العودة إلى الإنجيل المقدس عودة إلى الكلام المحيي والنهضة الحقيقية
وقع الامين العام لمجلس الكنائس الانجيلية الكتابية في لبنان وسوريا القسيس الدكتور إدغار طرابلسي كتابه الجديد “الوحي المعصوم والمسيحية الكتابية” على خشبة مسرح بيت الطبيب (نقابة الاطباء) في فرن الشباك.
استهل الحفل بقراءة وصلاة مع راعي كنيسة المخلص الإنجيلية ومدير الدروس في معهد اللاهوت الإنجيلي اللبناني القسيس جورج عطية، بعدها رنمت الأستاذة في الجامعة اللبنانية الأميركية ومسؤولة الموسيقى في الكنيسة الإنجيلية الوطنية في بيروت الدكتورة ريم ديب أنشودة الإصلاح الإنجيلي المبنية على كلمات المزمور 46 ووضعها ولحنها المصلح الأول مارتن لوثر، وترجمها للعربية أسعد الراسي.
والقى الصحافي والشاعر حبيب يونس كلمة حول الإصلاح الإنجيلي في أوروبا وفي بلادنا، وهو الذي أعد وقدم حلقة تلفزيونية خاصة من شاشة “أو تي في” للمناسبة مع القسيس طرابلسي، وهي بمثابة وثيقة تاريخية عن الإنجيليين في العالم وفي لبنان، وعن أبرز ما حققوه في السياسة والعلم والطب والاقتصاد والعمران والبيئة والمشاريع الانمائية التي لا تحصى ولا تعد.
ثم كانت كلمة رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان القسيس الدكتور سليم صهيوني القاها رئيس السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان القسيس فادي داغر، تحدث فيها عن الاصلاح الإنجيلي عبر التاريخ، منوها بضرورة التمسك بالجذور والعودة إلى الكتاب المقدس.
وكانت كلمة للاعلامي جان حدشيتي قال فيها: “إننا نجتمع سوية لنشهد على مولود لاهوتي جديد وثوري، على كتاب يستصرخ كل مسيحي أن يعود إلى جذور مسيحيته، إلى الكتاب المقدس، حيث “الوحي المعصوم والمسيحية الكتابية” وهو عنوان هذا الكتاب ويجب أن يكون عنوانا لمسيرة كل مسيحي لأننا من دونه لا يمكننا أن نكون مسيحيين”، مضيفا: “إن رفض عقيدة الوحي الحرفي والكلي للكتاب المقدس – كما يشرح هذا الكتاب – فليس سوى رفض لفكر الرب وتفضيل للآراء الشخصية عليه”.
طرابلسي
والقى طرابلسي كلمة قال فيها: “نجتمع اليوم لإطلاق كتابي: “الوحي المعصوم والمسيحية الكتابية” وDVD وذلك من ضمن فعاليات الذكرى الخمسمئة للإصلاح الإنجيلي التي يحتفل بها أكثر من 900 مليون إنجيلي أو 40% من مسيحيي العالم هذا الشهر. وقد يسأل أحدنا، ما الرابط بين الموضوعين؟ الرابط قوي جدا. فلولا الكتاب المقدس لما حصل الإصلاح الإنجيلي. فالإصلاح لم يكن حركة تمرد قام بها راهب ألماني أو ملك إنكليزي رغب بتغيير زوجته! بل كان نتيجة إعادة اكتشاف كلمة الله.
كان بعد سقوط القسطنطينية في العام 1453 أن علماءها ذهبوا إلى أوروبا فساهموا بعلمهم وبفكرهم النقدي بإحياء دراسة اللغة اليونانية والمخطوطات الكلاسيكية مما أغنى حركة النهضة الـRenaissance ومهد الطريق لحركة الإصلاح الديني الـReformation.
قام العالم دزيداريوس إيراسموس بمراجعة النصوص المقدسة ووضع نصا يونانيا مضبوطا للعهد الجديد مع قواعد تفسيرية سليمة لفهمه، وكان ذلك في العام 1516. الأمر الذي نشط دراسة كلمة الله وأنشأ حركة اعتراضية كبيرة على فساد رجالات الكنيسة وعلى بعض المعتقدات والممارسات السائدة يومها. وكان بين الذين تأثروا بإيراسموس الراهب الأغوسطيني مارتن لوثر الذي نجح في إحداث إصلاح وتغيير حقيقيين.
