التفرد وعصر الذكاء الاصطناعي

كنا قد تناولنا سابقا موضوع تفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري فرفض كثير من القراء هذه الفرضية لأن العقل البشري هو من اخترع الذكاء الاصطناعي فكيف يتفوق عليه؟؟ مع ذلك فإن هذه الفرضية والتي تسمى بالتفرد هي فرضية مهمة تتناولها الاوساط العلمية بجدية فلنحاول تفسيرها وشرحها قبل رفضها او قبولها. فلنبدأ بالتعريف.

ما هو التفرد؟

التفرد هو فرضية أن الذكاء الاصطناعي الخارق سوف  يؤدي إلى تغيّرات لا يمكن التنبؤ بها أو فهمها في الحضارة الإنسانية. وفقاً لهذه الفرضية، فإن البرنامج الذكي القابل للتطور سيدخل في تفاعل ذاتي يؤدي إلى دورات متواصلة من التحسين الذاتي. كل دورة ينشأ عنها جيل جديد أكثر تطوراً من السابق وأكثر سرعة في تطوير ذاته. مما يتسبب في انفجار ذكائي ونشوء ذكاء خارق يفوق بكثير كل الذكاء البشري مجتمعا. أول استخدام لمصطلح “التفرد” في سياق تكنولوجي جاء في عام 1958 من قبل جون فون نيومان ويتوقع العلماء أن يحدث التفرد في عام 2045 تقريبا.

مفهوم البرمجة الذاتية

المميز في موضوع الذكاء الاصطناعي انه سيكون قادرا يوما ما على التفاعل الذاتي وتطوير نفسه اي استبدال الاجزاء القديمة من برمجته بأجزاء اكثر تطورا.. وهذه خاصية غير موجودة في اي عنصر اصطناعي آخر.. مثلا لا يوجد طائرة تصنع طائرات ولا غسالة تصنع غسالات.. فقط في حالة الذكاء الاصطناعي هناك آمال مبررة ان يستطيع الروبوت ان يطور نفسه وكما نعرف رياضيا في هذه الحال ممكن ندخل في متوالية هندسية تطور الذكاء بشكل غير مسبوق.

قانون مور

هو القانون الذي ابتكره غوردون مور أحد مؤسسي إنتل عام 1965حين لاحظ أن عدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف تقريبا كل عامين. وهذا معناه ان التطور التكنولوجي في سرعة الحواسيب رهيب جدا وبالتالي القدرة على الحسابات اسرع واقوى وكذلك القدرة على حفظ المعلومات واسترجاعها.. بينما يبقى مستوى الذكاء البشري على حاله.. في الثمانينات تحدى كاسباروف الكمبيوتر في الشطرنج وفاز عليه بسهولة كبيرة ليعود ديب بلو في التسعينات ويفوز عليه وهذا يعود بشكل كبير لسرعة هذا الكمبيوتر الذي كان قادرا على احتساب ملايين النقلات في الثانية.

آلية انقراض انواع معينة من الذكاء

في الحقيقة الحاسوب يقوم بكثير من الاعمال الذكية مع ذلك نصر دائما على اعتباره مغفلا ومجرد منفذ للمعلومات.. وذلك لوجود آلية ردة فعل نفسية طبيعية تحذف كل نشاط يقدر ان يقوم به الكمبيوتر من انشطة الذكاء.. اقدم مثال على ذلك هو العمليات الحسابية فقد كانت تعتبر دليلا مهما على الذكاء وكانت وظيفة المحاسب (الذي يقوم بالعمليات الحسابية) وظيفة مهمة لها معاش مرتفع.. وبمجرد اختراع الحواسيب والآلات الحاسبة حذف هذا النشاط من انشطة الذكاء.. الأمر ينسحب على كثير من الأمور المعاصرة فبعد فوز ديب بلو على الشطرنج فقدت هذه اللعبة اهميتها كمعيار للدلالة على الابداع وسببت صدمة كبيرة لمن كان يظن ان الذكاء البشري وفكرة التضحية بحجر لكسب الجولة عصية على الحواسيب.. كذلك ممكن نقول الامر نفسه بخصوص العاب الثقافة العامة خاصة بعد فوز الكمبيوتر ببطولة الجيوباردي مع ان الاسئلة لم تكن سهلة على الفهم.

هل باستطاعتنا الوصول لدرجة الذكاء البشري؟

نعم يقول العلماء.. واكبر دليل عندهم هو الواقع.. ما دام البشر وصلوا الى هذا المستوى من التفكير عبر عمليات كيميائية فمن الممكن اذن تقليد الذكاء البشري. ونقول هذا لأن العلماء كما نعرف لم يعودوا يؤمنون بالمذهب الحيوي (vitalism) الذي ينص على وجود قوى حيوية تجرك الاجسام العضوية فما هو العائق اذن؟ هناك عائق نفسي سبق وذكرته: كيف للبرنامج ان يكون اذكى ممن اخترعه؟ والجواب عليه ممكن من ارض الواقع ايضا.. برنامج الشطرنج اذكى من مخترعه في هذه اللعبة.. (مع اعترافنا ان شطرنج الذكاء الاصطناعي ليس بذكاء ابداعي) اما العامل الثاني فهو عامل حقيقي وليس نفسيا الا وهو ان الذكاء البشري معقد جدا ونحن لا نعرف بالضبط آلية الذاكرة وآلية استرجاع المعلومات والتفكير.. ولكن الجواب عليه سهل جدا.. انك تفترض اننا كي نخترع طائرة علينا ان نبنيها من الريش وهذا غير صحيح.. نحن نراقب الطيور ونتعلم كيف ترتفع عن الارض علميا وندرس تركيبة الاجنحة وشكلها الخارجي ولكن لسنا بحاجة لاعادة استنساخ الطير بنفس التفاصيل الطبيعية.. وبالمثل الذكاء الاصطناعي لا يقلد طريقة تفكير البشر ابدا.. فعملية تفكير الانسان بالشطرنج معقدة جدا وتتطلب الكثير من الخيال والابداع اما الكمبيوتر فهو يعيد انتاج الذكاء عبر خوارزمية سهلة للغاية تمر على شجرة الاحتمالات كلها.. وقس على ذلك عملية الترجمة وتأليف الموسيقى..

الخلاصة

1- التفرد ممكن لطبيعة الذكاء الاصطناعي باعادة برمجة نفسه وتطويره

2- كل نشاط يقوم به الذكاء الاصطناعي يخرج نفسيا عادة من انشطة الذكاء المعتمدة ولكنه يبقى نوعا من الذكاء.

3- قانون مور يؤكد انه بمجرد تجاوز الذكاء الاصطناعي الانسان في نشاط معين فهو قادر على التفوق عليه باشواط في السنين المقبلة.

4- الخوازرمية التي يحاكي بها الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري او يتفوق عليه فيها ابسط بكثير من طريقة تفكيرنا.

5- ان لم نكن نؤمن بالمذهب الحيوي سيكون من الممكن اعادة انتاج ذكاء اصطناعي يوازي الذكاء البشري لأنه سبق وانجز على الارض بوسائل كيميائية.

اترك رد