المعرض يحتفي بالمصورة المغربية ليلى علوي
ضمن احتفالاته بعيده الثلاثين ينظِّم معهد العالم العربي في باريس معرض «مصورو العالم العربي» في دورته الثانية (13 سبتمبر- 12 نوفمبر)، بالتعاون مع «بيت الصورة الأوروبي» وستة أماكن باريسية أخرى، لتسليط الضوء على الإبداع الفوتوغرافي في العالم العربي. وقد تم اختيار تونس لتكون ضيفة شرف في المعهد، كذلك سيتم تكريم المصورة المغربية الشابة ليلى علوي التي توفيت بعد إصابتها بجروح في هجوم مسلح في بوركينا فاسو في يناير العام الماضي، على أثر مشاركتها في الدورة الأولى لهذا المعرض.
تقترح الدورة الثانية من معرض «مصورو العالم العربي» اكتشاف فضاءات جديدة للتصوير الفوتوغرافي الحديث في العالم العربي، بتقنياته المختلفة من بينها تجهيز وفيديو، والنظرة المختلفة إلى قضاياه وفق شخصية كل مصور فوتوغرافي ورؤيته للأحداث الجارية من حوله. وكانت الدورة الأولى عقدت عام 2015.
يشارك في هذه الدورة نحو 50 مصوراً فوتوغرافياً، من لبنان ومصر والسعودية والمغرب والجزائر وتونس وسورية ومصر وبعض الدول الأوروبية، يقدمون أعمالاً تغوص أكثر في عمق المجتمعات المحيطة بهم وتركز على قضايا محددة، بعدما قدّمت الدورة الأولى نظرة شاملة وعامة لهذا العالم العربي.
اما اختيار تونس، كضيف شرف، فمرده إلى أن فن التصوير الفوتوغرافي فيها لا يلقى مساحة واسعة للبروز، فضلاً عن الرغبة في اكتشاف خصوصية البلد بآماله وآلامه وتناقضاته.
شاعرية وتوثيق
لا بد للزائر لهذا البينالي من أن يلاحظ نظرتين إلى العالم العربي: الأولى شاعرية، والثانية موثقة للأحداث وواقعية.
القاسم المشترك بين المصورين المشاركين في البينالي من عرب وأجانب، أنهم تأثروا بهذه المنطقة من العالم وحاولوا فهم خلفية الأحداث والإشكاليات التي تعصف بها لإبرازها على حقيقتها وليس من وجهات نظر شخصية.
من أبرز المصورين المشاركين في المعرض: أحمد الآبي (مصر)، يستوحي أعماله من الحياة اليومية في المجتمع المصري. جابر العظمة (سورية)، يركز في أعماله على اللاعدالة في العالم العربي من التهجير إلى الدكتاتوريات إلى الصراعات… روجيه غراساس (اسبانيا) يتساءل في أعماله حول مفهوم الغربة في الأماكن حيث يمتزج الماضي بالحاضر. برونو حدجي (فرنسي من أصل جزائري)، يندرج عمله ضمن إطار التوثيق، ويعلق أهمية على الصحراء لنقض نظرة البعض بأنها مساحة غير قابلة للتغيير.
ومن الفنانين المشاركين في المعرض أيضاً: رانيا مطر (لبنان)، تستكشف مسائل الهوية والأنوثة عند المراهقات. معاذ العوفي (السعودية)، يقوم عمله على الاهتمام بالمساجد في المملكة العربية السعودية وتلك المهجورة في جوار المدينة المنورة. تسنيم السلطان (السعودية)، يقوم عملها على نهج سردي حول حقوق الإنسان في مختلف الطبقات الاجتماعية السعودية. سارة نعيم (سورية)، تركز أعمالها على البعد الثالث في الصورة، رندا ميرزا (لبنان) تجمع في أعمالها بين الواقعي والافتراضي وتشكل أعمالها قراءة نقدية للتطور المديني. زاد ملتقى (لبنان)، تركز أعماله على محاولة تسجيل حركة الكواكب والنجوم والتناغم بينها. هيلا عمّار (تونس)، تركز في أعمالها حول قضايا الهويّة والذاكرة. مونا كاراي (تونس)، تمزج في أعمالها بين المواضيع السياسية-الاجتماعية وبين التجارب الشخصية، في محاولة لاكتشاف كيفية بناء الهوية والذاكرة. جلال غاستيلي (تونس)، يركز على استكشاف مدن مغربية من بينها طنجة وفاس ومراكش مستنداً إلى كتابات عبدالوهاب مدّاد.
في خضم النزاعات التي تشهدها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، تبقى الهوية العربية وحدها متجذرة في هذه الأرض رغم بروز جماعات تدعي زوراً الانتماء إليها، من هنا يبدو بعض الأعمال ينبض بشجن وحنين إلى تلك الهوية صانعة العلم والحضارة والثقافة وليس صانعة الموت والإرهاب. في هذا السياق يعمل فيليب دودوي (سويسرا)، منذ 2008 على التطور الاجتماعي- السياسي لمنطقة الصحراء الساحلية.
الهدف الرئيس من هذا البينالي، ابتكار مساحة تجمع بين مصورين فوتوغرافيين من العالم العربي وآخرين من أنحاء العالم زاروا العالم العربي وصوروا نواحي من حياة المجتمعات فيه، وذلك بغية فهم أعمق للقضايا العربية وتبادل الخبرات ووجهات النظر، من هنا يبدو واضحاً أن المجتمعات العربية تحكمها التعددية وأن لكل واحد منها فرادته وخصوصيته، ويبرز ذلك في الصور الفوتوغرافية التونسية التي تدل على عمق الروابط بين الناس وأرضهم ومجتمعهم وحتى الذين هاجروا بلدهم تشكِّل الصور الفوتوغرافية رابطهم الوحيد بها.
يقترح المعرض رحلة توثيقية شاعرية وجدانية إلى العالم العربي، تزخر بوقائع وتفاصيل لكن من دون أن تقع في دوامة القضايا اليومية الاجتماعية والسياسية والأمنية، بل تجتاز المدن والقرى والبلدات والأفكار وتقتحم المحدودية في التفكير وتتجاوز بعض العادات والتقاليد لتقديم أعمال جديدة ورؤية جديدة.