قراءة  أدبية في ديوان مونية لخذاري (تنتظر غيوم الشوق لم تمطر)

  

 

 

صدر عن (دار شيماء للنشر والتوزيع) نقاوس – باتنة، ديوان شعر للشاعرة والقاصة الشابة مونية لخذاري ويعتبر هذا الديوان اولى باكرتها في مجال الابداع، رغم أنها تعتبر من بين الاديبات المتألقات اللواتي فرضن ابداعهن بكل قوة وجدارة من خلال كتابتها المتنوعة، كالنثر والقصة القصيرة والقصة الومضة ، ونشاطاتها المتميزة على شبكة التواصل الاجتماعي، حيث تنشر في العديد من المجلات والجرائد الالكترونية والمنتديات العربية.

وكان لها الحظ حيث قرأ لها الشاعر والناقد العراقي ناصر ناظم القريشي قراءة نقدية في أجمل قصائدها ونشرت في كتاب مع مجموعة من القراءات لأدباء عرب تحت عنوان  (العين الثالثة) صدر في جمهورية مصر العربية ، وفازت بعدة جوائز في القصة القصيرة والقصة الومضة على مستوى العالم العربي ، إلا انها لم تلق اهتماماً من طرف الاعلام والصحافة في الجزائر، وحتى من طرف المسؤولين عن القطاع أو الجمعيات، وبقيت مونية تكتب في صمت وهي تعيش شبه منعزلة في بلدتها بسكرة، حتى فرجت عنها بطبع هذا الديوان الذي سنقدمه للقارئ الجزائري والعربي لعله يلقى رواجاً واستحساناً من طرف النقاد والقراء.

يحتوي هذا الديوان على 33 قصيدة نثرية عالجت كل ما يجوب في خاطر الشاعرة من احساس مرهف وغزل والتعبير عن الروح التي تبحث عن منفذ من أجل التحليق بعيداً في سماءِ صافية تبهج القلب.

((إلى كوّن نموْتُ فيه وُلدت منه وجئت إليه
انتميت إليه وراحلة منه
أمي ، أبي بصيرتي للطمأنينة
إلى كل وطن عشت فيه ولو بصمت
زارته نسائمي، فنثرت حبًا من الله منه وإليه بعطر الملائكة))

هكذا بدات الشاعرة ديوانها الذي عنونته ( غيوم الشوق لم تمطر) كلماتٰ مضخنة بالشوق لكل ما هو جميل كتبت بفلسفية غرقت بين حناياها الاشواق الى كل ما هو جميل ، حنين الام وهيبة الاب، شموخ الوطن الذي لايغيب عن حضنها، الى قدر الحياة التي تعتبرهامونية حياة دائرية نأتي منها ونرحل منها ، كتبت الشاعرة والقاصة مونية لخذاري القصيدة النثرية بفلسفية راقية حد الوجع في غياب الحنين الذي يؤجج مهجتها كلما وصلت اليه، وهي تبحث عن منفذ الى النور رغم حزن بعض القصائد، إلا انها تبرح بنا الى عالم جميل ، حسب تعبيرها في مقدمة الديوان.  تقول مونية:

(( غيوم الشوق لم تمطر…هديل لا ينتهي في امتداد شوق عذري طافح بالوهج والإشراق بحنين الروح الى الروح نداء مضمخ بالوداد والتماهي على نفس واحد وروح واحدة وشوق واعد لنبض عذري ينسكب من دفق قلب واحد لقلب واحد ويترجم صفاء السريرة لامرأة لا يستهويها الانهيار الحضاري)).

