الشعر وأنسنة العالم

 

تبحث الدراسة عن دور الشعر في أنسنة العالم. ففي كل الآداب والفنون الرّاقية دعوة إلى إنسانية الإنسان أمام تزايد مآسي الحملات اللاإنسانية. وتأتي مفاهيم الأنسنة في مقدّمة أهداف الشعر. ليس معنى هذا أن الشعر باستطاعته تغيير العالم، لكن باستطاعته تغيير رؤيتنا وتعميق فهمنا لهذا العالم. فدور الشعر يتمثل في إيقاظه للضمير الإنساني لكي يمنح لحياتنا معنى وِفق هذا الأفق الإنساني. وزمننا يقتضي التساؤل حول إمكانية أنسنةٍ جديدةٍ للعالم تُنقذ البشرية من دوّامة العنصرية والطّائفية والتّعصّب. فالعلاقات الإنسانية تُبعد شبح الحرب وتنتصر على الفكر الديني المتشدّد، لأنها تسعى إلى بناء مجتمع متكامل في كل الحضارات والثقافات. ونحن نعيش في زمن تسوده قيَم لاشعرية، زمن انهيار القِيَم الإنسانية، بعد أن أُلصقت صفة الإرهاب بالإسلام، وسقطت معظم الدّول العربية في الحروب الأهلية، وتفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

وجاء التفكير في موضوع “الشعر وأنسنة العالم” بعد خلاصة تجربة طويلة في الإيغال والتنقيب في دراسة الشعر ومغامرة البحث عن أسرار القصيدة، وتحفيزاً لما لقيت دراساتنا في النقد الشعري من اهتمام في أوساط المهتمّين بالموضوع. وأخص بالذكر كتاب “الشعر المنثور والتحديث الشعري” وكتاب “الكتابة والأجناس. شعرية الانفتاح في الشعر العربي الحديث”، في تناولنا لمواضيع أثارت الكثير من الجدل في الشعر العربي الحديث والمعاصر. إلا أننا لم نتطرّق بعمق إلى العون الذي يقدمه الشعر للإنسان. فجاءت هذه الدراسة احتفاء بما أغفلنا عنه، لِما للشعر من دور في أنسنة العالم والتواصل الحضاري بين الشعوب والأمم لتأثيره الكبير على الروح الإنسانية.

د. حورية الخمليشي مع الأديب الجزائري واسيني الأعرج خلال توقيع كتابها الجديد “الشعر وأنسنة العالم” في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 2017.

وسنحاول النّظر من داخل الشعر للوقوف على معانيه السامية التي ترمي إلى الانفتاح على ثقافات وحضارات مجتمعات متباينة لنتعرّف على فاعلية الشعر وأهميته في الحياة الإنسانية. وقد واجه الشعر عبر تاريخه أعظم الحروب التي عرفتها البشرية، وترك الشعراء رسائل لأجيال قادمة. وهي رسائل تمجّد لغة الحوار والتواصل بين الشعوب والحضارات وخلق فضاءات الحرّية والجمال. فتخطى الشعر الحدود الجغرافية ليمتزج بالأفق الكوني للإنسانية.

د. حورية الخمليشي مع الرئيس فؤاد السنيورة خلال توقيع كتابها الجديد “الشعر وأنسنة العالم” في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 2017.

إن العودة إلى رونق الشعر في حياتنا الثّقافية عودة إلى الأدب الرّاقي وعودة إلى مشروع التحديث الذي لعب فيه الشعر دوراً بارزاً في معرفتنا بالكون وبالحياة وبالوجود، في زمن تعلو فيه درجة الانغلاق والجهل أكثر من الانفتاح بسبب التّطرّف، والإرهاب، وانتشار العنف، وفتاوى التكفير. والشعر يخترق كل الثقافات والحضارات، وهو تنوير تدريجي لتاريخ البشرية. ولا تكتمل رسالة الشعر التنويرية إلا بمدّ الجسور مع روائع الشعر العالمي الإنساني.

****

(*) مختصر من مقدمة كتاب “الشعر وأنسنة العالم” الصادر حديثاً  للدكتورة حورية الخمليشي (منشورات ضفاف ومنشورات الاختلاف).

د. حورية الخمليشي مع صاحب “منشورات ضفاف “بشار شبارو والأديب واسيني الأعرج خلال توقيع كتابها الجديد “الشعر وأنسنة العالم” في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 2017. 

 

اترك رد