خليل رامز سركيس

        

 

 

 

 

 

خليل رامز سركيس (1921 – 2017) الكاتب والأديب والصديق، غادر عالمنا في مكان هجرته في لندن. ولكنه سيعود ليدفن في ثرى لبنان وفضاء المكان الذي أعطاه جذوة عمره وأحلامه، وسيحيا في أوراق الكتب كلما أضاءت الشمس نور السطور.

منذ كتابه الاول “صوت الغائب” مروراً بـ “من لا شيء”، الذي قدّم له الشاعر بولس سلامة  (1958) وحتى “أيام السماء” و”أرضنا الجديدة” و”مصير” و”جعيتا” و”هواجس الاقلية” وغيرها. وهو يتوغل، على مهل، في الكتابة، واللغة تحت قلمه طيعة، لا كلفة فيها، وان فيها الكثير من التأمل، ووقوع الكلمة في محلها. غرفت أعماله من الفكر والفلسفة والأدب والمقارنة الحضارية، ولكنها لم تخرج عن ما هو جمالية الأدب بمعنى الصياغة المدققة المتأنية التي تحفر حتى الجذور.

وفي كل ذلك كان خليل رامز سركيس يرود حداثة المعنى دون الشكل، لأن الشكل كثير التكاليف، وقد أضناه الوصول اليه. ولأنه استمرار للنهضويين سلالة وارثاً وانتماء. ولذلك كان في بيانه متفرداً عدا ولادته من الفكر والانطلاق في ابعاد بلا حدود، وعدا الدقة التي لازمته ملازمة المبدعين الكبار، وعدا حسن اختيار الكلمة وكأنه العيّار الأول والأخير لنصه، ثمة الانشداد الموسيقي للنص.

لبث خليل رامز سركيس يتابع ما يكُتب وما يُنتج. ويكتب رسالة او خاطرة او فكرة. وتلك بادرة وفاء لمن كتب معهم وكتبوا معه وكتبوا اليه. وكان يحب، على كلاسيكيته، الذين يخربطون ولكن بأصول . او كما قال العلامة الراحل الشيخ عبدالله العلايلي ” ان يهربوا باحسان” . وهكذا بدا ارتباطه بجريدة “لسان الحال” ارتباطاً موثقاً بالوفاء، واستمر فيما بعد مع  “الندوة اللبنانية” وصديقه الأثير ميشال أسمر، وأيضاً مع دار الجديد، وهكذا مع مجتمعه وكنيسته والأصدقاء.

أذكره في بيته في لندن حين زرته في العام 2007  يحملك بسرعة الى قلبه وتتلمس للتو ذاك الصدق الذي يبقى قنطرة. لمست حنيناً مضطرماً في قلبه، ولكنه لم يكن حنيناً الى الجزء بل الى الكل. وأمام النافذة والأشجار والهدوء والأعشاب وتلك الشمس الطرية التي تقول ولا تقول. رأيته يعقد المقارنة بين هواء لندن وهواء رأس بيروت. وهكذا انعقدت الصداقة بيننا وتعمّدت في عمل كتَب مقدمته للصديق المشترك الدكتور سدرك حداد واعدته د.فريدا حداد، وجمعت فيه عظات والدها وخطبه.

من كان مثل خليل رامز سركيس لا يترك شاردة او واردة تفوته، فقد  كتب لائحة بأسماء وأرقام هواتف الذين ينبغي الاتصال بهم لدى وفاته. ووضع اوراقه في ملفات. وانتظر …

كان يعرف ان اللقاء في الوجود لمحة او فصل او كتاب واننا لا بد سنلتقي.

كتب في الصفحة الاخيرة من كتابه “من لا شيء”: “ما أدري أين، ولا متى. بل أكاد اسائل نفسي: أمن لقاء بعد الآن؟ أم كان التقاؤنا لمحة، وافتراقنا بغتة، كأنا ما التقينا، في الكتاب، ولا أفترقنا.  الى اللقاء في غد، ولا فرق بين يوم ويوم فآية الغبطة ان نلتقي، هنا، او هناك، او هنالك، اليوم، او غداً، او بعد غد، على مثل رجاء القيامة: قيامة القلم، يوم حسابه، في وصلة منه، او فصل، او في كتاب. فلا تغلقن  بابك خلفنا، أيها الصديق القارىء ، والسفر منا مشرع على دفتيه ، والقلم، بشقيه ، يسيل على ذكر الأدب، وما ينفك ذاهباً آيباً منه إليه.

فالى اللقاء، ولسوانا الوداع”…

اترك رد