جبران والمحبة الإنسانية

تتجلى صوفية جبران وعشقه لعالم الحبّ والمحبّة في قوله في “الحب”:  

إذا أوْمَأ الحبُّ إليكم فاتبعوه، وإن كان وَعِرَ المسالك، زلقَ المنحدر. وإذا بَسَطَ عليكم جناحيْه فأسْلموا له القِياد، وإن جرحكم سيفُه المستور بين قَوادِمه. وإذا حَدَّثكم فصَدِّقوه، وإن كان لصوته أن يَعْصِفَ بأحلامكم كما تعصفُ ريح الشَّمال بالبُسْتان.

وقد تفوّق جبران في تصوير المشاعر والأحاسيس الإنسانية التي يتجاوب معها القرّاء، ما جعل منه أديباً ينتمي إلى كلّ البشرية. وهو يتمتّع بشعبية كبيرة وخاصة في أمريكا والصّين. وهذا الحس الإنساني لجبران لا يتمثّل في شعره فحسب، بل يتمثّل في كل أعماله الأدبية وفي كل رسوماته وأعماله الفنية.

ففي قصيدة “المواكب” نجد تأملاً للحياة الإنسانية، وفيها يدعو إلى أسمى معاني الحب والجمال. بما فيها العودة إلى عالم الطبيعة بعيداً عن عالم المادّيات المزيّفة. ويبقى كتاب “النبي” و”الأرواح المتمرّدة” و”الأجنحة المتكسّرة” من ضمن أعماله الخالدة في سجلّ تاريخ الأدب العربي وغير العربي.

وكتاب “النبي” هو أكثر كتب جبران شهرة. فقد كتبه بعد خمس سنوات على نهاية الحرب العالمية الأولى، وما تركته من دمار في نفوس الناس. وفي هذا الكتاب يقدّم خلاصة تجربته الإنسانية. وقد ألّفه جبران باللغة الإنجليزية وتُرجِم إلى لغات عالمية متعدّدة بعد أن جلب اهتمام النّاس. وقد جمع فيه عصارة أفكاره الفلسفية ونظرته لأسرار الحياة والموت. فتحدث عن العاطفة والجمال والحرية والصداقة والمحبة والزواج والأبناء والفرح. واهتمّ كذلك بآلام الفلاّحين والبسطاء معلناً ثورته على التّقاليد البالية.

جبران خليل جبران

لذلك سمّاه الأمريكيون ب”إنجيل العصر”. ففيه تعمّق جبران في المشترك بين الإنسان وأخيه الإنسان. وقد تأثّر جبران في هذا الكتاب بنيتشه وزرادشت من حيث القالب، إلا أنه أغدق عليه الكثير من خياله حسب ميخائيل نعيمة.

ففي كتاب “النبي” كل ما يتعلّق بالإنسان في الحزن والفرح والعدالة والحرّية والصّداقة والعقاب. وقد خصّ للمحبّة الإنسانية مساحة شاسعة. يقول جبران في “الحب”:

فالحبُّ لا يُعطي إلا ذاته، ولا يأخذ إلاّ من ذاته.

والحبُّ لا يَمْلِك، ولا يَمْلِكه أحد؛

فالحبُّ حسبُه أنه الحبُّ.

إذا أحببت، فلا تقلْ: “لقد وَسعَ قلبي الله”.

بل قلْ: “وَسعَني قلبُ الله”.

ولا تَظُنَّن أنك قادر على توجيه مَسْرى الحبِّ؛

فإنما الحبُّ يَقودك إن وجدك خليقاً به.

لوحة بريشة جبران خليل جبران

اترك رد