في متناولي كتاب نشيد فوق الغمام، يضم آخر مجموعة شعرية للأديبة الكبيرة الدكتورة سلوى آل خليل الأمين الصادرة حديثًا عن دار الف للنشر، والتي لا يمكن الوقوف عندها وتقدير قيمتها الأدبية، إن لم نضعها في مكانها من مؤلفات الأمين الجمّة، وهي: ترانيم من بقايا الصمت 2003، قطوف من ليل الواحات نصوص أدبية، الطبعة الأولى عام 2004، ومن الأهمية الإشارة إلى أن هذا الكتاب نال الجائزة الأولى في معرض الكتاب الذي أقامه النادي الثقافي العربي عام 2004. وهمس المحابر أبحاث ونصوص أدبية، في التحليل والنقد – الطبعة الأولى عام 2007، وقد نال الجائزة الثانية في معرض الكتاب الذي أقامه النادي الثقافي العربي عام 2007.
ويلاحظ أنه بين صدور الجزء الأول من كتاب ديوان أهل القلم، والجزء الثاني نحو عشر سنوات. وهي حقبة لها امتدادها الزمني، ولها كذلك تقييمها في عمر الفكر، وإذا قلنا بأن ما ذكرناه حتى الآن من قطوف حدائق الدكتورة سلوى آل الخليل الأمين، ليس كل ما أغنت به المكتبة العربية، فقد تجاوزت من عمرها الفكري إلى مزيد من الحصاد الذي يعجز كبار المؤلفين. ونحن إذ نحيط بما لم نذكر من مؤلفاتها، حتى الآن، ونشير إلى ما هو وارد تحت الطبع، لا نبالغ بأنّ هذا في مجموعه يضعها في عداد المرتبة الاولى من كبار كتاب النهضة الفكرية الأخيرة فهي لا تقل عدداً ولا كمّا في آثارها ولذا أشير إلى مؤلفاتها التالية التي لم نذكرها برهاناً على جلال ما سجلت في تاريخ هؤلاء الكبار من عمارة الفكر- والذي نريد ذكره، نعدده كما يلي:
أحاديث الأربعاء في الزمن الصعب ، وهي جزءان من قبيل الأدب السياسي، وقد نشرت أسبوعياً في جريدة البعث السورية منذ العام 2003 حتى العام 2009 الطبعة الأولى. ويبقى الحب هو العنوان من مجموعة ديوانها الشعرية الطبعة الأولى 2017 .
نشيد فوق الغمام من المجموعة نفسها والطبعة الأولى صدرت في خلال الشهر الجاري، ونردف بكتابين تحت الطبع، يضم الأول مقالاتها السياسية الأسبوعية في الصحف اللبنانية والعربية، ويضم الثاني كتاب يدور حول الصناعة السياحية في لبنان .
ديوانها الأخير
وما تقدّم من إنجازات الدكتورة سلوى آل الخليل الأمين، إنما كان تمهيداً للكلام على ديوانها الأخير نشيد فوق الغمام، ويفهم من هذا العنوان أنه إشارة إلى الديوان الجديد الذي كان في اعتقادي من وحي رحلتها إلى الولايات المتحدة والتأملات التي خالجتها، وهي تحلق فوق الغمام، في طريقها إلى أميركا لزيارة أنجالها المقيمين هناك بباعث من اختصاصاتهم العلمية، وفيهم المهندس مهنّد، والدكتور مصطفى، والمهندسة رشا، والأستاذة الجامعية رُبى، والجامعية كندة اختصاص الإخراج. وهي تقول في فاتحة هذا الديوان: يا لأوراقي … الحمراء، المسافرة على جناح يمامة إلى الغد المسجون… تشتهي حرية العبور، من ساح إلى ساح ومن ضفة إلى ضفة، تحمل رسائل الغرام… نشيداً يلهو فوق طيّات الغمام…
في هذا الديوان، بل في فاتحته ثورة على الطغيان وجبروت الجلاّدين: يا قيصر المدن، المفتون بدم الأطفال، تعال… نسبح في أعماق الأساطير القديمة، نطل على ليالي الموت وحكايات مدينة لا تهاب الحزن المبلول بعذابات النفوس، ولا تكترث لمرارة الفراق، والدم النازف من أجساد راقصت أرواحها عصافير جنة وحوريات السماء.
