التحوّل “العولمي” للعلوم الاجتماعية

إعداد ألان كاييه وستيفان دوفوا وترجمة د. جان جبور

عن مؤسسة الفكر العربي صدر كتاب “التحوّل العولمي  للعلوم الاجتماعية” (407 ص.)، من إعداد وتنسيق ألان كاييه وستيفان دوفوا وترجمة الدكتور جان جبور.

يطرح هذا الكتاب إشكالية العلاقة القائمة بين العولمة وتطوّر الأبحاث في ميدان العلوم الاجتماعية ، وقد شارك فيه أكثر من عشرين باحثاً سعوا للإجابة على مجموعة من الأسئلة العامة : هل كان لدى مؤسّسي علوم التاريخ والأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا والجغرافيا رؤية عن الشأن العولمي؟ أين يوجد العولمي؟ هل أن العولمي مفهوم يفي بالغرض، أم أنها مجرّد تسمية تستدعي وضع تصوّر مفاهيمي لها ؟ هل أن العولمي الذي هو في الظاهر متداخل التخصّصات ولا يقيم وزناً لمسألة الحدود، هو في حالة تجاوز للأوطان والتخصّصات ؟ هل يمكن للعولمي أن يكون في أساس نظرية عامة ؟

أسماء معروفة من مختلف البلدان ومختلف التوجهات الفكرية تشارك في هذا النقاش، من بينها : ألان كاييه، ستيفان دوفوا، ميشال فيفيوركا، لسلسي سكلير، ساسكيا ساسّن، باولو هنريكي مارتينز، جون ر. ماك نايل،  جاك ليفي، بيغي ليفيت، بول كينيدي،  جوناثان فريدمان، جوليت فال وغيرهم.   

من الاستنتاجات الأولى لمجمل الآراء المقدّمة أن العولمة تُبرز بشكل متزايد إشكالية التقسيمات الموروثة بين التخصّصات القائمة : الفلسفة، علم الاجتماع، الأنتروبولوجيا، الدراسات الأدبية، التاريخ، الجغرافيا الخ. فالخطابات الجديدة التي تظهر على المستوى العالمي، في جامعات العالم بأسره تتمدّد على تقاطع كل التخصّصات ولا تسمح لأي تخصّص بأن يستوعبها وتُفلت من أية مأسسة أكاديمية. لذلك، وطالما أنها تدّعي التعبير عن شيء مغاير لخيارات الكتّاب الخصوصية يبدو أنها تتحدّث إما باسم أجزاء من تخصّصات قديمة، وإما باسم تخصّص مستقبلي، أو تخصّص احتمالي يكون ما فوق أو ما دون التخصّصات القائمة. تخصّص مستقبلي قد لا يكون بالضرورة تخصّصاً وإنما تخطّياً للتخصّص (أو ما دون التخصّص) .   

أي طريق يجب أن نسلك؟ يسأل الباحثون في هذا الكتاب. فالتخصّصات، مثل الدول القومية، قد تخطّاها الزمن ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تخطّيها، وهو حال قد يستمر لفترة زمنية طويلة. إلا أنها كذلك في تباعد متزايد عن العولمة، وعن تبدّل مقياس ووتيرة العالم. لا بد إذاً من رفدها بمؤسسات تتيح تنفيذ مهامّ التعليم والبحث والتفكير الميتا تخصّصي. وكما لا تتوافر حظوظ كبيرة لقيام دولة عالمية في مستقبل منظور، كذلك ليس من المجدي أن نغذّي الآمال بظهور معرفة عبر-تخصّصية تظلّل العلوم القائمة. في المقابل، من الضروري للغاية أن تتجنّب هذه التخصّصات الانطواء الوطني والشوفيني على الذات. وهذا أمر قد يسهل تحقيقه مبدئياً من خلال قيام تخصّصات ذات طابع عام في العلوم الاجتماعية تستقطب باحثين ومدرّسين متخصّصين ينتمون الى إثنين أو ثلاثة اختصاصات –على سبيل المثال، علم الاجتماع، التاريخ، الجغرافيا، الأنتروبولوجيا، الفلسفة، الاقتصاد الخ. إنه تداخل الاختصاصات الذي نحتفي به دوماً بالكلام، ونرفضه بقوة في الممارسة.   

 أخيراً يرى الباحثون أن معظم التنظيرات السوسيولوجية العامة القائمة أخطأت بفعل إفراطها في النسَقية. فهي انجرفت كثيراً باتجاه ادّعائها امتلاك جواب على كل شيء. وواقع الأمر أن هذا الادّعاء يتعارض تماماً مع روحية العلوم الاجتماعية التي تنطوي على الانفتاح الأولي على التجريبية، لقناعتها تحديداً بأن الواقع الاجتماعي والتاريخي هو أكثر اتساعاً وثراء وتعقيداً لكي يتم فهمه واستيعابه من قبل بعض الآليات المفاهيمية التي يمكن تخيّلها. لذا نحن بحاجة لاستخلاص النموذج الكامن وراء “الدراسات العولمية”. إلا أنه لا يمكن لهذا النموذج أن يكون منهجياً، نموذجاً يقدّم جواباً على كل شيء. سوف يكون نموذجاً يتيح طرح الأسئلة الجيدة، نموذجاً يبحث في كل شيء، انطلاقاً من يقين مشترك بالتعقيد الذي يتّسم به الواقع وبالبُعد المجزّأ والهشّ لكل معارفنا الممكنة. فإذا ما قمنا بذلك نزوّد أنفسنا بالوسائل التي تمكّننا من الإحاطة فعلياً بحركة العولمة دون التضحية أو التخلّي عن التفكير المحلّي والخصوصي. “والمهمة ليست مستحيلة”، يستخلص أحد منسّقَي الكتاب، ألان كاييه.

*منسّقا الكتاب 

ألان كاييه Alain CAILLÉ  هو أستاذ فخري في علم الاجتماع في جامعة باريس الغربية-نانتير-لا ديفانس. من مؤلفاته : “روعة وبؤس العلوم الاجتماعية” (1986)؛ “نقد العقل النفعي” (2003)؛ “الخروج من الرأسمالية” (2013).

ستيفان دوفوا Stéphane DUFOIX هو أستاذ محاضر في جامعة باريس الغربية-نانتير-لا ديفانس، ومدير مساعد لمختبر سوفيابول في نفس الجامعة. من مؤلفاته : “أهل الشتات” (2003)؛ “سياسات النفي” (2002)؛ “العبودية، الاستعمار، وما بعد” (2005).

*أما المترجم  جان جبور، فأستاذ  في الجامعة اللبنانية، وباحث ومترجم. له مؤلفات عدة، من بينها: «الشرق في مرآة الرسم الفرنسي»؛ «النظرة الى الآخر في الخطاب الغربي»؛ «معجم المنجد الفرنسي-العربي الكبير». كذلك له أكثر من عشرين كتاباً مترجماً، من بينها: «الخوف من البرابرة» لتزفيتان تودوروف؛ «مذكرات جاك شيراك: كل خطوة يجب أن تكون هدفاً»؛ «أطلس العولمة» لماري-فرنسواز دوران وبنوا مارتان؛ «الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى» لدومينيك بارتيليمي؛ «زمن المذلولين، باتولوجيا العلاقات الدولية» لبرتران بادي؛ “لم نعد وحدنا في العالم” لبرتران بادي.

 

اترك رد