ترجمة شعريّة لمعزوفة موسيقيّة
إنّ موت الشّابّ الأعزب أو الشّابّة العزباء في مقتبل العمر فاجعة لا تدانيها فاجعة، وكلّ دموع البشر، وكلمات الأرض والسّماء لا تبعث على العزاء.
يُعتبر الموسيقيّ الألمانيّ فرانس شوبرت ( 1797- 1828) من كبار الموسيقيّين العالميّين، وقد كان معاصراً لبيتهوفن العظيم (1770 – 1827 ) حتى جاوره في ضريحه ، وكان يعيش حياة بوهيميّة قبل شيوع استخدام هذه اللفظة في الفنّ الأوروبيّ والفكر والسّلوك في المجتمع .
لقد عاش من أجل الحافز الإلهيّ الكامن في أعماقه الذي كان يسوقه للخلق ، ويشوقه إلى الإبداع في جميع أشكال الموسيقى الغربيّة من موسيقى ارتجاليّة وَهْلِيَّة بنت لحظتها على آلة البيانو، أو موسيقى وتريّة ورباعيّات وصوناتا وسيمفونيّة وأوبرائيّة وقداديس ، وهو عند الألمان ” أبو الليدر ” ، وهي مجموعة الأغاني والقصائد التي لحّنها لشعراء ألمانيا مثل جوته وشيللر من المشهورين ولكثير من المغمورين ، وقد زادت عن ستمائة أغنية تجمع الكلاسيكيّ إلى الرومانتيكيّ ومنها قصيدة جوتة ” الوردة البريّة ” وقصيدة موار ” عند النّافورة أمام الباب ” من مجموعة أغانيه “رحلة الشّتاء ” تمييزًا لها عن مجموعته الأولى ” الطحّانة الحسناء ” . ومن روائعه أغنية ” جرتشن أمام المغزل ” و ” إليّ بالوسادة النّاعمة ” وأغنية “المساء ” و” الرّاعي على الصّخرة “و” ملك الغاب “وهذي ذات شهرة كبيرة تحكي عن موت طفل بأسلوب قصصيّ وتصعيد دراميّ ، وكذلك “الموت والصبيّة “.
أطلق شوبرت على الرّباعيّة الوتريّة لآلتي الكمان والفيولا والتشيللو رقم 14 اسم ” الموت والصبيّة ” وقد أنشأها من الحركة الثّانية من النّصف الثّاني من أغنية “الموت والصبيّة” كلمات لشاعر مغمور يُدعى Matthias Claudius وكلمات الأغنية حوار بين الموت والصّبية منها كما أتخيّلها:
الصبيّة:
مُرْعِبٌ يا مـوتُ تأتي مُفْـزِعًا وأنا ما زلتُ في فَجْرِ الشّبابْ
لم أعشْ بعدُ حياتـــي والمُنَىَ قابَ قَوْسَيْنِ وَلِيْ منها اقترابْ
وَجَمَالِيْ كيفَ تَمْحُوْهُ بِلا رَحْمَـــةٍ حتّــــى يُوارَى بالترابْ؟!
وَثِيَابــي تَرْتَدِيْهــا بَدَلِـــي حِيْــــنَ لا تَلبسنـــي تلك الثّيــاب
الموت:
لا تَخَافي يا ابْنَتِي من عابـــرٍ فأنا في رِحْلَـــةٍ أبْغِــي الإيــابْ
فاطمَئِنّي واغْرَقِي في غَفْوَةٍ فوقَ صدري حيثُ تَنْسَيْنَ العذابْ
وَإذا شِئْتِ سلامًــا دائمًـــــا فادخُلـــي ما بينَ جِسْمِي والثّيابْ!
وَأنا للنّاسِ أبغـــــي نَقْلَـــةً ذاتَ يُسْــرٍ مـن تُــــراب لتــــرابْ
وَحيــاةُ المَـــرْءِ ما عاشَ تُرَى من سَــــرَابٍ ثُمَّ تَغْدُو لِسَـرابْ
لا يُعَـزِّي النّاسَ إلا الموتُ إذْ أرْجُلُ النّاسِ جميعًا في الرِّكابْ
ثم يمضي بها بعيداً قيل أن تلبس ثوب الزّفاف!