين مختلفين ..؟

   

الثقافة والادب هما المعيار الحقيقي لمعرفة الوجه الاخر للشعوب، حيث تعكس مدى وعي المفكرين والادباء من خلال ما يبدعون وما يهتمون بالأدب وتثقيف المجتمع ،وتعتبر من أهم مقاييس التحضر لدى الأمم ، وهو موروثها الأدبي  الذي   يعكس الوجه الحضاري للامة ، فالأدب هو الصورة لما في داخل العقل والنفس من فكر ولواعج , وهذا الفكر واللواعج هي انعكاس لتفاعلات الحياة الثقافية والعلمية والإنسانية التي يعيشها الأديب، لذلك أرى أن الاهتمام بالأدب والثقافة من أولويات التي يجب ان تركز عليها الجهات المعنية.

لو تأملنا في المشهد الادبي والثقافي في الجزائر خلال السنوات الماضية القليلة، وخلال ما طبع من كتب تتراكم   في الرفوف ، وتتزاحم عليها دور لنشر، والحصاد الثقافي الذي كان هزيلا وهشا نتيجة غياب مشروع ثقافي محض تسنده سياسة ثقافية وطنية محصنة بنشر أفكار جديدة،  ومنهاج لبناء المشهد الثقافي مشهداَ يشرف الاديب والمفكر ، وما يطمح اليه من فتح مجالات عدة لتسهيل ايصال الفكرة للقارئ ، حسب رأيي لم يحقق لحد الآن تحولا إيجابيا ملموسا يفضي إلى خلق بيئة ثقافية راقية ومتطورة يمكن لها أن تلعب دوراً فعالا وفاعلا يؤسس للحضور القوي لهذا القطاع، { رغم الكم الهائل من الكتب التي تطبع سنويا في غياب نورعا ما التميز }.

وهذا لا يكمن في انعدام الكفاءات والمواهب في الثقافة والفنون بمختلف أنواعها، بل المشكل الذي يطرح نفسه بقوة هو أن أغلب هذه الكفاءات موجودة لكنها مبعدة  مهمشة أو لم يبحث عنها من طرف نقاد يتقنون الاختيار الصحيح ، أوالهيمنة والسيطرة الكاملة  على المشهد الثقافي  والاعلامي  من طرف  بعض الادباء الذين اسسوا لانفسهم امبراطورية المبدعين  رغم  انه تم  اكتشاف انهم ليس  لهم الكفاءة لقيادة المشهد الادبي ، بينما  هناك  اقلام  شابة تولد  بقوة في الخفاء ، وهذه الاقلام التي  تعتبر النهضة الجديدة لتأسيس الرواية الجزائرية الحديثة المتميزة ، حتى في مجالات الشعر والقصة ، و أأوهذا راجع لغياب مشروع وطني واضح وأيضا غياب آليات التنفيذ الجاد والمستمر لكل ما يخطط له في قطاع الثقافة.

كلما عين وزيرا جديدا على قطاع الثقافة يسعى إلى إعطاء نظرة جديدة للقطاع دون جدوى، وهذا في مختلف ميادين الثقافة، كمثال حل مشكلة الطبع بالنسبة للوزارة ، حيث يعاني العديد من الادباء الشباب من التهميش ومنهم من لهم كتب تحت الطبع في الوزارة المعنية وهي مركونة في ادراج المؤسسات لم تطبع لحد الان ، بينما الاولوية لبعض الكتاب الكبار فقط ، هذا يعني ان الكاتب والمثقف يعاني التهميش والبيروقراطية التي اثقلت كاهل المبدع الذي يعاني من مدخول مادي يؤهله لطبع اعماله على حسابه نظرا لغلاء النشر من طرف الناشرين الخواص ..

وهناك مشكل يعاني منه المبدع هو عدم الاهتمام بالعباقرة وفتح لهم فضاء ثقافي لإظهار قدراتهم الابداعية حتى تنصفهم المؤسسات المعنية قبل أن تنصفهم المؤسسات الثقافية عبر العالم العربي ، من خلال مسابقات أدبية وفكرية، ومنهم الكثير من يتحصلون كل سنة على جوائز قيمة، وهنا نجد وزارة الثقافة تنتظر فقط متى يفوز أديب جزائري بجائزة خارج الوطن فتنتبه اليه وتكرمه ، بينما هناك العديد من الادباء قدموا الكثير للمشهد الثقافي داخل الوطن لكنهم مهمشون الى أقصى درجة ، حتى المسابقات التي تنظمها الوزارة أو حتى بعض الولايات في ملتقيات أدبية يكون فيها تحيز لأدباء معيين وكأنها صنعت من أجلهم ، وهذا التصرف طبعا يثقل كاهل المثقف والاديب بصفة عامة ..

لو قيمنا المشهد الادبي والثقافي للسنوات الاخيرة ،  لا نجد محطات أدبية مهمة، ماعدا المعرض الدولي للكتاب الذي حفظ ماء وجه هذا الميدان ، نجده هو المتنفس الوحيد لجمع أكبر عدد ممكن من الادباء والكتاب والمفكرين من كل المستويات، يجتمعون في فضاء المعرض من أجل التحاور والتنافس على بيع اعمالهم الابداعية بالإهداء ، حيث يحضر كل سنة عدد كبير  الروائيين والكتاب الجزائريين من داخل وخارج الوطن، وتعذر على بعض الأدباء الأجانب الحضور بسبب قلة الميزانية الممنوحة لمحافظة المهرجان التي لم تسمح بدعوة أكبر الأسماء، وكذا تطوير صناعة الكتاب في الجزائر رغم تنظيمها كل سنة، وخارج المعرض نجد ركود تام للنشاطات الابداعية في الجزائر …

وفي مجال السينما عرفت الساحة السينمائية تنظيم عدة مهرجانات خاصة بالفن السابع التي شهدتها عدة ولايات من الوطن منها مهرجان الفيلم العربي بوهران، مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة… إلخ، لكن هذه التظاهرات السينمائية لم تسمح لقطاع السينما في الجزائر ببلوغ مستوى عال كما هو الشأن بالنسبة للدول الصانعة للسينما، خاصة وأن الدولة الجزائرية بما في ذلك وزارة الثقافة لم تصل بعد إلى تحقيق رؤية نموذجية لهذا القطاع (السينما)، بدليل أن أغلب الأعمال السينمائية المشاركة في المهرجانات السينمائية التي تحتضنها بلادنا من إنجاز سينمائيين جزائريين مقيمين بديار الغربة، بمعنى أن الوزارة تمول المهرجانات السينمائية أكثر من تفكيرها في تمويل الأفلام والأعمال السينمائية لدفع عجلة هذا المجال إلى الأمام ، في غياب النص الجيد لإنتاج الفيلم حيث نجد عزوفاً تاماً  عن البحث في الكتب الادبية والتاريخية من اجل استخراج نصوص مهمة ،أو مفارقة كبيرة تحدث بين المبدع والاديب والمخرج السينمائي، لذلك تراجعت القيمة الابداعية للسينما في الجزائر ، مقارنة بفترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي .

 

اترك رد