الفنان والمخرج جان شمعون وافلام الازمة الفلسطينية

جسد المخرج “جان شمعون صورة “(Jean Chamoun)  الصراع السياسي عبر العديد من افلامه الوثائقية ، مما منح افلامه صفة تميزها  بخاصية  حبكها بجمالية وثائقية ، لمحاكاتها الازمات بمصداقية وثائقية،   وبحيوية المشاهد في لقطات تختصر الكثير من المعاني البصرية التي ركز عليها “جان شمعون”  رغم الميزانيات المادية الضئيلة . الا انه اكتفى برؤيته للاوضاع السياسية والاجتماعية،  محاولا ترك الاصداء المعنوية في افلام يعالج فيها الموضوعات الاجتماعية والسياسية،  وبنظرة انسانية وثائقية تنطبق على الواقع الذي يؤرشفه وثائقيا،  فاتحا نوافذ التاريخ على حقبات مهمة في تاريخ لبنان دون معالجة،  وانما بمصداقية لقصص تروى عبر كاميرا او قصة او الحدث بحد ذاته الذي ينطلق منه من اختيار موضوعاته لا سيما تلك التي تتحدث عن لب الازمة الفلسطينية وتشعباتها حول العالم . راسما بذلك الصراعات السياسية ومن يجسدها في لبنان وخارجه دون ان يتخذ المواقف من ذلك .

خلال الحرب الاهلية التي جرت في لبنان ، استطاع “جورج شمعون”  الاحتفاظ بابرز الاحداث التي سجلها ، وقد نالت على الجوائز كل من فيلمه الوثائقي” تل الزعتر” و”ترنيمة الحرية” مستمراً بعد ذلك بانتاج الافلام الوثائقية.  اضافة الى البرامج التي قدمها مع الفنان “زياد الرحباني”  قبل اطلاقه فيلمه الطائف المدينة او ظلال المدينة،  وهو ملحمة في الطموح الرامي الى نهاية الحرب  من منظور شخصية رامي وهو طفل صغير نزحت اسرته من جنوب لبنان .

تصوير موضوعي  يصب في خانة الحدث وقوته وجمعه وتمحيصه والذاكرة بتفاصيلها الدقيقة لتواريخ مهمة ،  وتقديمه للناس من منظار الفيلم الوثائقي واهميته في الاحتفاظ بكينونة الاحداث والدخول اليها من ارض الواقع التي حدثت فيه ” ان الفيلم الوثائقي يروي قصة عن الحياة الواقعية . قصة تدعي المصداقية . والنقاش بشأن كيفية تحقيق ذلك بصدق ونزاهة لا ينتهي ابدا في ظل وجود اجابات متعددة. .” مع التقييد بالتجارب الميدانية من خلال الشخوص في كل فيلم عرضه المخرج “جان شمعون”  ملتزما بالتشويق وعناصر اللقطة الموحية،  والمختصرة للحدث متقيدا بمدة الفيلم وبتجسيد فني  ايجازي تصويريا . معتمداً على التصويرالجزئي من عدة جوانب،  والمشهد المحتوي على الايحاءات للحلول من خلال استعراض المشكلات والقدرة على الخروج برؤية مشتركة مع المشاهد.

ولد المخرج اللبناني جان شمعون عام 1944 درس السينما في جامعة باريس اوائل السبعينات . واحتفظ برصيد وثائقي  استطاع من خلالهم رصد الكثير من الاحداث من هذه الافلام ” تل الزعتر”، “انشودة الأحرار”،” رهينة الانتظار”، كما شارك مع زوجته المخرجة “مي المصري”  عدة افلام منها: “تحت الأنقاض” ،”بيروت جيل الحرب” ، “يوميات بيروت” ، وفيلم روائي هو “طيف المدينة”.  توفي في 11اب عام 2017.عن عمر ناهز ال 74 عاما. تاركا ارثا فنيا عدا عن البرنامج الاذاعي بعدنا طيبين في بدايات الحرب الاهلية حيث شكل مع زياد الرحباني ثنائيا يعرض كل تفاصيل الوضع السياسي والاجتماعي،  بسخرية لم تنفصل عن هدفه الاول وهي الازمة الفلسطينية وذاكرة الحرب الاهلية لتنحصر افلامه وفق رؤيته الخاصة،  بما يخص الجنوب اللبناني كبقعة جغرافية متنازع عليها،  وكازمة فلسطينية  سببها العدو الاسرائيلي.