مثل هذه العبارات، صرخة غضب، وثورة تنهال على رؤوس جبابرة ترتوي من دماء الأبرياء، لا تجيد إلا بناء الرموس والقبور لتواري ضحاياها لتخفي معالم جرائمها، في ظلمات السجون، ووراء قضبان الحديد، وتحتفل بأعراس جبروتها فوق الجثث والأشلاء. هكذا بالأسلوب الصارخ من أعماق الدهور المظلمة يستعرض ضحاياه المتناثرة في أرجاء المعمور، يوقّع بأقدامه أناشيد الموت وهو يزغرد بكبرياء، دونما حياء فوق ركام من جماجم ضحاياه.
وبمثل هذه الطقوس تنادي الشاعرة الطغاة وتسألهم هل يسمعون أنين الفقراء، وتأوهات الصدور ومن صرخاتها التي تشق عنان السماء، قولها: يا قيصر المدن، المفتون بدم الأطفال، تعال… نسبح في أعماق الأساطير القديمة، تطلّ على ليالي الموت، وحكايات مدينة لا تهاب الحزن المبلول بعذابات النفوس، ولا تكترث لمرارة الفراق، والدم النازف من الأجساد.
غيض من فيض
وهي كما تندّد بفرسان الجحيم، وطغيان شياطين الأبالسة، هكذا ترسل حجارة منجنيقها فوق هامات شعوب غافلة في عتمة الدياجير، حيث نهر الدماء النازفة من الضحايا لا ينضب أواره، ولا يتوقف مجراه- كأن تقول: يا أنت، يا بن القبيلة الضاربة في عمق الصحراء كيف نزعت محارات … اللؤلؤ من أعماق اليمّ ، ورميته مناجم الياقوت بالغضب المجنون ، والنار ، والرماد…؟
هذه الأسطر المرسلة من حنايا الشاعرة والتي تجابه جرائم الجامحين، الذين يرسلون شياطين الموت والدمار في أرجاء المعمور، غير آبهين برسالات السماء، وأناشيد الملائكة ، إنما هي غيض من فيض، هي شذَرات من أتون الثورة، وانتفاضة القلوب الدامية، والجراحات النازفة.
إنني وأنا أترجم بعضاً من أناشيد أديبتنا التي لا حدود لعظاتها ودروسها وألفباء إنسانيتها، أعترف بأن نشيد فوق الغمام للدكتورة سلوى خليل الأمين، تعجز عنها المكتبات والأسفار التي تملأ دنيانا، ولا تعدل حروف تلك الأناشيد. ولن يدرك من يقرأ هذه الصفحات القليلة، أنه لا غنى له عن التهام أحرف هذا النشيد الذي من شأنه أن يزلزل بعض ما في واقعنا من الظلمة والظلام، والوحشية، والهمجية، والنفوس التي ذوت فيها ورود الحق والخير والجمال، انني أهيب بأبناء الأمة المفجوعة بضحاياها من الأبرياء والأطفال، وجماعاتها التي تنهال فوق رؤوسها وعلى أبدانها سياط زعماء الاجرام ، وهضم الحقوق، غير المبالية بالقيم، ولا تصل إلى مسامعها الدروس والحكم، وليس في قاموسها مكان للخلق السامي، والإباء والعده، والثورة على الجناة، … أن يقرأوا ما في نشيد فوق الغمام من أمثولات، وطهارة الصدق، ووفاء الكبرياء، ليكونوا رسل الأمة، وناقوس الخطر أمام إعصارات الأنفس التي يعيش في حناياها، الموت البطيء، والويل والثبور.
إني أشكر الدكتورة سلوى، على إهدائها إياي نسخة من ديوانها، الذي من شأنه إذا عرفنا كيف نجول في أعماقه، كيف نجد بعض علاج لأمراضنا الخبيثة، وجروح شعوبنا المقهورة، معتذراً عن تقصيري في سبر أغوار هذا السفر الذي لا قرارة لمده العارم، وآفاقه النائية.
****
(*) جريدة الأنوار 21-11-2017.