حذرت في مقال سابق، من خطر الوقوع في فخ جديد من الأفخاخ التي تفننت الحركة الصهيونية في نصبها لنا ونحن نعالج تداعيات قرار الرئيس الأمريكي، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس،، والتي تكرر سقوطنا فيها، والمكاسب التي حصدتها الصهيونية جراء ذلك، وفي هذا المقال سأتحدث عن أخطر الأفخاخ الصهيونية، أعني به فخ السلام، الذي مر على وقوعنا فيه أكثر من ربع قرن، منذ انعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
إن القراءة المتأنية لنتائج وقوعنا في فخ السلام ستكشف أى فخ نصب لنا، ونحن نلهث وراء سراب السلام مع محتل أرضنا فلا نجده، وستكشف أيضاً أن الهدف الرئيس للعدو من مشاركته في لعبة السلام هو كسب الوقت لترسيخ وجوده، وتعظيم مكاسبه والأدلة على هذه الحقيقة أكثر من أن تحصى وإليكم بعضها:
لقد كان الهدف الرئيس للكيان الصهيوني خلال العقود الأولى، التي تلت قيامه هو الحصول على اعتراف عربي وفلسطيني به، وقد حققت له عملية السلام ذلك بسهولة ويسر، وبدون أى مقابل،خاصة بعد اتفاقية أوسلو عام 1993،فبموجب هذه الاتفاقية التزمت منظمة التحرير الفلسطينية “بحق دولة اسرائيل في العيش في سلام وأمن”.. كما التزمت بتعديل ميثاقها الوطني ليتماشى مع هذه الإتفاقية، وبموجب هذه الاتفاقية وجه رئيس منظمة التحرير رسالة إلى وزير خارجية النرويج، أكد فيها أنه سيضمن بياناته العلنية موقفاً لمنظمة التحرير، تدعو فيه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الاشتراك في الخطوات المؤدية إلى تطبيع الحياة ورفض العنف والإرهاب.
ما سلف بعض المكاسب التي حققها العدو من اتفاقية أوسلو، مقابل أن تفضي المفاوضات إلى بحث القضايا المتبقية وهي ” القدس ، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون بين الجيران” علماً بأن هذه القضايا التي اعتبرت متبقية، تشكل لب الصراع مع المشروع الصهيوني الذي اعترفنا به دون مقابل، وإلا من يقول لنا، ماذا تحقق من قضايا الوضع النهائي بعد ربع قرن على اتفاقية أوسلو التي نصت على فترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات للوصول إلى تسوية دائمة ،وهاقد مر أكثر من عشرين عاماً على الموعد النهائي للمحادثات النهائية دون أن تُعقد، بينما ظل العدو طيلة ربع القرن الذي مضى يمارس لعبة شراء الوقت، التي يحقق منها المزيد من المكاسب.
كما وفرت الإتفاقية للعدو احتلالاً غير مكلف، بل وأمنت له مظلة أمنية، بفعل التنسيق الأمني الذي يضيق الأنفاس على أبناء فلسطين في كل مكان.
كما استثمر العدو المفاوضات لشراء الوقت وتحويل هذه المفاوضات إلى سبب رئيس للانقسامات على الصعيدين الوطني والقومي، وهي الانقسامات التي أوهنت النسيج الوطني،وأنهت العمل العربي المشترك، وكانت مدخلاً للكثير من الصراعات التي أوصلت وطننا العربي إلى ماهو عليه من حالة مزرية من الضعف والانقسام.
كذلك استثمر العدو وقت المفاوضات، لترسيخ مفهوم السلام كخيار عربي وحيد، والمفاوضات كطريق وحيد للتعامل مع المحتل الإسرائيلي، وتم انهاء كل أشكال المقاومة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وهكذا تم تجريد المفاوض العربي من كل أوراق الضغط على المفاوض الإسرائيلي، وهي حالة فريدة في التعامل مع المحتل، فقد قرأنا في تجارب الشعوب أن الإحتلال لا ينتهي إلا بتزاوج المفاوضات مع العمل المقاوم العسكري والسياسي والإقتصادي والثقافي.
كما استثمر العدو المفاوضات لالكسر عزلة اسرائيل فقط، بل لتحويلها الى لاعب رئيس في المنطقة، ومحور من محاور الاستقطاب فيها، خاصة بعد أن تم استبدال العداء لإسرائيل بعداء عربي عربي،أو عربي إسلامي تجلى في الصراعات المذهبية التي تغرق المنطقة.
وبعد فلقد انطلقت مسيرة السلام تحت مفهوم أن 99% من أوراق حل قضية فلسطين هي بيد أمريكا مما أفقد قضية فلسطين الكثير من الأصدقاء والحلفاء، الذين كان يمكن أن يشكلوا داعماً مسانداً للمفاوض العربي، يحد من غلو الانحياز الأمريكي لإسرائيل، والذي جاء قرار الرئيس الأمريكي بنقل سفارة بلاده إلى القدس كحلقة متقدمة من حلقات هذا الغلو، وهو القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي مقتنعاً بأن ردة فعل العرب والمسلمين ستكون أنية، لا تعدو كونها زوبعة في فنجان، لن تستمر إلا فترة قصيرة محدودة ثم تنتهي، وينسى العرب كعادتهم، وتعود الأشياء إلى طبيعتها، مما يؤكد أن الحركة الصهيوينة تراهن بصورة دائمة على عنصر الوقت وتبرع في شرائه، من هنا أهمية أن نستثمر غضب أبناء الأمة في كل أماكن تواجدهم من قرار ترامب، لنحول هذا الغضب الى استراتيجية عمل تحرم العدو من قدرته على شراء الوقت فنقلب الطاولة على توقعاته، ونحول مخططاته إلى أضغاث أحلام.
****
(*) جريدة الرأي الأربعاء 2017/12/20.