منى السعودي نحاتة شاعرة تبثّ الدفء في الحجر

في معرضها الجديد حول المرأة والطبيعة

تعرض غاليري «صالح بركات» في بيروت حتى 28 أكتوبر الجاري منحوتات ورسوماً للفنانة منى السعودي، تتمحور حول المرأة، الطبيعة والشعر والخلق… وتجعل من الحجر مصدر دفء وحياة.

أمام أعمال منى السعودي لا بد للمتفرج من أن تغمره مشاعر فرح واندهاش تقوده نحو فضاءات رحبة من التأمل، تخوله الاستماع إلى حكاية كل حجر كما لو أنها صرخة طالعة من القلب. تكشف هذه الحكايات الكثير الكثير من الأسرار وتهمس في عمق الأشكال المجوفة معاناة المرأة وتذمرها، وتخط ألواناً من الشعر مستقاة من نور الطبيعة وظلها…

العناصر الرئيسة في فن منى السعودي، لا تنفصل عن بعضها البعض، بل تتحد في أشكال من الروحانية والتشرد الأثيري. ففي منحوتاتها، ثمة كيان يولد من لا مكان، وينتمي إلى كل مكان، وفوضى مفاجئة تحكي للمتفرح مراحل العملية الإبداعية.

بعدما يصبح الحجر الخام فكرة، مثالاً، تجريداً، وسيلة وغاية في آن، حيث العناصر الأربعة لا تتوقف أبداً عن الالتقاء، ينبثق دفء مصدره الحجر البارد، فتصبح المنحوتة قصيدة. «إلى الحجارة التي نبني من خلالها محيطاً من الأحلام. أحلام المحيط»، تكتب منى سعودي… وبقدر ما ألمّع ترتفع روحي/ وآلهة الغموض تتكلم معي».

منحوتات ولوحات

يضمّ معرض منى السعودي منحوتات أنجزتها بين 1995 و2017. إلى جانب الحجر، عشقها الأبدي، يضمّ المعرض رسومات ولوحات ليس الحجر ببعيد عنها. حتى في المدى اللامحدود للوحة، يحضر الحجر في شكل نصف دائري، وحوله العناصر الرئيسة لفن منى السعودي إنما في شكل آخر: حبر أسود وتدرج الخطوط والألوان، وكلها تعبّر عن المرأة، الطبيعة وقصة الخلق… وتتفجر في سينوغرافيا مضيئة، أخضر، أزرق، أحمر، برتقالي… ضمن تأليف هندسي ضخم تتوق إليه منى السعودي في مجمل أعمالها.

في معرضها الجديد توجه منى السعودي تحيّة إلى الشعر والشعراء، فتغرق المُشاهد في قصائد: محمود درويش، أدونيس، سان جون بيرس. بالنسبة إليها الشعر هو رمز الخصب والنور والبدايات، «في البدء كان الكلمة»، كما جاء في الكتاب المقدس.

قصيدة «اعتدال» لسن جون بيرس، «يد الحجر ترسم المكان، رقيم البتراء» لأدونيس، «قصيدة الأرض» و«تلك صورتها» لمحمود درويش… قاربتها منى السعودي بطريقتها الخاصة من خلال رسوم ليست تزيينية، بل كتابة فنية للخط والشكل، وتضيف إليها خطوطاً دائرية، من اجل اتحاد مطلق مع الكون، بعيداً عن المادة وغوصاً في قلب الحياة.

بيروت وباريس

ولدت منى السعودي في عمان عام 1945، ونشأت في عائلة أردنية تقليدية. في السابعة عشرة، سافرت إلى باريس عبر بيروت لمتابعة اختصاصها الفني فيها. في العاصمة اللبنانية، بدأت تتضح معالمها الفنية والفكرية وفيها التقت أدونيس، أنسى الحاج، بول غيراغوسيان، محمود درويش… الذين ارتبطت معهم بصداقة مدى الحياة. في عام 1964، انضمت إلى المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في باريس، وحازت شهادة في النحت. تقيم في بيروت منذ العام 1969، وفيها عرضت نتاجها الفني ومنها انطلقت إلى أنحاء العالم. تنتشر أعمالها في مجموعات خاصة وفي المجموعات الدائمة في معهد العالم العربي- باريس، متحف المرأة في الفنون- واشنطن، والمتحف البريطاني في لندن…

بين الشعر والنحت

كثيراً ما اعتبرت منى السعودي أن الشعر والنحت صنوان لا يفترقان وأن النحت أصدق تعبير عن الشعر، لذلك عنونت أحد معارضها «شعر في الحجر» (غاليري «لوري شبيبي» بدبي عام 1915)، وكتبت في إحدى قصائدها «حين تفقد الحجارة أوزانها، تصير قصائد». فالنحت، بالنسبة إليها، ليس تطويع الجماد وتشكيله بأشكال مختلفة إنما بث الروح فيه وهو ما يستطيع الشعر وحده أن يفعله، كيف؟ من خلال استلهام من قصيدة أو من بيت شعري منحوتة تدور في فلك هذه القصيدة أو هذا البيت الشعري، فيتحقق اتحاد كلي بين الفنين ما يؤدي إلى بث الدفء في الحجر الذي بدوره ينقله إلى الرائي.

أحبت منى السعودي الشعر بقدر حبها للنحت وأبدعت فيهما، لدرجة أن شخصيتها الشاعرة تبدو واضحة في منحوتاتها وشخصيتها النحاتة تبدو واضحة في شعرها… إنها بحق فنانة تنشر الحياة أينما كان في الحجر وفي الطبيعة، وفي الخط واللون…

****

(*) جريدة الجريدة الكويتية.

 

 

اترك رد