ويوم حكم على لوثر بالحرم لاعتراضاته على بيع صكوك الغفران بالمال وموضوعات أخرى ذات صلة، أخفاه أمير ساكسونيا، فردريك الثالث، لئلا يحرق كما حصل مع ويكلف (1384) وهوص (1415) وسافونارولا (1498) الذين حاولوا إصلاح الكنيسة وترجمة الكتاب المقدس للغات الحية. وانصرف لوثر إلى ترجمة الكتاب المقدس إلى الألمانية. وكان اختراع الطباعة المتحركة لجوهان غوتنبرغ في العام 1455، الأثر الكبير في انتشار الكتاب المقدس. فانكب الناس على دراسة كلمة الله واكتشاف تعاليمها، وابتدأت التغييرات تحصل في فكرهم، وهكذا ولد الإصلاح الإنجيلي الذي ترك تأثيره الكبير على الكنائس والأمم والحضارة.
أما لوثر، وغيره من المصلحين، فوافقوا الآباء بأن الأسفار المقدسة دونت بعمل مباشر من الروح القدس، “الناطق بالأنبياء”، كما جاء في قانون الإيمان النيقاوي، الذي أعطى الكتاب ما قاله الله فنقلوه بدورهم للناس. فكتب هؤلاء “مسوقين من الروح القدس”، كما شهد الرسول بطرس فجاءت كلماتهم “موحى بها من الله” (أو بنطق روح الله) كما يؤكد الرسول بولس. والعجيب بأمر أسفار الوحي أنها جاءت موحدة الهدف، تشهد لمسيح واحد ولمخلص واحد ولرب واحد، رغم تجاوز عدد كتابها الأربعين فردا عاشوا في فترة زمنية تجاوزت ألف وأربعمئة سنة.
وكان رسل المسيح يكتبون ويشجعون الكنائس المحلية على تبادل كتاباتهم ودراستها. واقتبس بعدهم الآباء الرسوليون الأسفار بشكل كبير حتى يقال أنه لو احترقت جميع الكتب المقدسة في العالم، لتمكنا من إعادة تجميع النص المقدس من اقتباسات أولئك. وابتدأت التحديات تتوالى في تاريخ الكنيسة. فيوم قام أناس ينشرون كتابات منحولة نسبوها للرسل، كان الرد بوضع لائحة قانونية تحدد ما كان مقبولا ومصدقا بختم الروح القدس. ولما كانت الكنائس بحاجة لنسخ موثوقة من الكتاب المقدس أمر الملك قسطنطين النساخ المحترفين بتزويد نسخة كاملة لكل كنيسة قائمة في أيامه. ونشط التفسير المجازي في الإسكندرية، واللغوي والتاريخي في أنطاكيا، مما أغنى الفكر المسيحي.
وعندما دخل العالم المسيحي القرون الوسطى، حصل تحول كبير: فمن مسيحية تبحث في الكتاب إلى مسيحية مهتمة بإغناء الليتورجيا والفنون الكنسية. وهكذا اختفت الدراسات الجدية للكتاب المقدس حتى قامت حركة الإصلاح الإنجيلي في القرن السادس عشر. ويشهد علماء الإجتماع – ومنهم ماكس ويبر – أن حركة الإصلاح بوضعها الإنجيل المقدس بين أيدي الناس لم تسبب النهضات الروحية والدراسات الكتابية وبناء الكنائس الوطنية وحسب، بل ساهمت أيضا بانطلاق التقدم العلمي والإختراعات والصناعات والإقتصاد والفنون والآداب وغيرها. وتركت هذه الحركة الإصلاحية أثرها المباشر على الديمقراطية والبرلمانات والتشريع وصولا إلى إحقاق حرية الضمير وفصل الدين عن الدولة وولادة الدولة المعاصرة وحقوق الإنسان والمؤسسات الإنسانية والإجتماعية.
وواجهت الحركة الإنجيلية التحديات بدورها. وعلى رأسها كان التحدي الذي شكلته الفلسفة العقلانية Rationalism في القرن التاسع عشر، إذ ابتدأ رفض وجود إله كلي القدرة يحكي الناس ويتدخل في شؤونهم بشكل فائق فابتدأ التشكيك بوحي كلمة الله وبعصمتها، وذلك لأول مرة في تاريخ الكنيسة. وازداد الهجوم على كلمة الله في بداية القرن العشرين، حتى وصل لدى البعض منهم إلى رفض بعض العقائد المسيحية الأساسية وضرب مطلقية الأخلاق الكتابية. وانتقلت فيما بعد موجة التنكر للوحي ولعصمته إلى معظم مدارس اللاهوت لدى جميع الطوائف المسيحية. وقليلون انتبهوا، في البداية، إلى الأثر المدمر لهذه المدرسة على رجال الدين والعامة وعلى الشهادة المسيحية.