قام بتجهيز فيلمه” تحت الانقاض”  و” زهرة القندول”  بعد زواجه من المخرجة “مي المصري”  وقد حصدا معا نجاحا بعد عرضهما ونالا العديد من الجوائز بعد ذلك عن هذين الفيلمين. ليكملا لاحقا فيلم “جيل الحرب ”  عام 1989،  و” احلام معلقة”  عام 1992 مركزا على الاشخاص الحقيقيين في تجسيد الادوار.  او الاشخاص الذين تعرضوا لازمات متعددة خلال الحرب الاهلية في لبنان. ولا ننسى “ارض النساء”، فيلم احلام معلقة “والخراب الذي يجسد فترة قاسية مرت على لبنان،  وجعلت من البيوت كومة من الحجارة ومجموعة فجوات ذات اطلالات على الابنية مع “رامبو ” والذكريات القائمة على المحاربين الذين شاركو في الحرب وتأثيرات مؤلمة مع صوت فيروزي . والنهش الانساني القائم على النزاع الشبيه بلعبة كرة،  وانتهت فجأة بعد 16 سنة من النزاع القائم على الاختلاف،  مما ادى الى القتل والاختطاف ،  وبأصوات حقيقية لمعاناة الامل الضائع وكأنها كوابيس الحروب التي لا تنتهي .

في فيلم “احلام معلقة”  دخل الى لب الحدث مع التي تم اختطاف زوجها  واصبحت فيما بعد ضمن تجمع الاهالي للمخطوفين ولجنة متابعة،  لرصد كل تحركات اهالي المخطوفين وبمصداقية الاحاديث المسجلة والمصورة وعددهم 17 الف مخطوف ومفقود،  وهذا يبقى ضمن تاريخية هذا الفيلم الوثائقي الذي يلملم شتات الانسانية بعد الحرب الاهلية في لبنان. واعادة البناء ضمن الورش والذكرى الحافلة والتعاسة ليؤكد من خلال شخصية الفيلم اننا بشر . مع الاحتفاظ بمأساة الام المهجرة وهي تقول :”انا مهجرة يا امي والدهر هجرني ” الفيلم استطاع اغراق القصة بلقطات مضحكة مبكية مع مشهد الرجل الذي يدهن بيت السيدة بعد الخراب والمشارك بالحرب . فسخرية الحرب مثيرة للدهشة لانها شبيهة “برامبو  ” الدهان والمشارك بالحرب من قبل مع الاعترافات الساخرة بين الاصدقاء . مشهد الخراب في هذا الفيلم لا يقل اهمية من حديث من حمل السلاح وهو ابن العشر سنوات في حرب لبنانية انتهت وبقيت راسخة في افلام وثائقية استطاعت منح صورة الحرب وجها آخر للحياة .

اما “فيلم طيف المدينة “الذي بدأ بصوت سيارات الاسعاف والاعترافات الراسخة في نفس الرجل الذي يروي قصة حياته في الحرب او بالاحرى قصة الصبي ابن القرية الذي يحلم كيف سيصبح فنانا . لتندمج اصوات القذائف مع الموسيقى التصويرية بتوازي مع المشاهد الموجعة،  والسيارات المحملة بالعائلات المهاجرة الى الاماكن الاكثر امنا . فموسيقى  “عمر بشير ” المؤثرة لم تهدأ الا بين لقطات تضحك تبكي،  لتكمل بمؤثراتها السمعية على طيف المدينة . جمالية هذا الفيلم تكمن بتصوير ازدواجي بين القصة واللقطات وبعفوية تميل الى اظهار تفاصيل الحياة الاجتماعية في تلك الفترة .

*****

(*) خاص متحف فرحات من اجل الإنسانية.

 

اترك رد

%d