قد تبدو لك هذه المصطلحات غريبة لانها من اختراعي الشخصي وقد ابدلها لاحقا ان رأيت ما يعبر عن المعنى بطريقة افضل..
الكتابة عن الداخل
هي ما يفعله كثير من الادباء حينما يعبرون عن انفسهم ومشاعرهم الذاتية عبر الخواطر والقصائد والسيرة الذاتية.. ميزة هذه الكتابة انها شخصية ذاتية مبعثرة ومتفرقة.. لا تحتوي على اي منهجية او روابط او تسلسل.. وقد تحمل الكثير من التناقضات مع التقدم في العمر وتقلبات المزاج.. فتارة تكون يائسا متشاءما وطورا تكون في اسعد حالاتك وتطير من الفرح..
الكتابة عن الخارج
وهي تفترض وجود حقيقة في مكان ما خارج ادراكك وانت تحاول جاهدا ان تجمعها.. ولكن هذه الحقيقة لا تنتقل اليك دفعة واحدة انما كقطع احجية “بازل” تركبها.. في البدء تتجمع القطع السهلة.. تلك الموجودة على اطراف اللوحة ومن ثم تتعقد الامور حينما تحصل على القطع القابلة للتركيب في اكثر من مكان واكثر من طريقة وتتعقد اكثر حينما تحصل على قطعة لا مكان لها من الاعراب بنظرك حتى الآن.. قطعة في الوسط تماما ولا يوجد لديك بعد اي قطع تجاورها.. فتتركها عندك على الهامش حتى يحين دورها.. وكم ستكون سعيدا حينما تكتشف يوما الجسر الذي يربطها بلوحتك غير المكتملة.
اهمية الكتابة عن الخارج
من منا لا يبحث عن حقيقة ما؟؟ بعضنا يبحث عن الحقيقة الكبرى والاسئلة المصيرية وبعضنا يبحث عن حقائق فرعية في علم من العلوم المعروفة.. وفي كل الاحوال لا ارى منهجا ناجعا الا الكتابة.. او التدوين ان شئت.. تخيل مثلا انك تلعب جولة شطرنج.. كيف لك ان تعيد جولتك وتحللها ان لم تسجل النقلات؟؟ وان استطعت ان تحفظ الجولة في ذاكرتك فإلى اي مدى تستطيع ذلك وكم جولة ستستوعب؟ لا بد لك في النهاية ان شئت ان تتقدم لكشف اغوار الحقيقة ان تكتب ما توصلت اليه.. وتراجع ما كتبت مرارا وتعرضه على نفسك وعلى الآخرين محاولا البحث عن الثغرات فيه كي تحاول سدها.. ومستخدما الافكار التي حصلت عليها كطعم يجذب افكارا شبيهة تمدك بمزيد من قطع الاحجية للوحة البازل التي تحاول تركيبها..
الكتابة عن الداخل و “علقت الاسطوانة”
ان كنت من جيل سبعينيات القرن الماضي فلا بد وانك تتذكر تعبير “علقت الاسطوانة”.. رغم ان الاسطوانة كانت يومها في آخر عهدها الا ان التعبير ظل حيا لفترة طويلة بعد وفاتها.. في احيان كثيرة كانت ابرة الاسطوانة التي تحوي الاغنية تعلق في مكان معين فتعيده وتكرره مرارا وتكرار حتى يضيق السامع ذرعا بهذا التكرار وللاسف هذا ما يصيبنا احيانا حينما نستمع للكتابة عن الداخل لشخص ما يعيد ويكرر نفس الموضوع بأساليب مختلفة.. بالنسبة للكاتب يشكل هذا التكرار خبزا يوميا لا يمل منه وعطرا عابقا بالحب والسعادة.. وقد ينطبق هذا الإحساس على المقربين او من يعيشون الحالة ولكن اغلب الناس لا تستطيع احتمال التكرار لذا من الواجب دوما تمرير معلومات جديدة في اي خاطرة ذاتية برأيي.. هذا الدمج والمزج بين الداخل والخارج هو اساس النجاح..
حينما يتقنع الداخل بشكل الخارج
ان كانت الاسطوانة المعلقة في حالة الكتابة عن الداخل مشكلة فهي مشكلة مستعصية اكثر في حالة الكتابة عن الخارج.. تخيل شخصا يكرر كل يوم وصفا لنفس الحقيقة (غالبا السياسية) .. فكل يوم يركز على مدح فلان وسب علتان.. ما الفائدة التي يقدمها؟؟ ما هو الجديد الذي نتعلمه منه؟؟ انه كمن امسك قطعة بازل من الاحجية وقضى كل وقته يقلبها بين يديه ويرينا اياها من زوايا مختلفة.. لا بد ان يصرخ فيه الناس يوما ما: لقد مللنا هذه المعزوفة المملة المكررة.. انها نفس القطعة نراها كل يوم.. نريد منك ان ترينا قطعة اخرى.. على ان اهم ما في الموضوع هو ان هذه القطعة ليست من الأحجية اصلا.. انها كتابة عن الداخل مقنعة بشكل الخارج.. بمعنى ان الكاتب حينما يركز على موضوع معين يكون في الحقيقة يصف نفسه لا حقائق العالم السياسي.. مثله كمن يشكر السياسي فلان ويضع اسمه في الاسفل بالبنط العريض.. هل هدفه مدح السياسي فعلا ام التسويق لنفسه؟؟
تبادل القطع خلال الكتابة من الخارج
من منا يتذكر ايام مسلسل سندباد؟؟ مرة قامت احدى شركات العصير بتوزيع دفاتر فيها اطارات لصور فارغة يجب ان نلصق عليها صورا نحصل عليها من عبوات العصير، ومن يكمل الدفتر يستبدله بجائزة.. طبيعي في هذه الحال ان يحصل كل شخص على صور مكررة فيبادلها مع رفاقه ليحصل على صور لم يحز عليها بعد.. هذا ما ينبغي ان تقوم الكتابة عن الخارج عليه.. تبادل للافكار يسمح لك باكمال البازل كلها وتذكر دوما ان ليس عليك البدء من الصفر واعادة اختراع العجلات.. لا معنى للانانية في حفظ الافكار لأنك حينما تحتفظ فيها لنفسك ستخسر ولن تحصل على الصورة الكاملة يوما..
عالم بلا كتابة
هل لك ان تتخيل عالما لا يوجد فيه كتابة.. انه عالم ليس فيه علم ولا فن ولا تاريخ ولا تطور ولا فكر.. عالم يعيد انتاج نفسه كل عصر ويكرر نفسه بشكل ممل.. فالخيار لك اذ بين ان تكون متفرجا على عملية بناء العالم او مساهما فيها.. والمساهمة لا يمكن ان تكون الا بكتابة وتدوين الافكار وتجميعها.. ولك ان تختار الشكل الذي تحبذه لحفظ افكارك ونقلها للآخرين.. حينما تدرك هذه الحقيقة تصبح الكتابة بالنسبة لك واجبا ومن ثم تتحول لفعل لا ارادي كالتنفس.. ويصبح القلم رئة تتنفس بها والحبر دما يسري في العروق.. هكذا هي الكتابة بالنسبة لي.. حين اتوقف عنها سأموت ولو بقي جسدي حيا..