الماضي المقدس .. وأوجاع اللحظة

المكوث في الذاكرة للبحث عن أغنية قديمة تذكرنا بالحنين لقصص الأمس فترانا نقلب الصور وشريط الذكريات .. نسرح فيها طيلة الوقت..

تأخذنا بعيدا لأزمان غائرة فيها مواجع وأفراح وقصص..  نستحضر الأحباب والخصوم والمواقف.. فنلبث في سياحة دائمة في أسفار وتواريخ وأناس بقوا معنا ورحل القسم الآخر منهم.. طالما هناك فسحة للخلوة أو أية مناسبة تتاح لنا  لابد من توظيفها للتجوال في الماضي ونسرح معها دون كلل ..

استحضار اللحظة الفائتة غدت هي الغبطة التي لا مفر منها والوسيلة الوحيدة لكي تشعر بانك انسان لديك حضور وكيان على حساب اللحظة الزمنية الراهنة التي تعصر القلب وتشعر فيها بان لاوجود لك فيها ..

لحظة لا تفصح عن فرح وأمل ودينامية .. لحظة جامدة هامدة لا تنم عن حياة .. الأحداث فيها متسارعة يكتنفها الضجيج والزعيق والأخبار العاجلة والفضائح عنوانها ..

الكثير منهم  يأتي ويمضي ويتسيد أو يفقد سيادته على المشهد الحياتي اللحظي .. لكن كل ذلك لا يغدو عبثا حياتيا وتأريخيا لا يستحق أن يعلق في الذاكرة وليس له حيزا ومكانا من اهتماماتنا رغم قسوته علينا .. ولا يمكن أن يحوز على الذاكرة المتقدة بجماليات الماضي وعنفوانه وايقاعه ودويه وصخبه والمهيمن على مقاليد الفكر والوجدان ، لا يمكن أن تزحزحه اللحظة المشوه هويتها وكنهها ..

الماضي واللحظة الآنية في غربة واغتراب .. هكذا نحن نقدس الماضي ونعيش فيه ونبحر معه بكل تناقضاته ومآسيه ومسراته .. نقبله بديلا عن ارهاصات وأوجاع اللحظة وقسوتها  لا أملا أو ترجيا لمنفعة أو مكسبا حياتيا من حاضر معتم قاتم بل لأن الانسان  ينشد انسانيته ووجوده وكيانه الضائعين في وسط هذا الفقدان والتشوه الحضاري والثقافي ..

ما الحياة الا سمفونية ذات ايقاع ديناميكي مختلف فيه القرار والجواب .. متناغمين فيه حلم وأمل ومنغصات وأحداث .. فيه نبض يشير الى دفء الحياة وبردها..  مطرها ويبابها .. خصبها وشحها .. شجنها وفرحها .. لا يمكن أن يتقبل الانسان حياة هامدة قرار بلا جواب .. صخب دون هدوء وسكينة..  استلاب دون عطاء .. ليل بلا نهار .. عتمة بلا شمس .

اترك رد