هي ترجمة عميقة لشوق منتظر سيأتي يوماً مع شتاء بارد وغيوم ستمطر فرحاً وشوقاً لتنبت بذور الشوق ورود الربيع الجميل.
عُرِفتْ الشاعرة مونية لخذاري بأنثى الخريف. هذه الأنثى التي تعبر عن خبايا الروح لتزرع وروداً في عز الخريف، كتبت عن نضال المرأة العصرية التي لا تهاب الانهيارات ولا التخلف وتصارع الحياة العصرية من اجل البقاء الاجمل لها ، في قصيدتها. تقول مونية :

كأني أناجي السفر إليك
في أوراق الخريف
ممرات مكتظة بزحمة الحفيف
و ليل عابس الملامح
لا ينتهي في ألوان الصباح.
كأني أجوع
و العطش مازال يقتلني
لتموت مني رغبة العناد صراخاً
واستسلم للكفاح بصمت
” لن أكون شهيدة البقاء بيدين مقيدتين ”
ازرع هذا بين زهور حقولك!
تذبل و يونع آس أنوثتي

جميل ان تتحدى مونية كل الصعاب حتى ولو بالصمت حتى لا تموت شهيدة بيدين مقيدتين، تطرح تحدي آخر. بقوة الانثى الصامتة وأحيانا الصمت ابلغ من الكلام، عرفت مونية بكتاباتها الفلسفية الغامضة احياناً والصارخة احياناً والحزينة حيناً، حيث تترك القارئ يبحث في عمق كلماتها عن مخرج الى النور، وتتركه يتيه في لعبة جميلة يتمناها أن لا تنتهي، وهو التعبير الفلسفي حيث تقول في قصيدتها ( لو كنتَ غريباً) تعبيراً نادراً  في ابياتها، وهي ابنة بوابة الصحراء بسكرة، كيف توصف بغربلة الشمس بالرمل تعبير مجازي فلسفي له اكثر من دلالة وهي شمس الصحراء التي لا يغيب عنها الضياء..

لو كنت غريباً
وعدتك بنسياني
بالسيرِ حافية في الصحراء
مرافقة القوافل
بغربلة الشمس بالرمل
والاستظلال من الظلام.

اما قصيدتها التي عنونت بها الديوان ( غيوم الشوق لم تمطر) فيها فيضُ من الحنين لغيوم تنتظرها مع كل خريف يأتي بغيوم توحي بالفرج، وتنتظر و تنتظر أن تهب ريح تزعزع ذاك الشوق الساكن في قلب الغيوم الرمادية التي لا توحي بزخات انفاسه، رغم غيوم الشوق بداخلها سوداء هي عتمة الغياب وليلة اخرى لم تنته من شتاء بارد ويتلاشى مرة اخرى في حضرة الغياب..

تعابيرفلسفية عميقة تعبر عن اشواق بداخلها تشبه الغيوم الممطرة التي تمر على الشوق ولن تشفي ظمأه تقول: رغم الرغبة رغم الحب رغم التحدي تكفي ابتسامة باردة لتخمد ذاك الحب الكبير المشتعل داخلها والمكدس بالشوق .

غيوم الشوق لم تمطر
أترقب خطواتك
لا شيء يوحي بزخات أنفاسك
حتى غيوم الشوق داخلي
سوداء ولم تمطر
هي عتمة الغياب
ومسافة باردة
ليلة أخرى لم تنته من الشتاء
رغم لقاءات الاعين.
/
احتضار آخر
يرتشف الأنين ماء
يعلق على جدران المدائن
سقوطاً بدون معركة
وربما استسلام
هروب أكيد
من رأس ريشة
لون يمتص الألوان!
/
لن تمطر..
رغم الغيوم السوداء
ضباب آخر
يجمع نفسه لتتلاشى أنت
مساحة أخرى من الغياب
لقتل قدومك
حضورك
وجودك
مع اللقاء..في اللقاء.
/
لا شيء يسمم الذاكرة
يحرق من الروح لمسة عطر
وأي شيء
بدون سلاح
يبني تحت التراب بيتا
رغم الحب
الشوق
الرغبة
التحدي
تكفي ابتسامة باردة
لتخمد ناراً ملتهبة!
/
جلوس آخر
ترقب لتبعثر يجمع الأنا
بعاصفة هائجة
يرمي على الشواطئ
أسماكاً بدون صنارة
ويدا صائدة !

(29- 5- 2015)

اترك رد