وهكذا وقعنا في المحظور، فأصابنا تصحر روحي عارم. فلا الشعب يقرأ الكتاب المقدس، ولا رجال الدين يجيدون تفسيره بطرق سليمة، وفي الوقت عينه يستمر اللاهوتيون بالتهكم على فكرة الوحي ورفضه. وفقد الكتاب المقدس مصداقيته لدى الكثيرين من النخبة والعامة الذين صاروا يتداولون مقولات واهية يظهرونها كحقائق، ومنها: أن “الإنجيل محرف”، وأننا لسنا “أهل الكتاب” وأن “المسيح لم يترك لنا كتابا” بل أعطانا نفسه… وغيرها. وزد على ذلك في بلادنا أنه وبسبب ما ارتكبه الصهاينة بات الكبير والصغير يتباهى بالتنكر للعهد القديم والتهجم عليه، علما أنه الكتاب الذي قرأه وعلم منه المسيح والعذراء والرسل والآباء، واغتنت طقوس الكنيسة شرقا وغربا من مزاميره ونصوصه المقدسة”.
وتابع: “ومن المضحك المبكي أنه وبعد تفريغ الأسفار المقدسة من وحيها الإلهي، نرانا نبكي على فتورنا الروحي وهزالتنا الإيمانية وإنهيارنا الأخلاقي ونجاهد لنعيد الناس إلى كلمة الله فنتفاجأ أنهم لا يبالون. فلماذا ينصتون لكتاب قديم “مشوب بالأخطاء” ولا يخاطب عقولهم وهو غريب عن مسائلهم الحياتية المعاصرة؟ أليس هذا ما يفتكر به الناس؟ أليس هذا ما جعلنا نطبع بالعلمانية الإنسانيةSecular Humanism والمادية والإلحاد واللاأدارية والخرافات الشعبية والتعصب الطائفي والأفكار المختلفة فابتعدنا فكريا وعمليا عن إنجيلنا المقدس حتى صرنا بلا مسيح وبلا وحي وبلا هوية واضحة؟”.
اضاف: “أنا أؤمن أن إنجيل المسيح هو “قوة الله للخلاص لكل من يؤمن”. وإن أردتم أن تعرفوا قوة هذا الإنجيل أقول لكم اليوم – وبعد خمسمئة سنة من الإصلاح – لا تنظروا إلى الدول الأوروبية والإسكندينافية والأميركية التي نشتهي أن نعيش فيها لما هي عليه من تقدم ورقي وحقوق إنسان بسبب تأثير الإصلاح والإنجيل عليها ذات يوم. ولا تنظروا إلى نمو حركة الإصلاح الإنجيلية، بل انصتوا إلى ما قاله المسيح: “إن أحبني أحد يحفظ كلامي” و”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة”. وعندها سترون ما يمكن لكلمة الله أن تعمله بكم.
في كتابي هذا “الوحي المعصوم” حذرت من العبثية اللاهوتية والدمار الروحي التي خلفها التنكر للوحي على بعض الكنائس الإنجيلية، وتركت لأبناء الكنائس الأخرى أن يعالجوا آثاره عندهم. وأنا اعترف أن مجتمعاتنا المشرقية تتوجس من الفكر الإصلاحي والدراسات الكتابية الجدية خوفا من المس بتقاليدها وحفاظا على هدوئها. والحق يقال أن العودة إلى الإنجيل المقدس هي عودة إلى “الكلام المحيي” الذي يعمل فينا نهضة حقيقية والذي بدونه تتحول ديانتنا إلى تراث جامد يجتذب البعض وتبتعد عنه الغالبية”.
وقال: “أمنيتي لكل صديق هي أن تعود إليه الثقة بالكتاب المقدس ويلتزم به. هذا ما عمله عالم الرياضيات الأبرز، بلايز باسكال، إذ عاهد الله: “لا أنسى كلامك” (مز 119: 16). صلاتي لكل صديق أن يسمح لإله الوحي أن يستعلن له عبر كلمة الله، وهكذا يتعرف إلى المسيح شخصيا ويصير مسيحيا حقيقيا. وهنا اقتبس ما قاله القديس جيروم مترجم الفولغاتا اللاتينية: “عدم معرفة الأسفار المقدسة هو جهل للمسيح”. وأختم بقول لأحد الأفاضل: “أنك إن أردت أن ترى الله: إقرأ كتابه، فوحدها الأسفار المقدسة يحضر صاحبها عندما تقرأها!”
وشكرالحضور، قائلا: “غمرتموني بمحبتكم، وأقول لكم أنتم بالقلب وأعتز بصداقتكم و”شرفتونا”.
وكان سبق الحفل عزف لثلاثة من كبار المؤلفين الموسيقيين العالميين الانجيليين وهم: هاندل، باخ، وماندلسون، عزفها كل من منى سمعان، وآن كلير الخوري، ورانيا كلاب، وربال كلاب.
وفي الختام، أقيم حفل إستقبال وتم توزيع الكتاب وDVD على الحضور.