قصتان قصيرتان…

 مشاهد  من واقع المجتمع العربي يجسدها الكاتب والروائي المصري أحمد البحيري قصصاً تنهل من معين المشاعر والأحاسيس، ومن تفاصيل الحياة اليومية، ويرسمها  صورة صادقة عن النفس البشرية بكل أبعادها ومكامن ضعفها… بأسلوب مستلة مفرداته من الحياة بعيدا عن اي تنميق وصتاعة واصطناع… في ما يلي قصتان من مجموعته القصصية الجديدة.

عناق

من قلب البيداء خرجا كعنقاء مغرب. لا جامع لهما سوى غربة الآدمي في زمن الاساطير. الروح واحدة تهجو العلائق وترجو الحياة دون رق الدنانير. لو دخل عراك ساحة اي منهما هرع اليه الآخر بالمنجل والسكين .

وذات مساء طلب زواجها فضحكت حتي بكت وما وجدت بابا مفتوحا  للتأويل.

في الصباح جهز ذكرانه الثلاثة للمدرسة، وذهب لعمله. بينما جهزت ولديها ولما خرجا جاءت ابنتها المتزوجة  غاضبة، فهاتفت ولدها البكر. عالج الولد امر اخته في دقيقتين وسكت. سألت الام:

وانا؟ اشاح الولد وجهه وهو يكتم ضحكته فاثار في اخته الفضول. سألت الاخت: ما الخطب؟ قال امك تبغي الزواج؟ في هذا السن؟ ممن؟ (سألت).

قال: الاستاذ سامي. قهقهت البنت وهي تقول: لا دخان بلا نار. الشارع كله يقول تدافع عنه كزوجة ويدافع عنها كرجلها. قالت الام بكهانة دون ان  تنظر اليهما: انتم من يهمني فماذا تقولون؟

بعد العشاء علم الاستاذ سامي بالخبر فلم يصدق. انتظر حتى خفت حركة الشارع وذهب اليها. شباك حجرتها كان مضاءً. ورغم اتصاله قبل قدومه

تردد امام الباب. الا انه فور دخوله الحجرة اخذها في حضنه وعانقها بقوة ثم قبلها قبلة  ملتهبة تشيب لهاالولدان.

دمّ

وصل الشيخ بعد احدى وثلاثين سنة. كان قد ركب البحر من النبع ولتوه وصل المصب. وكعادة كل غريب لم يعلم بوصوله شقي.

في السهرة اتى اليه الغرباء. كانوا على علم بالامر بدرجات متفاوته. وطلب اقربهم اليه رشدا حال الدم. الشيخ كان يجلس في ركن الحجرة بين سالكين في مواجهة الاحباب. والصفوف انتظمت وحدها دون عناء. والاعناق اشرأبت لتشهد آخر الآلام. والصمت تربع سيدا.

بغياب الاشقياء. في هذا الوقت قدم الشيخ لحاله بواحد من الاسماء. كان مقبوضا في البداية واذا لان ومسه البسط، نظر للسائل وهو يقول : لا احد يعرف كيف يصير الامر ؟ لا قانون يحكمه.

تدوس على مسمار وقت الحفاء ربما. ولو فلت منه التصق باصبع قدمك فأر صغير. وان افلت من الفأر ضرب الدم في الشعيرات الدقيقة الموجودة في المسالك. لاحظ ان الخطر يزيد ويقترب. فان نجوت من المسالك ضرب الدم انفك. ويظل يتنقل بين الاعضاء حيث يهوي داخلك وخارجك حتى يصل العين وفيها نهايته.

سأل آخر: وهل لضرب الدم اثرعلى المركب؟. رد الشيخ لا. انت المراد بالدم. والريح ليست فاعلة الا معك.

سأل ثالث: وما الدعاء الواجب وقتئذ؟

رد الشيخ: لا يوجد غير المعرفة والصبر.

سأل سالك: وهل يخرج ضرب الدم عن السيطرة؟. رد الشيخ ابدا. في حدود التخلص من كهربة الدم الزائدة. اقرب ما تكون الحجامة. اطمئن لن تموت .

ضحك السالك وضحكوا جميعا. واذا انتهت الحضرة وغسل كل منهم ذنوبه باركوا عودة الشيخ ومضوا.

اترك رد